هل مازال باستطاعتنا أن نحلم؟ - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:15 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل مازال باستطاعتنا أن نحلم؟

نشر فى : الإثنين 28 مارس 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الإثنين 28 مارس 2022 - 8:55 م
هذا مقال عن الحلم ولكن كيف تكتب عن الأحلام فى وقت يرى فيه بعض الناس أحلامهم سواء الكبرى أو الصغرى معرضة للانهيار. وهل فعلا الحلم هو هروب من مواجهة الصعاب أم محاولة للتعايش معها أو ربما بداية للعبور إلى مكان أفضل. كتبت المقال قبل فترة ولكنى أتساءل هل هو فعلا مازال ملائما؟
الحلم الذى كتبت عنه يتعلق بعملى ومحاولة بدأت منذ زمن لتقليل الفجوة بين الحياة الأكاديمية والواقع الملىء بالتحديات الذى نعيش فيه. كنت دائما أرى أن قدرتنا على بناء روابط بين الحياة الأكاديمية والواقع وتضييق الهوة بينهما لأقل مسافة هى مهمة للغاية للأكاديمية كما هى مفيدة للواقع، لأن تجاهل الواقع والتعامل معه بصورة افتراضية ينتهى بنا فى الغالب لنوع العمران والحياة التى نعيش فيها الآن. فهمى الشخصى لعملى كأستاذ وليس مدرسا يسمح لى ببعض المساحة من التجريب قمت به عبر السنوات الماضية فى عدة جامعات مصرية ولكنى مارسته فى جامعتى (القاهرة) لفترة طويلة وحتى الآن وأتمنى أن أكون قادرا على الاستمرار فى المستقبل.
• • •
أصبح روتينا لدى الآن عند تقديم التصميم المعمارى للطالبات والطلاب أن أشرح لهم أن العمارة ليست متعلقة فقط بالوظيفة ومتانة الإنشاء والجمال ولكنى أضيف الأساس الرابع وهو مراعاة البيئة الطبيعية. كما أؤكد لهم على محورية الخيال فى قدرتنا على الفهم والتفكير ومن ثم الاقتراح وكيف أنه هو أهم تحدٍ للمعمارى أو المعمارية (وربما لأى إنسان بصفة عامة). فى هذا العام اقترح زميلى العزيز أن نبدأ مباشرة بتصميم مبنى سكنى وتساءلت عما يمكن أن أقدمه لطلاب وطالبات يواجهون إشكالية تصميم بيت لسكن فنان(ة) مصرى(ة).
قلت لطالباتى وطلابى دعونا نبدأ أولا بمحاولة لفهم الفن قبل أن نتساءل عن الفنان (ة). ولكن السؤال عن الفن ينقلنا إلى الجمال الذى يقع فى جوهره. استعنت بمقال نشر لى هنا منذ سنوات قليلة بعنوان «هل يمكن أن ينقذنا الجمال؟» وأرسلته للطلبة لقراءته وقلت لعله يساعدهم. وكانت خطتى الأساسية تبدأ بزيارة متحف الفن المصرى الحديث المجاور للأوبرا ثم زيارة متحف المثال العظيم محمود مختار القريب منه. وطلبت من طلبتى أن يقوموا بجولات فى المتحفين ثم نتجمع بعدها ونتناقش. كنت قبل بداية الجولتين قد سألتهم عن ما فهموه من قراءة المقال ولكن بدا لى من الإجابات أنه لم يكن كثيرا. كانت جولتهم فى المتحف المصرى الحديث مفيدة لأنهم تعرفوا على بعض الفنانين لأول مرة، كما رسم بعضهم بعض الكروكيات للوحات أعجبتهم ودار نقاش عما لفت انتباههم وتوقفوا عنده. فى متحف الفن الحديث، كان العرض مرتبكا ومربكا ولا شك أنه فى حاجة ماسة لإعادة النظر لتمكين الزوار من النظر والتأمل فى أعداد معقولة من الأعمال ومن خلال سيناريو ومعلومات تضع تلك اللوحات فى سياقها وتوفر معلومات عن الفنانين.
عندما انتقلنا لمتحف محمود مختار وهو مبنى من تصميم المعمارى الرائد رمسيس ويصا واصف كان الوضع أفضل كثيرا ليس فقط لجمال المعروضات وجمال التصميم ولكن أيضا لجمال الساحة الخارجية التى مكنتنا من الجلوس على حافتها مستظلين بشجرة عظيمة ربما من عمر المتحف وكان النقاش أفضل.
