روسيا وسوريا.. اختبار مبدأ بوتين - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا وسوريا.. اختبار مبدأ بوتين

نشر فى : الخميس 28 يونيو 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الخميس 28 يونيو 2012 - 8:35 ص

لم تكن الكتابة عن سوريا وعلاقاتها الدولية فى أى وقت مسألة عادية أو بسيطة. سوريا، بلدا أو شعبا، تدفع الكاتب، إن كان معلقا صحفيا أو باحثا أكاديميا، إلى بذل جهد مضاعف ليلتزم الموضوعية. ذكر لى أستاذ غربى متخصص فى شئون الشرق الأوسط أنه فى كل مرة كتب عن سوريا قضى وقتا طويلا ومرات عديدة بعد الانتهاء من الكتابة يقرأ ما كتب ليقنع نفسه بأنه لم يتخل عن موضوعيته.

 

 

 

اعتقدت، وما زلت أعتقد، أن سوريا حالة خاصة فى العلاقات الدولية والإقليمية، وأن مجموع تأثيرها فيما حولها أكبر كثيرا من مجموع قواها الصلبة، وربما أكبر أيضا من مجموع قواها الناعمة والصلبة معا. وقد اجتهد الكثيرون من الأجانب والعرب فى محاولات متعددة لفهم هذه الحالة الخاصة، وتعددت اجتهاداتهم، وإن كان أكثرها يصب فى خانة الموقع الإستراتيجى لسوريا بمعناه الواسع، أى ضرورة الأخذ فى الاعتبار الطبيعة الاستثنائية لبعض العناصر الديموغرافية والجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية وغيرها.

 

●●●

 

كانت هذه المقدمة الطويلة نسبيا لازمة للتعليق على النتيجة التى توصل إليها مؤخرا محللون سياسيون، وهى أن من يريد الوصول إلى دمشق لغرض يتعلق بالأزمة الراهنة يتعين عليه المرور بموسكو. ولا شك أن تصريحات المسئولين فى موسكو وتصرفاتهم أمام كاميرا تدعم هذه النتيجة، وإن سعت إلى تضخيمها.

 

درج محللون فى بداية الأزمة على الاستهانة بموقف روسيا من تطورات الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. وصف أحدهم الخلاف الناشب بين أمريكا وروسيا حول المسألة السورية بأنه كالجدل على مشط بين رجلين كلاهما أصلع، كلاهما لا يعرف ماذا يفعل.

 

يعتقد محلل آخر أن الطرفين الروسى والأمريكى يتدخلان فى سوريا حرصا منهما على أن تظل الأزمة محكومة داخل حدود سوريا فلا تنزلق نحو لبنان أو العراق أو تركيا، ولتبقى إسرائيل ملتزمة وعودها بعدم إلقاء الزيت على النار.. يقول هذا المحلل السياسى عن روسيا، إنها مهما ناورت واعترضت وتفاوضت فإنها تلعب دور المتشدد فى قضية لا تملك جميع مفاتيحها أو حتى أغلبها. يقول عن الولايات المتحدة إنها مهما أبدت من اهتمام وعبأت مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة وضغطت على الجامعة العربية أو سايرت بعض الدول فيها، فإنها تبقى حريصة على ألا تتجاوز دائرة اللغو والإيحاء بالحركة.

 

●●●

 

قد يكون هناك صحة فى بعض ما كتبه المحللون و ما سطره الدبلوماسيون فى تقاريرهم عن المرحلة السابقة، ولكن أجد نفسى الآن أقرب إلى الاقتناع بأن وراء التصعيد الكلامى والعنف الدموى والحشود الدولية قضايا حقيقية تستحق التوقف عندها بالدراسة والتدقيق ودوافعى هى:

 

أولا، كتب فلاديمير بوتين، فى صحيفة الشعب الصينية عشية زيارته الأخيرة لبكين، مقالا بتوقيعه جاء فيه أنه «بدون مراعاة مصالح روسيا والصين ومشاركتهما المكثفة لن تسوى قضية فى العالم ولا شىء سيتغير». هذا المقال حمل أكثر من إشارة، لأنه يصدر بمناسبة زيارة إلى الصين، فضل فلاديمير بوتين القيام بها على الاستجابة لدعوة من أوباما للمشاركة فى قمة الثمانية فى كامب ديفيد. نذكر أن هذا الغياب من جانب الرئيس بوتين أثار تكهنات عديدة، عادت فظهرت من جديد بمناسبة تصرفات غير عادية لبوتين وباراك أوباما أمام كاميرات التصوير فى قمة العشرين التى انعقدت الأسبوع الماضى فى منتجع لوس كابوس بالمكسيك. بدت تصرفات الرئيسين كما لو كانت تؤكد أن خلافات الرأى تجاوزت حدود التمترس والتصلب من جهة وحدود اللغو والتهييج اللفظى من جهة أخرى إلى سباق أو صدام حول مصالح حقيقية. تشير تقارير إلى حاجة بوتين إلى زيادة كبيرة فى علاقات روسيا التجارية مع أمريكا بخاصة، وتربط هذا بمقال نشرته السيدة كلينتون قبل أيام قليلة عن تفهمها لهذه الحاجة الروسية.

