سنة أولى..اقتصاد - جلال أمين - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 10:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنة أولى..اقتصاد

نشر فى : السبت 29 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 29 يونيو 2013 - 12:50 م

مشاكلنا الاقتصادية ليست من النوع الذى يمكن حله فى سنة واحدة، ولكن من المؤكد أن سنة واحدة تكفى للحكم فيما إذا كنت سائرا فى طريق الحل، وأيضا فيما إذا كانت لديك نية صادقة لحلها.

 

وللأسف، لابد أن نقول بلا تردد، إن السنة الماضية لا تدل على أن نظام الدكتور مرسى قد بدأ السير فى طريق حل مشاكلنا الاقتصادية ولا حتى على أن لديه نية صادقة لحلها.

 

نعم إن لدينا مشاكل اقتصادية كثيرة عمرها لا يقل عن اربعين عاما، ولا يمكن أن نتصور أن تحل فى سنة واحدة. ربما كان اهم وأصل هذه المشكلات ما يسميه الاقتصاديون باعوجاج أو تشوه بنيان الاقتصاد، أو ما يمكن تلخيصه فى اعتماد الاقتصاد اكثر من اللازم على انتاج وتصدير المواد الأولية وبعض الخدمات، وبالمقابل ضعف نصيب الصناعة فى الناتج القومى والصادرات.

 

أقول إن هذه ربما كانت أهم وأصل مشكلاتنا الاقتصادية لأنها فضلا عن انها تجعل الاقتصاد القومى اكثر تأثرا بتقلبات الظروف الخارجية التى لا سلطان لنا عليها ولكن ايضا لأن كثيرا من مشاكلنا الاقتصادية الاخرى نابع من هذه المشكلة.

 

اختلال مستديم فى الميزان التجارى (أى عجز الصادرات عن تغطية قيمة الواردات) وانخفاض سعر الجنيه المصرى وارتفاع حجم المديونية الخارجية واختلال الموازنة العامة للدولة) ومن ثم ارتفاع حجم الديون الداخلية وارتفاع الاسعار بدرجة تفوق بشدة الزيادة فى الدخول (ومن ثم تفاقم مشكلة الدعم التى تساهم بدورها فى استمرار اختلال الموازنة العامة) زيادة حجم البطالة، فضلا بالطبع عن استمرار المعدل المنخفض لنمو الناتج القومى.

 

كل هذا واكثر منه يمكن رده فى النهاية الى فشلنا فى تصحيح الاعوجاج فى البنيان الاقتصادى، اى استمرار اعتمادنا (اكثر من اللازم) على انتاج وتصدير سلع زراعية او بترول او سياحة، وعلى تحويلات المصريين بالخارج.

 

والمشاكل الاقتصادية كما نرى متشابكة كلما استمر الفشل فى علاج احداها، زاد تفاقم بعض المشاكل الاخرى ولأن معظم هذه المشكلات قديم، وترك فترة طويلة دون علاج، (لأسباب لا داعى الان للخوض فيها) فقد زاد عمق هذه المشكلات واصبح العلاج المطلوب اطول وابطأ اثرا، ولكن هذا لا يعنى أن النجاح فى حل مشكلة يسهل السير فى حل المشكلات الاخرى، لابد اذن من البدء، وكلما تأخرت البداية زادت صعوبة الخروج مما نحن فيه.

 

نقطة اخرى يجب أن اذكرها فى البداية قبل أن نحكم على اداء السنة الماضية، وهى أن تشابك المشكلات الاقتصادية (بل وارتباطها الوثيق أيضا بالمشكلات السياسية والاجتماعية) يفرض  علينا اتباع نظام التخطيط فرضا، التخطيط المركزى تبعته اشد الدول تمسكا بالرأسمالية عندما ووجهت بظروف الحرب، فلماذا لا نفعل نحن مثلها فى مواجهة ظروف اشد قسوة؟.

 

لقد كان المتصور انه بمجرد نجاح ثورة يناير فى اسقاط نظام فاسد وفاشل يشرع الحكام الجدد فى وضع خطة اقتصادية تواجه بها كل هذه المشكلات الحادة، وتستند الى رؤية شاملة تعتمد على ادراك تشابك مشكلات الاقتصاد وعدالة التوزيع والتعليم والبنية واستقلال الارادة تجاه القوى الخارجية.. الخ، فما الذى فعلته اول سلطة تسلمت الحكم فى البلاد؟

 

احلال رئيس للوزراء لا رؤية لديه محل رئيس اخر للوزراء لا رؤية لديه ايضا، واستبدال وزراء المالية والتنمية والتخطيط، واحدا بعد الاخر، دون أن نرى اى تنمية او تخطيط وإذا بهم يشغلوننا بدلا من ذلك بوعود تتعلق بالحصول على قروض خارجية لا يمكن أن يزيد اثرها لو نجحنا فى الحصول عليها على أثر المسكنات التى لا تفعل شيئا للقضاء على المرض. ومع ذلك لا تحصل حتى على القرض الموعود، لأسباب مجهولة مع استمرار غياب اى رؤية لأى حلول بديلة.