كنت خلال زياراتى السابقة لمنطقة سقارة الأثرية ومتحف إمحوتب قد لاحظت أن مكان انتظار الأتوبيسات السياحية دائما ما يكون شاغرا. وقلت ولم لا نستخدم هذه المساحة الكبيرة بصورة أفضل وقلت فى نفسى لا شك أن وجود مكان للفنانين فى هذا الموقع هو استخدام لمساحة مهملة وإمكانية حقيقية لاستضافة فنانين من مصر وكل أنحاء العالم وربطهم بالواقع والمجتمع المحلى من خلال هذا المكان الملهم. رأى الطلبة والطالبات كيف أن هذا الموقع الذى يقع حرفيا بين وادى النيل الأخضر والصحراء الغربية هو ملىء بالكائنات الحية سواء الحيوانات والطيور. وناقشنا خلال زيارتنا لمتحف إيمحوتب ــ وهو المعمارى المصرى القديم الذى قام بإنشاء الهرم المدرج ــ بعض الملاحظات عن الجمال فى مصر القديمة.
•••
كان التساؤل عن الفنان محوريا فى عملنا لأنه بدون حوار مع مستخدم محتمل حقيقى من الصعب للغاية للمعمارى أن يستخدم خياله لاقتراح ما يخدم هذا المستخدم. وطلبت من كل طالب وطالبة التوجه لشباب الخريجين من كلية التربية الفنية الجميلة أو الفنون الجميلة للبحث عن فنان(ة) شاب(ة) يرغب فى التعاون فى هذه التجربة. كان هدفى التأكيد على أنه بدون وجود لمتلقٍ حقيقى فنحن سننتج ربما افتراضات نظرية أو أوهاما بعيدة جدا عن الواقع.
من خلال الحوار الذى استمر لعدة أسابيع بين الطلبة والفنانين ناقشنا وأعدنا طرح الأسئلة للوصول للأحلام وليس لمجرد الرغبات. حنان الفنانة قالت لطالبة إنها تحلم «ببيت ريفى بسيط وحقيقى» أما إسلام الفنان فقال إنه يحلم ببيت «واسع يشعر فيه بالراحة والطمأنينة» وكان حلم محمد ببيت «مندمج مع الطبيعة». واكتشفنا جميعا أن الفنان (ة) الذى لديه (ا) فى الغالب حساسية أكبر لما حوله، له أحلام غير بعيدة ربما عما يحلم به كل منا. وأصبح التحدى لكل طالب أو طالبة هو فى كيفية تخيل ورسم وصنع نموذج مصغر لبيت يحقق هذا الحلم فى هذا المكان.
لم نتجاهل التعامل مع الوظائف المختلفة فى البيت كما لم نتجاهل الأبعاد الفنية الأخرى كاتجاه الرياح والشمس وخلافه ولكننا أيضا تعاملنا بجدية مع حلم الفنان الإنسان فى مسكنه، وكان استخدامنا المجسمات البسيطة الثلاثية الأبعاد التى تحتوى على الأثاث اللازم لكل فراغ فى معمل المجسمات الذى أنشأه القسم منذ سنوات لكى يستطيع كل طالب وطالبة التعامل مع الظروف الحقيقية لكل فنان بصورة مركبة وينتج عنها مقترح ليس بعيدا عن الواقع.
كانت النتيجة بالنسبة لى وربما لبعض زملائى أيضا جيدة للغاية لأننا غالبا ما نتصور صعوبة طرح التحديات الحقيقية كما هى لطلابنا فى مقتبل دراستهم، ولكنى آمل فى أن تكون تلك القفزة فى الماء البارد ربما منعشة لخيالهم وتصوراتهم عن دورهم المستقبلى فى الحياة وربما تساعدهم على التعامل مع التحديات التى يواجهونها ليس بتبسيطها ولكن باستخدام خيالهم المبدع لجعل واقعهم وواقعنا أكثر حساسية وجمالا.
ربما يكون الحلم من وجهة النظر تلك ليس هروبا من الواقع الصعب ولكن مواجهة جادة تحمل أيضا بعض التحدى لتلك الصعوبات وقد تستطيع هذه المواجهة الجادة واستخدام خيالنا أن تدفعنا لشق طريقنا للأمام حتى ولو قليلا.
التعليقات