 

ثانيا: تأكدت أطراف عربية وأخرى فى الغرب من أن المصلحة الروسية تتعلق هذه المرة بمسألة بالغة الأهمية، وهى حاجة روسيا فى ظل ولاية جديدة لبوتين، إلى استعادة مكانة لائقة كدولة عظمى فى النظام الدولى.. سمعت مسئولين عربا يتبادلون الاعتراف بأنهم ربما أخطأوا فى تقدير حقيقة الموقف الروسى من الأزمة السورية. أذكر كيف أن بعضهم تعامل مع روسيا بخفة مدهشة، تحت تصور أن روسيا تساوم للحصول على صفقة سلاح أو دور عادى فى تسوية مشكلة. دار فى أذهان بعض السياسيين والإعلاميين العرب أن الاختلاف بين موقف روسيا من ناحية ومواقف الدول العربية وأمريكا من ناحية أخرى، أن الأول يعكس نوايا انتهازية لتحقيق مصلحة ما بينما المواقف الأخرى تعكس مبادئ أخلاقية.

 

ثالثا: الأزمة الراهنة فى سوريا ليست المرة الأولى التى تتحول فيها سوريا من لاعب إقليمى أساسى إلى ساحة يلعب فيها لاعبون أكثرهم غير مدعوين للعب. حدث شىء شبيه خلال الحرب الباردة العربية فى عقد الستينيات من القرن الماضى ودفعت سوريا والأمة العربية، ومصر بخاصة، ثمنا فادحا لمشاركتها فى هذه الحرب الباردة التى انتهت حربا عربية إسرائيلية ساخنة. كانت الحرب الباردة العربية درسا للقيادة السياسية السورية، جعلها تتمسك بدور اللاعب الأساسى وإن بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل، وهو الدور الذى حرصت على ممارسته منذ عام 1976 حتى 2005، حين أجبرت على سحب قواتها من لبنان.

 

رابعا: يشعر السياسيون الروس أنهم استدرجوا «كالمخدرين» إلى الحل الذى صاغته الدول الغربية ونفذته فى ليبيا. بوتين لن يسمح لبلده أن تقع فى الفخ مرة أخرى خصوصا بعد أن تأكد من أن المجموعة التى خططت للحل فى ليبيا، وهو الحل الذى انتهى بفوضى، هى نفسها التى تخطط لحل فى سوريا.

 

خامسا: يتحدث بعض الدبلوماسيين الروس عن التزام روسيا بموقف توافقت عليه مجموعة الدول الناهضة المعرفة باسم «بريكس». يقضى هذا الموقف بضرورة إثبات حق المجموعة فى المشاركة فى قيادة النظام الدولى واستعادة نوع من التوازن إلى العلاقات الدولية.

 

سادسا: يعترف سياسيون روس بأن موسكو تريد أن تطمئن على استمرار امتيازاتها وتسهيلاتها البحرية فى منطقة ميناء طرطوس، وتسعى للحصول من المعارضة السورية، عند توحدها، على وعود تضمن لروسيا استمرار «خصوصية» علاقات سوريا بروسيا. لذلك أتصور أن موسكو لن تشجع أى حل لا يحقق لها فرصة أن يشترك فى نظام ما بعد الأسد فريق أو ائتلاف مقتنع بأهمية العلاقة الخاصة مع روسيا.

 

●●●

 

أتفهم، ولكن مع التحفظ الشديد، العناصر غير الملموسة وراء الموقف الروسى فى الأزمة السورية. أتفهم حاجة فلاديمير بوتين لإثارة النعرات القومية لدى الشعب الروسى وفى الوقت نفسه ابهار الروس بعودة الدول الكبرى للوقوف على أبواب موسكو متوسلة حلا لأزمة دولية.

 

أتفهم أيضا اقتناع المسئولين فى الكرملين على ضوء تجارب الربيع العربى ببطلان الشعار الذى ترفعه الدول الغربية والجمعيات الحقوقية والقائل بأن سقوط الطاغية يعنى بالضرورة وتلقائيا نهاية أزمة. بمعنى آخر تؤمن موسكو بأهمية العثور على النظام البديل لنظام الاستبداد والاطمئنان إليه قبل الانخراط فى تدخل عسكرى وسياسى واسع.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي