التكنولوجيا وفرص العمل - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:39 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التكنولوجيا وفرص العمل

نشر فى : السبت 28 مايو 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 28 مايو 2022 - 8:55 م
كنا قد تحدثنا فى السابق عن تأثير التكنولوجيا على سوق العمل، لكن مع تسارع الأحداث والتقدم التكنولوجى أعتقد أنه لزاما علينا أن نعيد مناقشة هذا الأمر من آن لآخر. الكثير من الناس تنبهر بالتقدم التكنولوجى فى شتى المجالات وبعد أن يهدأ هذا الانبهار تبدأ نبرات القلق فى التصاعد ويتساءل الناس هل وظائفنا مهددة؟ هل سيحدث ذلك فى القريب العاجل؟ ماذا نفعل؟ وأوضح مثال على الانبهار الذى يتبعه القلق هو التقدم الحادث فى مجال الذكاء الاصطناعى. فى مقالنا هذا نحاول الإجابة على هذا السؤال: ما هو تأثير التكنولوجيا على فرص العمل؟ نريد أن نناقش هل التأثير سلبى أم إيجابى وماذا نستطيع أن نفعل حيال ذلك.
يجب أولا أن نعرف معنى عبارة «فرصة عمل»، عندما نقول أن مشروعا ما سيخلق عدد كذا من فرص العمل فيجب أن نعرف الإجابة عن عدة أسئلة مهمة: هل هى فرصة عمل دائمة أم تنتهى بإنتهاء المشروع؟ وما معنى فرصة عمل دائمة؟ لأنك لا تستطيع أن تضمن عمل لشخص ما مدة الحياة ولكن عادة يكون العمل بعقود يتم تجديدها حسب الكفاءة وحاجة العمل إلخ من المعايير، لكن دعنا نفترض أن فرصة عمل دائمة معناها أنها لا تنتهى بإنتهاء مشروع ما. الإجابة عن كل تلك الأسئلة مرتبطة بنوعية الوظيفة لذلك عندما تتغير نوعية الوظيفة ستتغير فرص العمل، والتكنولوجيا هى أحد أهم المؤثرات على سوق العمل.
التاريخ ملىء بالوظائف التى اختفت نتيجة للتقدم التكنولوجى مثل «السقا» أو عامل المصعد أو عامل توصيل الخطوط فى السنترال أو عمال الحسابات الذين كان يحسبون باليد والورقة والقلم إلخ، كانت هذه الوظائف إلى حد ما دائمة لكنها اختفت، إذا حتى الوظائف الدائمة ليست بمنأى عن الخطر.
التكنولوجيا تتسبب فى إختفاء وظائف لكن أيضا تخلق وظائف جديدة لم تكن متواجده من قبل وهذا يقودنا لعدة أسئلة مهمة: هل سرعة إختفاء الوظائف وسرعة ظهور الوظائف الجديدة واحدة؟ هل عدد الوظائف المختفية يساوى عدد الوظائف الجديدة؟ هل الوظائف الجديدة دائمة؟ أم مؤقتة؟ ما الاختلاف فى طبيعة الوظائف المختفية وتلك الجديدة؟
سرعة اختفاء الوظائف وسرعة ظهور الوظائف الجديدة ليست متساوية وما يجعل الموضوع معقدا أن الفارق بينهما يعتمد على ظروف كل دولة، فالدول الغنية التى تستطيع استقدام أو تصنيع أو ابتكار التكنولوجيا المتقدمة تكون سرعة ظهور الوظائف الجديدة أسرع أما الدول الأخرى فستأخذ وقتا أطول لأنها قد لا تستطيع ادخال التكنولوجيات الجديدة إلا فى وقت متأخر عن الدول الأخرى. هناك عامل دولى يجب أخذه فى الاعتبار وهو أن تكنولوجيا ما تظهر على المسرح العالمى وتجبر جميع الدول على استخدامها والا انعزلت عن بقية الدول مثل أغلب تكنولوجيات الاتصالات والانترنت.
نأتى الآن إلى سرعة إختفاء الوظائف وهى أيضا تعتمد على ظروف كل دولة، اختفاء وظيفة ما معناها أن أعدادا من الناس سينضمون إلى قافلة العاطلين، أعداد هؤلاء الناس والوقت والمجهود اللازمان لتأهيلهم لوظائف جديدة هى عوامل تأخذها الدول فى الاعتبار، لذلك قد تتخذ دولة ما قرارا بتأخير استخدام تكنولوجيا ما عن عمد حتى تكون تلك الدولة مستعدة لمواجهة تداعيات الوظائف التى ستختفى.
الذى يحدث عادة أن التكنولوجيا الجديدة تظهر على استحياء ثم تتواجد تلك التكنولوجيا الجديدة مع القديمة لفترة من الزمن ثم تختفى التكنولوجيا القديمة مع كل الوظائف التى كانت قائمة عليها، أعتقد أننا سنشاهد ذلك فى العقد القادم عندما تبدأ السيارات ذاتية القيادة فى الخروج من طور التجارب إلى الحياة العملية وإختفاء وظيفة قائدى السيارات.
التكنولوجيا المتقدمة عادة تقوم بعمل العديد من الأشخاص، فمثلا إذا كان هناك عشرة أشخاص يقومون بمراجعة حسابات شركة ما فإن موظف واحد مع جهاز كمبيوتر يكفى جدا لعمل نفس المهمة وبنسبة خطأ أقل كثيرا، وهذا معناه أن عدد الوظائف المختفية سيكون أكثر من عدد الوظائف الجديدة فى أغلب الأحيان.
نوعية الوظائف المختفية هى التى تحتاج مجهودا عضليا أكثر ومجهودا عقليا ومعرفيا أقل، وبالتالى فإن الوظائف الجديدة ستحتاج إلى قدرات عقلية ومعرفية أكثر وهذا يعطى التعليم أهمية قصوى.
التكنولوجيا تؤثر على جميع مناحى الحياة وجميع الفروع العلمية وحتى الأدبية لذلك يجب على المدارس والجامعات وضع ذلك فى الاعتبار عن طريق تحديث المناهج من حيث المحتوى ومن حيث طريقة التدريس لأن تدريس نفس المحتوى وبنفس الطريقة لمدة عشر سنوات مثلا لا يستقيم مع العصر الحالى القائم على التحديث المستمر لمواكبة التقدم التكنولوجى.
التكنولوجيا وتأثيرها على سوق العمل يتأثر بالتعليم.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات