مجدى عطية أب لثلاثة أبناء فى سن المراهقة، أكبرهم فى الثانوية العامة. يحلم بأن يوفر لأبنائه شقة صغيرة بدلا من علبة السردين التى يستأجرونها منذ أن تزوج، كما أن زوجته تعمل هى الأخرى. ومجموع دخلهما معا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه شهريا.
بدأ الحلم عندما قرأ مجدى، رئيس قسم شئون التموين بإدارة تموين بندر دسوق، فى عام 1996، عن مشروع حكومى لتمويل اسكان محدودى الدخل. وكان من أوائل المهللين عندما خرج المشروع إلى النور فى عام 2004 فقدم أوراقه لأنه مستوف لكل الشروط التى وضعتها الحكومة.
واليوم بعد سبع سنوات من اللف والدوران والإهمال (وشبهة الفساد)، اكتشف أنه تعرض لخدعة أضاعت عليه حلم الشقة.
مجدى ومثله من الملايين لهم الحق ليس فقط فى مأوى من أربعة جدران، بل فى السكن الملائم بحسب المواثيق الدولية. وعلى الحكومات توفير هذا الحق لهم. فماذا لو لم تستطع الدولة توفير هذا الحق؟ هناك طريقتان. حتى الآن جرب ملايين المصريين إحداهما: سكن ولكن غير آدمى
ارتضت الحكومة على مدى حكم مبارك أن تترك من لا مأوى لهم من المواطنين ليبنوا عششهم على أطراف العمران فى المدن، سواء على الأرض الزراعية الخصبة، أو فى أراضى الدولة غير المأهولة، لتفقد مصر خمس فدادين قابلة للزراعة كل يوم، ولتظهر المناطق العشوائية وتتوغل وليقطن بها ستة عشر من كل مائة مصرى. عاقبتهم الحكومة بأن حرمتهم من الكهرباء والماء والصرف الصحى.
وتعتبر دار السلام فى القاهرة أكبر تلك المناطق، ويقطن بها الملايين من المصريين. ويعيش جيران أبراج المعادى وقصورها حياة القرون الوسطى. فالماء يشترى بالجراكن، والكهرباء سلك مسروق من عامود الإنارة، والصرف غير منصرف. ولا تسل عن المدارس والمشافى، فلن تسمع إجابة تسرك.
بعض هؤلاء يعتصم فى الشارع منذ أسبوعين ليذكروا حكومتهم بأن لهم حقا فى رقبتها دون جدوى. بل ويتلقون الاعتداء عليهم بلا إساءة.. فلم لا يجربوا الطريقة الأخرى؟
الشقق كثيرة.. خذ واحدة بلطف
«راقب الشقة جيدا لتتأكد أنها خالية. اجمع ما استطعت من معلومات عن مالكها. وعندما تدخل، تأكد من إصلاح أى عطب فورا حتى لا يكون هناك أى أثر للاقتحام. ثم ابدأ فورا فى دفع فواتير الكهرباء والغاز». هكذا ينصح «الدليل السنوى لمقتنصى البيوت» فى انجلترا والذى صدر منه 13 طبعة، ليشرح كيف تقتحم شقة غير مأهولة وتسكن فيها مع تفادى الملاحقة القضائية والطرد. فالقانون البريطانى لا يجرم سكنى الشقق الخالية، لأن السكن حق.
ومثل بريطانيا، فرنسا واستراليا وإسبانيا وألمانيا وغيرها من دول العالم الرأسمالى الذى نجح فيه المواطنون فى انتزاع هذا الحق وتقنينه. حيث أصبح اقتناص البيوت الخاوية نزاعا مدنيا بين طرفين وليس جريمة.
المهم أن يحافظ هذا المواطن على المنزل الذى يقطنه، ويواظب على دفع ايجار يراه هو مناسبا (قد يقرره القانون بربع دخل الأسرة). وأن يخليه حين يحتاجه مالكه الأصلى.
فى انجلترا، منح القانون هذا الحق للمواطنين لأن بالبلاد آلاف الشقق الخالية. وفى مدينة سيدنى الاسترالية عدد كبير من البيوت الخالية: 122 ألف منزل، بالإضافة إلى المخازن والمبانى المهجورة. فكم فى مصر من المنازل هى بيوت أشباح؟
ظهرت حركة «اقتناص السكن» وراجت فى العالم فى السبعينيات والثمانينيات. وقتها كانت القوانين تحابى الملاك على حساب الشاغلين، ومع الوقت والاصرار، اكتسب المقتنصون حق إشغال البيوت الخالية.
