موضوع هذه الورقة هو النظر فى مسألة الدين والدولة فى الوطن العربى، عن حالة مصر بعد ثورة 25 يناير سنة 2011، من حيث مكانة الدين وأثره فى النظام المصرى، وفى إطار ما هو مدرك من صعود التيار السياسى الإسلامى إلى السلطة.
والسؤال الذى ينبغى أن يطرح فى البداية هو: التفكر فيما إذا كانت الأوضاع السياسية قد أنتجت بعد الثورة نظامها السياسى، أم أنه نظام لا يزال فى طور التخليق والإيجاد؟
والحاصل أن هذا السؤال المبدئى لم تتحدد إيجابته بعد أو بعبارة أدق لم تكتمل إجابته بعد، لأن النظام المصرى بعد الثورة لم تكتمل ملامحه وتوازناته بعد، وإن كان يسير فى هذا الطريق، وهو يتحدد عبر عملية الصراع السياسى الذى يجرى الآن بين تيارات مختلفة وقوى سياسية متباينة، ونحن فى مجرى الثورة، وحلقات أحداثها لا تزال موصولة، وأقصى ما نستطيع استخلاصه الآن هو أن نتبين حقيقة الأوضاع الجارية والقوى السياسية التى تتعامل مع بعضها البعض بالصراع أحيانا وبالجدال والمحاورة أحيانا أخرى، وهى القوى التى نتجت عن الوضع الثورى خلال العام ونصف العام المنصرمين منذ 25 يناير 2011.
وأنا أكتب فى هذا الموضوع من وجهة نظرى عن الحالة المصرية، وهى وجهة نظر أكاد أقول إنها متبلورة فى عدد من المكونات الفكرية المحيطة بالموضوع بالنسبة للدولة المصرية وأثرها فى المجتمع وأثر الجماعة الوطنية فيها. وبالنسبة للدين كمرجعية تعبر عن الحالة الثقافية السائدة بالنسبة للمصريين.
وأشير إلى هذه المسألة لأن النقاط الإرشادية التى وردت فى خطاب المركز بإسناد هذا الموضوع لى، لم تكتف فيما ظننت بأن تبين حدوده حتى لا يتداخل مع موضوعات أخرى مطروحة فى الندوة، ولكنها أكاد أقول إنها عكست وجهة نظر عن الموضوع ذاته من حيث تمام سيطرة تيار معين على الدولة، ومن حيث وجهة النظر الدينية التى يتبناها.
وإن الصورة فى ظنى من هذين الطرفين أكثر تعقيدا وتركيبا وأكثر تداخلا وأبعد عن الحسم فى إمكان الاستنتاج غير الظنى.
(2)
نحن نعلم أن أية ثورة تكون عادة بحشد قواها للإطاحة بالنظام القائم، ويشارك فى ذلك عادة قوى سياسية متباينة الأهداف، وقد تكون متخالفة فى تشكلها الثقافى العام أيضا، لكن يجمعها التصميم على إسقاط النظام القائم، والنظام المذكور يتمثل فى أشخاص الحاكمين وفى التنظيمات الحاكمة، وفى تشكيلات النخب السياسية التى قام هذا النظام فى إطار توازنات تقوم بينها. وإن أى نظام سياسى يتشكل فى تبلوره المستقر من أشخاص وتنظيمات وتوازنات نخب ويدور فى إطار العلاقات بين بعضها البعض.
وإن هذه المرحلة من مراحل الثورة، الخاصة بالتقاء القوى الثورية على إسقاط النظام القائم، عادة ما تكون أسهل مما بعدها، لأن القوى التى تقوم بالثورة وتتجمع من أجل هذا الإنجاز تكون رغم التباينات السياسية بينها، تكون تلاقت على عقيدة أن النظام المراد إسقاطه قد صار يقف حجر عثرة كحائط صد مانع فى وجه أى تعديل أو تغيير ترى كل من هذه القوى وجوب تحققه لصالح الجماعة السياسية ولإنجاز حاجاتها الملحة، مع تباين هذه القوى فى نظرها لصالح الجماعة ولحاجاتها الملحة.
ومفاد أن الحراك الثورى أزاح النظام السابق، لا يعنى أنه حطم جميع عناصر وجوده وهياكله الاجتماعية والتنظيمية، لكن يتحقق الجانب الأهم من الإزاحة بتقويض هياكل النظام وخلخلة التوازنات والعلاقات الاجتماعية والسياسية بين أشخاصه ونخبه حسبما كانت قائمة فيما قبل الثورة، وتكون الخلخلة بالقدر الذى يفقد النظام القدرة على السيطرة على الأوضاع السياسية.
وبهذه الإطاحة أو بهذه الخلخلة المفقدة للسيطرة يكون قد ظهر فراغ فى الحكم، فراغ سياسى وتنظيمى، مما يستدعى أن تحل محله قوة سياسية أو قوى أخرى، وإن القاعدة التى تكاد تكون أقرب ما يكون إلى القانون فى السياسة، هى أن من أزاح النظام السابق يكون هو المرشح للحلول محله، سواء كان قوة واحدة أو قوى متعددة تشاركت فى أعمال الإزاحة، لكن الصورة فى الواقع لا تقوم بهذه البساطة التى يعبر بها هذا التعميم المجرد من ذكر القاعدة، وذلك على تفصيلات يتعين الإشارة إلى بعض عناصرها العامة.
فإن القوة السياسية المعنية هنا يقصد بها الجماعة المنظمة، ويقصد بالتنظيم أن يكون لها القدرة على جمع المعلومات واتخاذ قرار بشأنها فيما تواجه من أمور السياسة الجارية وذلك فى إطار ما اجتمعت عليه من فكر وأهداف، وأن لها فى ذات الوقت من شبكات التنظيم البشرى ما يمكنها من إنفاذ هذا القرار المتخذ منها، وذلك بما يؤثر فى مجرى الأحداث بالفاعلية المعتبرة، وذلك سواء بتحريك شعبى منظم، أو بتحريك تنظيمات أخرى نقابية أو اجتماعية، أو بتحريك أجهزة من أجهزة الدولة، أو بإشاعة جملة من الأوضاع تؤثر فى سياسات الآخرين وتصرفاتهم بالتزكية أو التفكيك لها.
ومع تعدد القوى التى تكون شاركت فى أفعال إزاحة النظام السابق، يتعين تقدير حجم التأثيرات التى شاركت فيها كل من هذه القوى، وهذا الحجم يقاس بالنسبة لكل منها حسب تأثيره فى أفعال الإزاحة، من حيث القوة السياسية المعنية شعبيا مثل الأحزاب والجماعات، أو من حيث موضع هذه القوة السياسية من دوائر الحكم فى الدولة بما يجعل لحركتها أثر فعال فى سير الأحداث مثل الأجهزة العسكرية وغيرها، أو من حيث الأدوات التى يكون فى الإمكان استخدامها للتأثير على الرأى العام وردود فعله مثل وسائل الإعلام، أو من حيث القدرة المادية مثل رجال الأعمال النشطين فى العمل السياسى، باستخدام ما يحوزونه من إمكانات مادية للتأثير فى أى من القوى السابقة.
وإن حصيلة كل من هذه القوى السابقة فى الفعل الثورى المزيح للنظام السابق تكون لها حسابها من بعد فى المشاركة فى النظام الجديد، وتتأثر أوضاع المشاركة فى النظام الجديد بحسب التوازنات التى تنتج عن الأحجام النسبية لكل من هذه القوى فى علاقاتها بعضها البعض.
وثمة عنصر آخر يعقد الصورة السابقة، هو يرد من أن الحالة الثورية التى تكون تفجرت فى ظروف سخط شعبى عام، هذه الحالة تكون مع الفعل الثورى للجماعات المنظمة، تكون جذبت أعدادا هائلة من الجماهير غير المنظمة، وهى أعداد وأحجام جماهيرية قد تفوق كثيرا جدا قدرة القوى المنظمة التى أشعلت الثورة أو حركات أحداثها الأولى، وهى تكون جماهير لم تأتِ من قنوات العمل التنظيمى، وبعضها يرد من جماعات منظمة فى غير العمل السياسى، ولكنها تحولت تلقائيا مع المد الثورى لاستخدام قنواتها التنظيمية الاجتماعية أو النقابية أو الثقافية أو الخدمية للعمل الثورى، وهؤلاء جميعا بحركاتهم التلقائية الحاشدة يصير لها فضل كبير فى إزاحة النظام السياسى المستهدف إسقاطه من قبل الثوار، لكن هذه القوة التلقائية المضافة مع أثرها الكبير فى الإنجاز السياسى فى إسقاط النظام لا يكون فى استطاعتها المشاركة فى التشكيلات النظامية التى يمكن أن تتولى الحكم من بعد الثورة، وهذه الكتلة الشعبية يكون على القوى المنظمة دائما أن تتصارع مع بعضها البعض فى جذب هذه الكتلة أو أجزاء منها لتقوى بها على القوى الأخرى فى موازين المشاركة فى السلطة الجديدة.
ويزيد الأمر تعقيدا أيضا، أن القوى المنظمة المشاركة فى إزاحة الوضع السابق، أنها فى علاقاتها مع بعضها البعض إنما تتعدل وتختلف توازناتها النسبية مع بعضها البعض، بعد إزاحة النظام السابق، ذلك أن الفعل الثورى عندما أزاح النظام القديم بأشخاصه وعلاقات نخبه، يكون ترك فراغا من شأنه أن يغير من التوازنات التى كانت قائمة بين قوى الثورة ذاتها، إن فراغ الحكم وتغير العلاقات السياسية والاجتماعية الناتج عن الفعل الثورى، من شأنه أن يغير بالإضافة أو النقصان أو التعديل فى مجالات القوة السياسية، بالنسبة لكل من قوى الثورة النظامية، فمن كان أكثر فاعلية فى تحطيم قوة النظام السابق ليس بالضرورة يكون الأكثر فاعلية فى تحديد أوضاع النظام الجديد، ومن كان أقل فاعلية فى ذلك التحطيم قد يكون أكثر تأهيلا فى تولى مراكز فى الدولة الجديدة، وهكذا فإن التوازنات بين قوى الثورة فى عمليات الإزاحة للنظام السباق تختلف عن توازناتها فى العمل السياسى التالى لهذه الإزاحة، بتغير الأحجام وباختلاف الأهداف وبتباين المؤهلات الفنية ونوع الخبرات المكتسبة.
وإن كل هذه التعقيدات تثير وجوه صراع أو بالأقل وجوه جدال واحتكاكات بين قوى الثورة التى تشاركت فى أفعال الإزاحة، وهو صراع يثور حول الأهداف المبتغاة من الثورة، وحول حصة كل من قواها فى المشاركات التالية ضمانا لتحقيق الأهداف المرجوة ولتشكيل النخب الجديدة المسيطرة والتوازنات بينها. ونكون فى كل ذلك مازلنا فى إطار العملية الممتدة، وهذا الصراع الجديد يدخل فيه كل ما استجد من تعديلات وقد يصل إلى حد التشابك بين هذه القوى، وقد يكون أكثر هدوءا وأبطأ مسعى، لكنه فى كل الأحوال يكاد يكون حتميا عند تعدد القوى التى شاركت فى الثورة.
وهذا ما عرفنا من تتابع الثورات المصرية مثل فى تاريخها المعاصر، بدءا من محمد على فى 1805 إلى عرابى فى 1882 إلى وفد 1919 إلى ثورة 23 يوليو 1952 إلى ما لا نزال نحياه فى ثورة 25 يناير 2011.
ومشكلة هذا الصراع الناشئ عن المرحلة الثانية للثورة، أنه صراع تزداد حركته صعوبة وتميل إلى الحدة وطول المدة وصعوبة التوقع بفعل عوامل منها:
أولا: أن تكون قوى الثورة متقاربة فى تأثيرها وفاعليتها بحيث لا يملك إحداها أو بعضها إمكان الحسم السريع فى ترتيب أوضاع النظام الجديد.
وثانيا: أن تكون قواها الذاتية والنظامية قبل الثورة وأثناءها ليست من التبلور والتحدد بما يساعد على إمكان الحسم الأسرع، وذلك كثيرا ما يحدث عندما يكون الحراك الشعبى التلقائى المنضم للثورة أثناء شبوبها أكبر كثيرا من حجم القوى المنظمة التى أشعلت الثورة وأطلقت شرارتها الأولى، وفى هذه الحالة يكون الكثير من القوى النظامية ليس على بينة من حقيقة حجمه وفاعليته السياسية الحقيقية، ولا يعرف مدى قوته الذاتية معرفة أقرب إلى التحدد الكافى لحساب مدى طموحه فى المشاركة السياسية بعد مرحلة الإزاحة.
وثالثا: ألا تكون على بينة مما تعدل به موقعها السياسى وقدراتها الفعلية بعد إزاحة النظام السابق، وذلك بالنسبة لقدرتها الذاتية وقدرة غيرها من شركائها، ومن ثم ترتبك الحسابات السياسية ويصير الصراع السياسى بين هذه القوى أقرب للتكهن والتقديرات الظنية البعيدة عن الحسابات الدقيقة ذات الأبعاد المقدرة، ويصير كل من القوى المتصارعة إنما يتحسس قوته وقوة غيره أثناء عملية الصراع ذاتها بالتجربة والخطأ، ويفضى ذلك كله إلى شمول الموقف السياسى كله بغلاله من عدم التيقن وعدم إمكان التقدير والتوقع والحساب.
(3)
كانت مصر معبأة بالحالة الثورة من بضع سنوات قبل حدوثها فى 25 يناير 2011. وكانت النخبة الحاكمة محصورة فى عدد محدود جدا من رئيس الجمهورية وأسرته وبعض رجال الأعمال المحيطين بهم وعدد محدود من غير رجال الدولة القابضين على أجهزة الأمن والاقتصاد، وتحولت مصر إلى مجتمع تسيطر عليه هذه القلة القليلة جدا، تحكم سياساته وتسيطر على ثرواته وتفكك نظام دولته وتهدم أسس التطور الحضارى ذاتها، وهى فئة مغلقة على ذاتها تزداد مع الأيام ضيقا وانعزالا وشراسة.
وحرصا منها على دوام بقائها اتبعت سياسة التحطيم لأى تشكيل أو جهاز تنظيمى يمكن أن يتشكل فيه قرار خارج إرادتها، سواء من أجهزة المجتمع كالأحزاب أو النقابات العمالية والمهنية والجمعيات، أو من أجهزة الدولة ذاتها فى غير مجال حفظ الأمن الداخلى لهذه النخبة ف:ى مواجهة الشعب. لذلك فإن عموم السخط لم يكن يقلقها فى السنوات الأخيرة، لأنها أجهزت بالتفكيك على أية تشكيلات تنظيمية يمكن أن يتبلور فيها قرار قابل للتنفيذ ضد مصلحتها.
وقد سبق أن كتبت فى ديسمبر 2010 (1)
ما يشير إلى هذا الوضع وما هى الإمكانات للخروج منه وإلى المظان التى يمكن أن يبدأ منها الحراك الثورى من خلال ما هو ممكن ومتاح فى هذا الظرف المضيق:
«نحن عندما نرى ضعف الحركة الحزبية فى مصر وتهافتها الواضح، فإنما يقتضى الإنصاف منا ألا نرجع ذلك إلى أوضاعها الداخلية فحسب، ويتعين أن نعترف أن من أسباب هذا الوهن أن السياسة المتبعة على مدى سنوات وسنوات، خاصة فى العقدين أو الثلاثة الأخيرة، قد عملت على القضاء على هذه التشكيلات الاجتماعية، إذ إن الشعب لا يعد حقيقة ملموسة إلا بالتنظيمات التى ينظم فيها فئات وطبقات وتجمعات. والأحزاب لا تستطيع أن تكون لها حركة فاعلة فى الشأن السياسى إلا من خلال صلاتها بالتجمعات الشعبية العديدة الكائنة والموجودة بين الناس، سواء كانت هذه التجمعات التنظيمية ذات وجود تقليدى مثل القبائل والطوائف حيث توجد فى بلاد لسنا منها، أو تجمعات تنظيمية حديثة مثل النقابات والاتحادات العمالية أو الفلاحية أو الرأسمالية، وبغير هذه التشكيلات لا يتحول الرأى العام السياسى إلى قوة مادية».
