الحرب على الإرهاب.. والحرب على الدستور - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:14 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب على الإرهاب.. والحرب على الدستور

نشر فى : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 6:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 6:55 ص

هل المعركة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب تستدعى تعطيل الدستور أو إرجاء العمل بأحكامه؟ أم أن العكس هو الصحيح وأن التمسك بالدستور وما يتضمنه من حقوق وضمانات ضرورى لكى يتجاوز الوطن تحدياته الراهنة ؟ 

هناك خطاب متصاعد فى الدوائر الرسمية والإعلامية يدعم فكرة أن مواجهة الارهاب تتطلب منح الأجهزة المعنية سلطات وصلاحيات تتجاوز ما يقره الدستور، وأن التمسك بالحقوق والضمانات الدستورية ترف لا يتحمله المجتمع فى الظروف الراهنة، وأن هذا الوضع على أى حال ليس دائما بل يمكن تصحيحه فور انتهاء المعركة مع الإرهاب واستتباب الأمن وانتظام النشاط الاقتصادى. ولعلها خطوة إيجابية أن يطرح هذا الرأى بمثل هذه الصراحة والوضوح بدلا من البحث عن تفسيرات قانونية وتبريرات لا داعٍ لها، خاصة أن قطاعا لا يُستهان به من الرأى العام يرحب بهذا الاتجاه ويعتبر أن التزام الدولة بالدستور والقانون والعدالة ليس ضروريا فى ظل الإرهاب والعنف المستمر.  

ولكن تعطيل الدستور ــ رسميا أو ضمنيا ــ فى الظروف الراهنة خطأ فادح، ولن يساهم فى تحقيق الأمن والاستقرار ولا فى الإسراع بالتنمية الاقتصادية، بل قد يعرقلهما، وذلك للأسباب التالية: 

أولا) أن الدستور ليس مجرد مجموعة مبادئ وقيم نبيلة يمكن الاختيار منها حسب الظروف، بل وثيقة قانونية وأعلى درجات التشريع، وقد أقره الشعب المصرى لكى يكون ملزما للجميع فى كل الأحوال بما فيها الحرب والارهاب. وإهمال تطبيق الدستور الآن يعنى هدم الأساس الوحيد الذى يمكن البناء عليه من أجل التقدم مستقبلا، وانكار شرعية الدولة حاليا. 

ثانيا) أن المجتمع المصرى يعانى من انقسام بين اتجاهاته السياسية، وطوائفه الدينية، وطبقاته الاجتماعية، وأجياله المختلفة، وحتى مشجعى أنديته الرياضية. وهذا الانقسام لن يتم تجاوزه وتهدئة الاحتقان الناجم عنه إلا بترسيخ مبدأ سيادة القانون، والمساواة بين المواطنين أمام العدالة، والاحتكام إلى القضاء وحده لتسوية المنازعات فى المجتمع. أما الاستهتار بالدستور والقانون فإنه يشجع الناس على تسوية خلافاتهم وصراعاتهم بالبلطجة، وبالمحسوبية، وبالمال والنفوذ، وبالمجالس العرفية، وبالحملات الإعلامية والإعلانية، وبكل الأساليب التى تعبر عن غياب الدولة والقانون وتزيد من احتقان المجتمع وانقسامه. 

ثالثا) أن الاعتقاد بإمكان التحكم فى «درجة» احترام الدولة للدستور والقانون، فيزيد الالتزام بهما فى أوقات الأمن والاستقرار، ثم التغاضى عنهما حينما تسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ثم العودة لاحترامهما مرة أخرى بعدما يستتب الأمن، اعتقاد معيب وخطير. احترام الدستور وإقامة العدالة ليس مجرد تطبيق لنصوص قانونية، بل سلوك يمارسه الناس ويعتادون عليه ويلتزمون به لأنه يحقق مصلحتهم المشتركة ويسهل على كل واحد معرفة حقوقه وواجباته. وقبول مبدأ تعطيل القانون والعدالة، ولو لظروف مؤقتة، يعطى رسالة سلبية خطيرة للمجتمع ويدفع إلى الاستسلام للفوضى فى تعاملات الناس اليومية، وهو سلوك يصعب تغييره وتعديل مساره حينما تزول مبرراته. 

 رابعا) إن الاصطفاف الوطنى المطلوب من أجل التصدى للإرهاب لن يتحقق طالما استمر تجاهل الدستور. ما يمنع بناء اصطفاف وطنى هو الظلم بمختلف أشكاله ــ الاجتماعى والقانونى ــ لأنه يضعف الشعور بالانتماء والمواطنة، بينما اليقين بأن الجميع متساوون أمام القانون هو صِمَام الأمان الوحيد فى المجتمع. يضاف إلى ذلك أن الاصطفاف الوطنى ليس مطلوبا فقط فى مواجهة الارهاب، ولكنه ضرورى أيضا فى التصدى لتحديات المجتمع الأخرى، وعلى رأسها حماية موارد الدولة، وصون المرافق العامة، والتصدى للتحرش والبلطجة، ومقاومة الفساد، وتوصيل الدعم للفقراء، والقضاء على الفتنة الطائفية، والحد من التهرب الضريبى، كل هذه التحديات الخطيرة لا يمكن مواجهتها بقوة الدولة وبأجهزة الأمن وحدها، بل بترابط المجتمع وتماسكه واقتناع المواطنين بأن هناك قانونا ينصف الجميع وعدالة معصوبة العينين لا تفرق بينهم. 

خامسا) إن التنمية الاقتصادية التى ينشدها الناس لا تعنى مجرد النمو الاقتصادى السريع الذى تستفيد منه القلة صاحبة النفوذ والعلاقات والمال، بل التنمية التى يتمتع بثمارها الشعب بأسره والتى تحقق طفرة مستدامة فى مستوى معيشة المواطنين. وهذه التنمية لا يمكن أن تتحقق فى ظل ثقافة عامة لا تحترم القانون وخطاب رسمى وإعلامى يدعو إلى إرجاء تطبيق الدستور، لأن تعطيل الحقوق والحريات العامة ــ ولو مؤقتا ــ طريق لابد أن يؤدى إلى إهدار القانون عموما واضعاف مؤسساته فى مختلف المجالات، بما فيها المجال الاقتصادى، وبالتالى عودة المحسوبية والفساد والاحتكار، وهذا كله يتعارض مع التنمية الاقتصادية ويعرقلها. 

احترام الدولة للدستور والقانون وحرصها على إقامة العدل ليس مجرد اختيار أخلاقى ــ ولا بأس أن يكون كذلك ــ بل هو أيضا اختيار عملى يمليه الحرص على استقرار البلد وتماسك المجتمع وتعظيم فرصته فى التنمية الاقتصادية. هناك ضرورة ملحة لأن يلتف حول الدستور ويدافع عنه من يريدون لهذا الوطن ليس فقط أن ينتصر على الارهاب، وإنما أن يخرج أيضا من هذه المعركة محافظا على دولة القانون وعلى مبادئ العدالة وعلى هيبة الدولة ومؤسساتها.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.