دعانى الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية مشكورا إلى اللقاء الذى نظمته المكتبة أمس تحت عنوان «الثقافة، والمثقفون آفاق جديدة» ومن المقرر استكمال نقاشاته حتى مساء اليوم.
ويكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة لأنه أول لقاء يعقده مدير المكتبة الجديد مع المثقفين منذ تولى منصبه قبل نحو ثلاثة شهور خلفا للدبلوماسى البارز الدكتور مصطفى الفقى.
من جهة أخرى فإنه يأتى بعد أن أضيفت للدكتور زايد مهام جديدة تخص ملف الثقافة فى جلسات الحوار الوطنى وبالتالى فإن مخرجات لقاء الإسكندرية ستكون ذات تأثير كبير على جدول أعمال جلسات الحوار وتوصياته.
ومن هنا فالمسئولية مشتركة بين إدارة المكتبة والمثقفين فى ضرورة رفع سقف النقاش لتقديم رؤية واضحة وصريحة حول واقع الثقافة المصرية اليوم ومقاربة القضايا التى ينبغى أن تكون على رأس الأولويات خلال المرحلة المقبلة.
وأولى هذه الأولويات فى تقديرى تتعلق بالرؤية التى تتبناها المكتبة بشأن أدوارها خلال المرحلة الراهنة، فبعد عشرين عاما من العمل لا يزال السؤال قائما حول «هوية» المكتبة.
وكما نعلم جميعا فإن المكتبة خلال ولاية الدكتور إسماعيل سراج الدين وفى ظل تدفق تمويلات من مؤسسات دولية رفيعة المستوى استضافت عدة شخصيات دولية ذات ثقل كبير فى مجالات كثيرة، ويكفى أن نذكر منها المخرج مارتن سكورسيزى والروائى الإيطالى المفكر أمبرتو إيكو، بالإضافة إلى عشرات الحاصلين على جوائز نوبل فى الطب والعلوم والكثير من خبراء المؤسسات الدولية، وبفضل هذه النوعية من المؤتمرات انعقد حولها الكثير من الأمل.
خاصة أنها اشتبكت مع محيطها واستضافت أهم مؤتمر إقليمى أقيم حول «الإصلاح العربى» وصدرت عنه تقاريرغاية فى الأهمية كان بإمكانها الحد من فاتورة خسائر انتفاضات الربيع العربى بتهيئة جميع الأجواء لمسارات سياسية أفضل.
وبعد رحيل سراج الدين تراجع الدور الدولى للمكتبة خلال ولاية الفقى التى عصفت بها جائحة كورونا فلم تهيئ له فرص العمل بطريقة تلائم قدراته وتعكس شبكة العلاقات التى يملكها ومن ثم نجحت «كورونا» فى تعطيل ووقف أغلب الفاعليات والوصول بها عند مستوى الحد الأدنى.
ومن ثم فالمطلوب اليوم هو أن تنجح المكتبة فى استعادة حضورها الدولى وتأثيرها الإقليمى بشرط ألا تتحول إلى حكومة ظل لوزارة الثقافة كما سعى البعض إلى ذلك فى الماضى، كما لا ينبغى للمكتبة أن تكون طامحة لمنافسة أنشطة هيئات الوزارة سواء تلك التى تؤديها قصور الثقافة أو التى كان يقوم بها المجلس الأعلى للثقافة خلال سنوات ازدهاره، لأن هذه المهام أبعد ما تكون عن الوظيفة التى أسست من أجلها.
المكتبة واجهة متوسطية كوزموبوليتانية وينبغى أن تظل كذلك بمثابة تمثيل للسمة الحضارية تعبر عن المدينة التى قدرها حماية التنوع الثقافى والتعبير عن تجلياته.
ومن وجهة نظرى فالأولى بالمكتبة متعلق بتفعيل أدوارها الدولية إلى جانب الاهتمام بمراكزها البحثية وإعادة تأهيل كوادرها بالتدريب المتواصل لتتحول لمؤسسة منتجة للمعرفة فى جميع مجالات البحث لأنها فى الوقت الحالى مجرد مؤسسة تقوم بتخزين الكتب وإتاحتها أمام طلاب الجامعة الذين يأتون إليها لنسخ معلومات يضعونها فى أبحاث لا يقرؤها أساتذتهم لأن حال البحث العلمى بالذات فى مجال العلوم الإنسانية لا يسر العدو أو الحبيب، ومدير المكتبة أكثر دراية منا بهذه الحقيقة فهو أستاذ جامعى بارز فى علم الاجتماع وله مؤلفات بالغة الاهمية حول خطاب الحياة اليومية فى مصر ومؤلفات أخرى عن الدين وحضوره فى المجال العام وحول تناقضات الحداثة وبالتالى فهو من أكثر الناس المؤهلة لإعادة الأمور إلى نصابها فيما يخص إعادة النظر فى دور المكتبة أو فى التعبير عما يشغل المثقفين اليوم من قضايا تدور حول المطالبة باتساع المجال العام وإعادة النظر فى القوانين المقيدة للحريات وتمثيلات الدين فى الحياة اليومية.
من جهة أخرى على المثقفين العمل على إيجاد مدونة واضحة تدفع فى اتجاه بناء سياسة ثقافية ملزمة لوزارة الثقافة بشأن الحفاظ على دعم الخدمة الثقافية التى تقلصت عند مستوى الحد الأدنى بحيث يعاد النظر فى أسعار الخدمات المقدمة فى مجال نشر الكتب التى تصدر عن هيئات الدولة إلى جانب أسعار المسارح ودار الأوبرا التى تنافس بل تزيد عن أسعار الحفلات الخاصة.
والأهم من كل ذلك ضرورة أن تيسر الدولة بالقوانين والتشريعات فرص دعم الصناعات الإبداعية التى أوشك الكثير منها على التوقف، بالإضافة إلى دعم الفاعلين فى القطاع الثقافى والبحث فى إمكانية تبنى رؤية حكومية شاملة بشأن تشجيع الاستثمار فى الفنون لتحقيق عائد اقتصادى محفز يدفع الدولة من جديد لتعظيم دور القوى الناعمة أو القوى الذكية بوصفها أحد محددات النظر لكفاءة أى نظام سياسى وهى مسألة لم تعد تحتمل البلاغة وحدها وإنما هى بحاجة إلى سياسات ورؤى وتشريعات.