ففى هولندا مثلا، أصبح «الاقتناص» قانونيا عام 1971، عندما حكمت المحكمة العليا بأن للشاغل (عن طريق الاقتناص) الحق فى «السلام المنزلى» مثله مثل أى ساكن، وهو ما يعنى أن المنزل الذى يسكنه لا يمكن دخوله بغير إذن من هو مقيم فعليا فيه. وأعطى هذا الحكم دفعة لمن هم بلا مأوى من الفقراء والطلبة.
وعندما يشغل المقتنصون أحد المبانى كان من المعتاد أن يرسلوا إلى المالك خطابا ليخطروه، وأن يبلغوا الشرطة لتتأكد أن الشاغلين الجدد للعقار يقيمون فيه فعليا، أى لديهم سرير وكرسى ومائدة ويملكون مفتاحا لقفل الباب. كما كان ينصحهم المحامون والحقوقيون بضرورة تحويل مبلغ شهرى على حساب البنك الخاص بصاحب العقار.
ليست المسألة بتلك البساطة.. فهناك من الحيل القانونية أو الثغرات التى أحيانا ما يستخدمها الملاك لطرد الشاغلين. ولذلك فهناك مراكز للمساعدة القانونية المنتشرة لمساعدة هؤلاء. وفى انجلترا مثلا، يقول دليل المقتنصين ناصحا لتفادى الطرد من المنزل: «لا تترك البيت خاليا أبدا، وتعرف على الجيران لتكسب تعاطفهم فلا يبلغون عنك. وإذا أبلغ عنك المالك، فعندما تأتى الشرطة لا تفتح لها، كن لطيفا ولكن بحزم وأنت تشرح لهم وضعك».
وفى سيدنى، لم يعد شغل المنازل عن طريق الاقتناص قاصرا على الفقراء والفوضويين فقط كما كان فى الثمانينيات، بل أصبح أمرا متعلقا بالطبقة الوسطى أيضا، كما تلحظ صحيفة سيدنى مورنينج هيرالد، ويتقبله المجتمع بشكل أكبر من ذى قبل كما ورد فى تحقيق نشر فى شهر مايو الماضى.
إذا الشعب يوما أراد السكن..
فى مصر يقدر إجمالى الاحتياج إلى المسكن بـ6 ملايين وحدة. 6 ملايين أسرة لا تستطيع توفير 80 ألف جنيه هى متوسط سعر الشقة فى مصر، والأرقام بحسب مجموعة أوكسفورد بيزنس.
وفى المقابل، توجد حوالى 6 ملايين شقة خالية فى مصر بحسب الإحصاءات الرسمية فى تعداد 2006، يا محاسن الصدف! التطابق هنا يعنى أن حل مشكلة الإسكان لا يحتاج إلى استثمارات خاصة ولا تمويل معقد الاجراءات، ولا قروض عالية الفائدة.
أقدر تماما أن المسألة قد تكون مخيفة بالنسبة للمالك. أن تجد شقة ــ اشتريتها بمشقة ــ لابنك لتضمن بها مستقبله فى يد مستخدم لا تعرفه ولم تختره. ولكن إذا تم تقنين الاقتناص، فستجد أنه يصون لك الشقة، ويوفر لك دخلا إضافيا وتكسب فى الشاغل الجديد ثوابا هو وأبنائه إلى أن تقرر أن تستخدمها، فيتركها لك سالمة غانمة.
فى العالم كله لا يقتصر الاقتناص فقط على السكن، بل اعتاد الفنانون والنشطاء أيضا الاستيلاء على القصور والأراضى المهجورة (المملوكة للدولة وغيرها) لاستغلالها كمراكز للثقافة والفنون. فالفن أيضا من حق الشعب.
وأقترح أن تقوم جمعيات حقوق الانسان بصياغة قانون استلهاما من التجارب الدولية، ومراعاة للظروف المصرية.
منذ أيام قليلة كتب مجدى عطية خطابا لعصام شرف على موقع «هموم» الالكترونى شارحا له كيف تم حرمانه من حقه. كما نامت عشرات الأسر فى ماسبيرو طلبا لحقوق أكثر من 6 آلاف أسرة من دار السلام فى سكن وعدتهم بها محافظة القاهرة، ولم تف بوعدها. وذلك فى الوقت الذى توجد فيه عمارات بأكملها مبنية وخاوية على عروشها فى المدن الجديدة المحيطة بالقاهرة. كل هؤلاء سهروا كمدا أو ناموا فى العراء بالرغم من أن الشقة من حق الشعب.