ثمة تنظيمات مهنية عسكرية ومدنية، وهى ذات وجود ضرورى، لأن وظائفها الاجتماعية والمهنية لا يمكن أن تتحقق فى الحياة الاجتماعية الجارية إلا بهذا الوجود، مثل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وهى تنظيمات قادرة طبعا على الحركة المهنية والوظيفية فى المجال الوطنى الذى رسم لنشاطها، وهى تقوم بوظائفها المتخصصة المرسومة لها بالأسلوب الرتيب المعتاد، ولا تخرج عنه ولا تتجاوزه.
لكنها فى موقف حرج يحدث أو فى لحظة أزمة مهددة للمجتمع يمكن لأى من هذه المؤسسات أو بعضها أن يستخدم شبكتها التنظيمية لا فى أداء وظائفها العادية المرسومة، بل فى القيام بعمل تمليه الضرورة السياسية الملحة، وتتحول هذه التنظيمات من وظائفها الرئيسية الرتيبة إلى أداة استثنائية ترى أنها ترفع شرا أو تنقذ وطنا، وحالات ذلك معروفة فى التاريخ.
«وثمة تشكيلات تكاد تكون صغيرة الحجم من الناحية التنظيمية وضعيفة الأثر فى الحياة السياسية الجارية، ولا يكاد يحسب لها حسابا كبيرا فى توقعات المستقبل بالنسبة للأوضاع القائمة، ولكن فى أحوال أزمة محدقة أو انتفاضة غير منظمة، قد تتيح لأى من هذه التنظيمات ما يمكن أن تبلور حولها حجم شعبى مؤثر فى الحياة السياسية العامة، والتاريخ فيه من الأمثلة لهذه الحالات الكثير، وإن المطالعين لأحداث ثورة 1919 فى مصر بصورة تفصيلية يعرفون كيف كانت الجماعات الشعبية تجتمع فى تنظيمات محدودة النطاق وصغيرة الحجم، ثم لا تلبث أن تتقارب وتتجمع فى تكوينات أكبر. وهكذا».
وبين التصورين السابقين ما يمكن أن تثمر عنه حركة المستقبل من صور وأشكال وأساليب مستحدثة، ولا يمكن لمن يتابع الأحداث أن يتنبأ بهذه الاحتمالات، لأن حركة الحياة أغنى كثيرا مما تنحصر فيه المعارف السابقة والتجارب التى مضت، وأن الأزمات تولد طاقات لا تلبث أن تجتمع وتنحشد، ثم لا تلبث أن تبحث عن مخرج منها، أرأيت النبتة الصغيرة الخضراء كيف تجد طريقا إلى الشمس والهواء رغم ما يطبق عليها من الأحجار الكثيفة.
«إن المحافظين على الأمر الواقع يقاومون أى حراك يمكن أن يعارضهم، وهم فى صنيعهم هذا يستخدمون خبراتهم السابقة وتجارب التاريخ، إنهم يقمعون ما يخشون من حراك يكون معارضا لهم، لكنهم لا يعرفون من صور وأشكال هذا الحراك إلا ما سبق حدوثه، أما ما يثمر عنه الواقع الجديد من صور وأشكال جديدة لم تكن معروفة، فهم يفاجئون بها ولا يستطيعون مواجهته فى الوقت المناسب».
وقد أردت بهذا المقتطف الطويل أن أوضح صورة الوضع المأزوم الذى كانت عليه الحالة الثورية فى مصر قبيل الثورة، وأنه لم يكن من حقائق الوجود الملموس ما هو مرشح ومؤهل للإنجاز الثورى المأمول، وإن التطلع كان إلى حلول مستجدة واستثنائية يتجه إليها الرجاء لتوجد بالحراك الثورى نفسه ويتفتق عنها، ولهذا الوضع أثره من بعد فى مسار الثورة بعد إنجاز مرحلتها الأولى بإزاحة النظام القائم.
هامش
(1) نشرت مقدمة لكتاب الأستاذ محمد على خير الذى صدر فى هذا الوقت قبل ثورة 25 يناير بعنوان: «الطريق إلى قصر العروبة»، وهو يتعلق باحتمالات ما بعد نهاية مدة انتخاب حسنى مبارك.