منذ عدة أيام كان لى شرف المشاركة فى ندوة عن الذكاء الاصطناعى أقيمت على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب، هناك عدة نقاط أثارتها تلك الندوة (إما أثناء الندوة أو فى مناقشات فردية بعدها) أود مناقشتها فى هذا المقال.
النقطة الأولى متعلقة بالحضور، كانت القاعة ممتلئة وهذا نتيجة لعدة أسباب: أن الناس مهتمة بالتكنولوجيا أو تشعر بالفضول لمعرفة كيف تعمل برمجيات الذكاء الاصطناعى خاصة تلك المتعلقة بالمحادثة مثل (chatGPT) أو تشعر بالخوف منها. الاهتمام بالتكنولوجيا شىء صحى إذا كنا نفكر فى كيفية الاستفادة من تلك التكنولوجيا فى حياتنا، ولكنه شىء ضار لو أننا سنستخدم تلك التكنولوجيا فى الغش مثل استخدام برمجيات المحادثة فى كتابة التقارير دون أن نبذل مجهودا فى مراجعتها أو تحقيقها، وهو شىء ضار لو أننا نستخدم تلك التكنولوجيا فقط من باب «المنظرة» لنبدو أمام الآخرين أننا نستخدم أحدث الأدوات. الفضول لمعرفة كيف تعمل تكنولوجيا معينة هو شىء جميل فى حد ذات لأنه نوع من التعليم ويجعل المستخدم قادرا على استخدام تلك التكنولوجيا بطريقة أفضل لأنه سيعرف مزاياها وعيوبها ومخاطرها. أخيرا إذا كان الناس يخافون من تكنولوجيا معينة فهذا يعنى أنهم لن يستخدموها، بل وقد يحاربوها، لذلك تلك الندوات والمحاضرات عن التكنولوجيا تساعد على نزع فتيل هذا الخوف وبالتالى تساعد على سرعة دخول تلك التكنولوجيا إلى حياتنا، لكن انظر التحذير فى النقطة الرابعة فى هذا المقال.
النقطة الثانية متعلقة بالحضور أيضا لكنى أقصد المرحلة السنية، هناك عدد لا بأس به إطلاقا من الحضور من المرحلة المدرسية، إذا كان طلبة المدارس حريصين على حضور ندوة عن الذكاء الاصطناعى فهذا يعطى أملا كبيرا فى الجيل القادم، هذا الجيل (يطلق عليه فى أدبيات الغرب generation Z) هو من سيملك زمام الأمور بعد عقد من الزمان. هذا الجيل يمتلك فرصا كبيرة للتعلم مع وجود محاضرات عديدة مجانية من أفضل جامعات العالم فى مختلف التخصصات بالإضافة إلى سهولة الحصول على المعلومة عن طريق محركات البحث التى أصبحت أكثر ذكاء ودمجها مع برمجيات المحادثة الذكية سيجعل الحصول على أية معلومات أكثر سهولة. لكن يجب أن نأخذ فى الاعتبار أننا فى عصر انتفت فيه الحاجة إلى الحفظ وبالتالى قلت القدرة على الحفظ لدى الجيل الجديد، أيضا القدرة على التركيز لدى هذا الجيل أصبحت أقل من الأجيال السابقة وهذه من التأثيرات السيئة لمنصات التواصل الاجتماعى. جيل المستقبل أيضا يتحرك قبل أن يفكر كثيرا وهذا من تأثير ألعاب الكمبيوتر. هذه الصفات ستستمر ويجب أن نأخذها فى الاعتبار سواء فى قاعات الدرس أو فى قاعات الندوات وإذا أخذناها فى الاعتبار سنضمن جيلا يمكنه قيادة التقدم فى المستقبل.
النقطة الثالثة لها علاقة بالتكنولوجيا عامة وهى رد فعلنا عندما تظهر تكنولوجيا جديدة ويبدأ العالم فى الكلام عنها، عندئذ نبدأ فى عقد المحاضرات والندوات واللقاءات عن تلك التكنولوجيا، هذا فى حد ذاته شىء جيد، لكن إذا تأملنا الموقف سنجد أننا «مجرد» مستخدمين للتكنولوجيا، لنأخذ الذكاء الاصطناعى كمثال. الكثير من الشباب تعلم كيفية انتاج صور أو فيديو باستخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى وتعلم كيف يتخاطب مع البرمجيات مثل (chatGPT)، لكن لو نظرنا إلى الأمور بدقة سنجد أنهم يستخدمون برمجيات لم يبتكروها، هم فقط يستخدمونها. هذا يضعنا تحت رحمة المبتكر الحقيقى للتكنولوجيا. يجب أن تكون عندنا ثقافة الابتكار مثلما نمتلك ثقافة الاستخدام.
النقطة الرابعة متعلقة باستخدام التكنولوجيا. عندما تظهر تكنولوجيا جديدة تكون لها جاذبيتها ورونقها ويصبح امتلاكها مغريا جدا لمن استطاع إليها سبيلا. هل تحتاج مثلا إلى تغيير تليفونك المحمول كل سنة؟ كل سنتين؟ ستحاول اقناع نفسك بأن التليفون الجديد سيساعدك فى عملك لكن فى أغلب الأحيان تكون هذه مجرد حجة. منذ عدة أسابيع أعلنت شركة آبل عن تلك النظارة التى تجعلك تعيش فى عالم ثلاثى الأبعاد من التطبيقات والواقع المعزز، ستطرح تلك النظارة فى بداية العام 2024، هل تظن أنك تحتاجها إذا كنت تملك ثمنها؟ انظر إلى العائلات عندما تجتمع معا وكل فرد يركز فى تليفونه، ماذا لو كان كل فرد يضع تلك النظارة وبالتالى سينعزل أكثر وأكثر. بعض (وليس الكل) التكنولوجيا الجديدة لا هدف لها الا زيادة مكاسب الشركات الصانعة لكن له تأثير مدمر على الناس. قد تكون لتلك المخترعات بعض الاستخدام المفيد فى أحيان قليلة لكن تعميم استخدامه لا فائدة منه إلا للشركات. يجب أن نحذر من بعض المخترعات التى تبدو مغرية.
استخدام التكنولوجيا يحتاج إلى علماء نفس وعلماء اجتماع ليدرسوا تأثيرها على الفرد والمجتمع، إذا أهملنا هذا البعد الإنسانى فنحن فى خطر.