فى نهاية سنة 2017 وضعت شعبة الاستخبارات فى رئاسة الأركان العامة توقعا متشائما على طاولة الحكومة والمجلس الوزارى المصغر. الارتفاع فى وتيرة الاحتكاك بإيران فى سوريا، بالإضافة إلى أزمة البنية التحتية فى قطاع غزة، زادا من خطر نشوب حرب غير مخطط لها نتيجة حسابات خاطئة أو خلل محلى، خلال السنة المقبلة. وبلغت الحساسية ذروتها فى مايو مع التهديدات الإيرانية بالانتقام من إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومبادرة «مسيرات العودة» العنيفة على حدود القطاع.
هدأ الوضع، نسبيا، خلال أشهر الصيف، فى ظل الإصرار الذى أظهرته إسرائيل على الجبهتين. كبحت إيران إلى حد ما لهجتها التصعيدية، وفى غزة تجندت الأمم المتحدة ومصر وقطر من أجل بذل مساعى التسوية التى لم تثمر حتى الآن سوى عن وقف إطلاق نار جزئى.
قبيل أكتوبر، وبصورة أدق، قبيل السنة المقبلة، تعود مجددا إشارات التحذير. ولبنان هو مركز جديد باعث للقلق. يسرّع حزب الله جهوده من أجل بناء قوة عسكرية، وبالأمس كشف نتنياهو فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أن الحزب نصب صواريخ دقيقة بالقرب من مطار بيروت. وبحسب المعلومات التى نشرها الناطق بلسان الجيش بعد الخطاب، اتخذ حزب الله مؤخرا قرارا بنقل منشآت إنتاج الصواريخ التابعة له إلى المنطقة المدنية فى قلب العاصمة اللبنانية.
فى الخلفية هدّد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مؤخرا بتوجيه ضربة قاسية إلى إسرائيل، ويزداد التوتر على الأرض بسبب الجدار الذى تبنيه إسرائيل فى عدة مناطق على طول الحدود اللبنانية. فى إسرائيل يدّعون أن كلام نصر الله موجه لخدمة حاجات داخلية، وعلى أية حال هو لا يعرف بصورة كافية طبيعة التحسن الذى طرأ على قدرات هجوم واستخبارات الجيش الإسرائيلى خلال السنوات الـ12 التى مرت منذ حرب لبنان الثانية (يوليو2006). ومع ذلك ثمة سبب جديد للقلق.
لكن منطقة الانفجار الإقليمى الرقم واحد تبقى الساحة الفلسطينية، فى قطاع غزة، وإلى حد ما فى الضفة الغربية. لقد حذّر رئيس الأركان غادى أيزنكوت قبل أسبوعين من ازدياد خطر حدوث تصعيد فى المناطق. مساعى المصالحة بين المعسكرات الفلسطينية عالقة، ورئيس السلطة محمود عباس محبط من العقوبات الأمريكية ضده ومن الجمود الكامل فى عملية السلام، على الرغم من تجدد الاهتمام الذى يظهره ترامب فجأة، بأسلوبه الغامض، بحل الدولتين.
الخلاصة التى وصل إليها الجيش الإسرائيلى على مشارف سنة 2019 هى: تحسُّن الميزان الاستراتيجى فى إسرائيل فى ظل قوتها العسكرية والتحالفات الاستراتيجية التى راكمتها مع الولايات المتحدة (وبصورة أقل مع الدول السنية فى المنطقة). لكن هوامش أمن إسرائيل أصبحت أضيق مما كانت عليه فى الماضى والمنطقة موجودة فى نقطة ذات احتمالات انفجار كبيرة. فى سنة 2018، وعلى الرغم من التوترات الأمنية، ظل الإحساس بالأمان الشخصى للمواطن جيدا نسبيا والاقتصاد يواصل نموه. وتبدو المحافظة على هذه الإنجازات فى السنة المقبلة أصعب فى ظل الظروف الإقليمية.
بالأمس، وبطريقة استثنائية، وصلت أخبار جيدة نسبيا من نيويورك. فى مؤتمر الدول المانحة للفلسطينيين الذى عُقد على هامش أعمال الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، جرى التوصل إلى اتفاق أوّلى من شأنه أن يخفف قليلا من ضائقة الكهرباء فى القطاع. وبعد أشهر من النقاشات نجح موفد الأمين العام للأمم المتحدة فى الشرق الأوسط نيكولاى ملادنوف فى إحداث اختراق معين. ويبدو أن قطر ستوافق على المساعدة وتمويل التزود بالوقود من أجل محطة توليد الكهرباء المحلية فى القطاع.
معنى هذا كما يأملون: ارتفاع كبير فى التزود بالكهرباء فى غزة من أربع ساعات فقط يوميا إلى ثمانى ساعات. تساوى المساعدة القطرية عشرات الملايين من الدولارات. لكن تراكم التقارير الصعبة الأخيرة بشأن وضع البنية التحتية المدنية يدل فقط على خطورة الوضع هناك، وعلى الحاجة الملحّة إلى مساعدة اقتصادية إضافية.
عاموس هرئيل
هاآرتس