 

ثم تسلم السلطة لنظام جديد المفروض انه يستند الى ارادة شعبية فإذا به لا يفعل اى شىء فى مواجهة المشكلات الاقتصادية يختلف عما فعله المجلس العسكرى: لا تخطيط ولا رؤية ولا تحديدا للأهداف ولا مناقشة لمختلف البدائل المتاحة.

 

بل يستمر الحديث عن قرض خارجى موعود لا نعرف شروطه، ولا موعد مجيئه، دون سبب معروف  وتعدد الوزراء  الجدد ليسوا من عرف بالألمعية او الطموح او امتلاك رؤية لما يجب عمله، ولا يسفر  هذا كله إلا عن مشروعين يتيمين بقانونين احدهما يسمى بالصكوك الاسلامية والثانى تطوير قناة السويس.

 

أما الصكوك التى يغير اسمها لأسباب سياسية لا اسلامية فهى ليست الا وسيلة للتمويل دون أن يقال لنا ما هى المشروعات التى سيجرى تمويلها، لها اولوية ام ليست لها ، بل ولا نعرف ما إذا كان التمويل سيأتى فى صورة شراء مشروعات قائمة ام جديدة فى صورة قرض ام ايجار ام رهن ام شراء حق الانتفاع، ولا ما اذا كان الممول مصريا ام اجنبيا.

 

اما مشروع قناة السويس فلا يزيد على انشاء هيئة جديدة تتمتع بالاستقلال عن الدولة وتعزل جزءا من ارض الدولة لتمارس عليه هذه الهيئة المباركة اى نوع من النشاط تريد ممارسته، ولو كان تسليم الاقليم جاهزا لدولة اجنبية او خليجية او تأجيره مفروشا.

 

لم يصدر من النظام الجديد اذن الذى مر عام كامل على استلامه السلطة اى عمل مفيد من اجل انتشال مصر من التردى الاقتصادى الذى كان سائدا قبل الثورة واستمر فى ظل الحكم العسكرى بل ولابدر من هذا النظام الجديد كما لم يبدر من سابقه اى خطوة لحل مشكلات اقتصادية عاجلة بصرف النظر عن التنمية والتخطيط طويل الاجل، بل تركت المشكلات الحالة تتراكم وتركت الفوضى الاقتصادية تتفاقم حتى ليخطر للمرء احيانا انها فوضى مقصودة وانها هى التى سمتها وزيرة خارجية امريكية سابقة بالفوضى الخلاقة دون أن تفصح بالضبط عما يراد خلقه.

 

لقد تركت حالة الامن فى الشارع تتدهور فزاد الخوف بين الناس مما لم يسمح بعودة عجلة الانتاج والاستثمار الى ما كانت عليه وزاد هذا من تدهور السياحة وارتفاع معدل البطالة وكأن العمل على استتباب الامن وتطمين السياح هدف عصى على أى حكومة واى نظام.

 

بل استخدم النظام الجديد بدلا من ذلك خطابا ينطوى على الدعوة الى العودة الى شىء «كالعصور الوسطى» مما لابد أن يخيف المنتجين والمستثمرين والسياح ويصيب الاقتصاد كله بالركود، إذ لا يتصور أن تعود الحياة كلها الى العصور الوسطى باستثناء الاقتصاد، حتى وصل الامر الى انه عندما صدرت حركة المحافظين الجدد منذ ايام قليلة وعين محافظ جديد للاقصر عرف عنه هذا الانتماء الى فكر العصور الوسطى قدم وزير السياحة استقالته اذا رأى الشركات والوكالات السياحية فى الخارج تلغى رحلاتها الى مصر عندما عرفت بتعيينه.

 

•••

 

كل الشواهد تدل اذن على انه ليست هناك اى بادرة للسير فى طريق الاصلاح الاقتصادى ولاحتى اى نية للسير فيه لقد كانت اذن سنة بائسة فيما يتعلق بالاقتصاد، لا يستحق صاحبها إلا الرسوب، وحدث انه قد بدر منه ليس فقط ما يدل على الاهمال وقلة الاستعداد بل وما يدل ايضا على عدم وجود نية لديه اصلا لتحسين مساره، فإنه لا يبدو هناك اى مبرر للسماح له بالإعادة.

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات