نعود إلى البدايات: إذا كان حضور التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع يضمن بقدر معتبر حقوق المواطن وحرياته ويمكنه من السعى إلى تحقيق ذاته وممارسة المبادرة الفردية، فإن الفاشيات ونظم الحكم الشمولية والسلطوية تحدث بقمعها وبانتقاصها من الحقوق والحريات وبإلغائها لوجود الإنسان الفرد تشوهات خطيرة فى مواطنات ومواطنى الدول والمجتمعات التى تسيطر عليها. والكثير من التشوهات هذه ينضح من حالتنا المصرية الراهنة.
من جهة أولى، تصنع الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية عبر ممارسة القمع والتهديد به مواطنا خائفا يبتعد عن الاهتمام بالشأن العام والسياسى، ويمتنع عن طلب المعلومة أو الرغبة فى معرفة حقائق الأوضاع، ويتجاهل عمدا انتهاكات الحقوق والحريات التى تفرض واقعها الأسود على دولته ومجتمعه، ويعجز عن الدفاع عن حقه فى الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة.
من جهة ثانية، تصنع الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية عبر عمليات تشويه وتزييف الوعى ــ حين تتسم هذه بالفاعلية ــ مواطنا مؤيدا لغياب الديمقراطية تهليلا أو صمتا، ومقتنعا بمقولات «أعداء الوطن» و«الخونة» و«الطابور الخامس» وبخطاب «حماية الوطن من المتآمرين»، وغير معترض على الانتقاص من الحقوق والحريات أو القمع طالما لم يمسه أو يمس دائرته القريبة، وقد يصل عدم الاعتراض هذا إلى حدود قبول ارتكاب نظم الحكم لجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
من جهة ثالثة، تصنع الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية عبر تشويه الوعى مواطنا تحركه نوازع الانتقام ومن معارضى نخب الحكم، وينتج مع غيره فولكلور التشفى الشعبى المستمتع بأنباء الاعتقالات والحبس والتحفظ والمتعطش لشائعات الإفك والزيف.
من جهة رابعة، تصنع الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية عبر ضغطها المستمر على المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان من هؤلاء كمواطنات ومواطنين مجموعة من «مطاريد الديمقراطية» الذين يتحولون تدريجيا على وقع الرفض العام والمجتمعى إلى مجموعة مغلقة على ذاتها لا تسمع إلا لبعضها البعض.
من جهة خامسة، تصنع الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية عبر المساحات العامة والإعلامية الواسعة التى يتيحها غياب المعلومة والحقيقة لتشويه من بعض المواطنات والمواطنين طوائف من المتورطين فى تشويه وتزييف الوعى وتعطى لهم الألقاب الملائمة للأوضاع القائمة ــ كألقاب الخبير والمتخصص والمحلل وأحيانا المفكر ــ وهم فى حقيقة الأمر إما أبواق لنخب الحكم أو للمؤسسات العسكرية والأمنية أو لشبكات المصالح الاقتصادية والمالية أو مدعى فكر وأحيانا معارضة لا هم لهم إلا تشويه أصحاب المبادئ والمدافعين عن الحقوق والحريات.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.