فى غمرة الأحداث المؤسفة والمتلاحقة التى يمر بها الوطن العربى، وآخرها نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس وسقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين دفاعا عن عروبة المدينة وعن الهوية العربية، تلقيت رسالة من يومين جلبت لى الكثير من السعادة والأمل.
الرسالة هى دعوة من «مؤسسة عبدالمحسن القطان» لحضور افتتاح مركزها الثقافى الجديد بمدينة رام الله يوم الخميس القادم. وقد تلقيت الدعوة من الصديق العزيز «عمر القطان»، المسئول عن أعمال المؤسسة منذ إنشائها ورئيس مجلس أمنائها الحالى، وهو أيضا نجل المرحوم «عبدالمحسن القطان»، رجل الأعمال الفلسطينى الذى توفى فى مطلع شهر ديسمبر الماضى بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال من أجل حقوق الشعب الفلسطينى المسلوبة.
وقد تم إنشاء المؤسسة فى شكل جمعية أهلية بريطانية عام ١٩٩٣ ثم استكملت إجراءات التسجيل فى فلسطين عام ١٩٩٨. وطوال العشرين عاما الماضية نجحت المؤسسة فى تحقيق رسالتها التنويرية والحضارية من خلال أنشطة عديدة فى قطاع غزة والضفة الغربية فى جميع مجالات التعليم والفنون والآداب والمنح الدراسية ورعاية الأطفال، وكل ما يؤدى إلى تمكين الشباب من التسلح بأدوات العلم والثقافة لمواجهة القمع والاحتلال الإسرائيليين، والتعامل مع متطلبات العصر، والاستعداد لتحديات المستقبل.
وقد اختار «عبدالمحسن القطان» ومعه «عمر» وأسرته وأصدقائه العمل فى المجال الثقافى والتعليمى انطلاقا من القناعة بأن التحدى الذى يواجه الشعب الفلسطينى والامة العربية بوجه عام ليس فقط الاحتلال والصراع على الأرض والموارد، وإنما أيضا الحفاظ على الهوية الثقافية أمام محاولات طمسها والارتفاع بالمستوى التعليمى والثقافى والمعرفى لجيل جديد من الشبان والشابات كى تكون لديهم الأدوات التى تمكنهم من التقدم والمقاومة والمنافسة وعدم الاستسلام. هذا درس تعلمه الفلسطينيون منذ سنوات طويلة واهتم به الكثيرون ممن قدموا الدعم والمساعدة للطلاب والدارسين. ولكن ما تميزت به مؤسسة «عبدالمحسن القطان» وجعلها تقف فى طليعة هذا الجهد أنها اتخذت لنفسها شكلا مؤسسيا، مستداما، قادرًا على الاستمرار، وعلى التأقلم مع مضايقات وتدخلات الاحتلال الاسرائيلى والعنف والتعنت اللذين يمارسهما ضد كل انواع المقاومة حتى ما كان منه فى المجال الثقافى والتعليمى.
ولكن ما نفع التعليم والثقافة فى مواجهة القتل والقمع والحصار الذى يواجهه الشعب الفلسطينى منفردا وفى غياب دعم عربى أو مساندة دولية؟ الواقع أن النفع قليل بمعيار ما يجرى على الأرض وما يقدمه الفلسطينيون من تضحيات كل يوم من شهداء ومصابين ومنازل مهدمة وزراعات بائرة. ولكن من جهة أخرى فإن التعليم هو الرهان الوحيد المضمون للمستقبل وهو الشكل الأكثر استدامة للصمود وهو السلاح الأمضى فى مواجهة الظلم. ولهذا فإن كل استثمار فى التعليم والثقافة وتنمية البشر هو بالضرورة استثمار ناجح وذو عائد إيجابى لأنه يبنى للمستقبل ويجنى ثمارا أكيدة.
وتحدى التنمية البشرية لا يواجه الفلسطينيين وحدهم، بل هو التحدى الأكبر للوطن العربى بأسره، خاصة فى تلك البلدان الشقيقة التى تعرضت للحروب والارهاب والنهب والصراعات القبلية والطائفية وتحتاج اليوم لإعادة بناء وتعمير. فمن يتابع البرامج والخطط للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولى لا يرى إلا تنافسا على الفرص القادمة لبناء الطرق والكبارى والمطارات والعواصم واقتناص الفرص لتوريد المعدات والمواد والبضائع، ولكن لا يجد ذات الاهتمام والاخلاص فى التفكير والاستعداد للنهوض بتعليم وثقافة ومهارات عشرات الملايين من الشباب العربى.
تحياتى للعاملين والمشاركين فى النشاط المتميز لمؤسسة «عبدالمحسن القطان» ولأفراد أسرته وأصدقائه، وأثق أنهم يعلمون أن غياب الحضور المصرى عن مناسبة الافتتاح ليس تجاهلا ولا عدم اكتراث بل للاسباب المعروفة والتى قد لا تمثل إلا قيمة رمزية، ولكن للرمز أهميته.
وبمناسبة الرمز، ما رأيكم فى أن عنوان المركز الثقافى الجديد لمؤسسة «عبدالمحسن القطان» بمدينة رام الله فى شارع اسمه «النهضة النسائية» بجوار «دوار نلسون مانديلا؟».