هى قائمة واحدة هذه التى يستوفى حكام جمهوريات الخوف إجراءاتها.
كلما تراكمت الأزمات الداخلية والخارجية، يتصاعد حديث الرسميين عن «المؤامرات» ــ من مؤامرات «لقلب نظام الحكم» إلى مؤامرات لتهديد الأمن القومى.
كلما أصبح العجز عن إيقاف تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واضحا لعموم الناس، تتواتر وعود «الإنجازات القادمة» وتتشكل لجان «مكافحة الفساد» وتتنوع صنوف «المتآمرين» و«الأعداء» لكى يدفع بمسئولية الفشل باتجاههم وتصنع منهم كباش فداء لا تنتهى. وفى المقابل، يغيب النقاش الجاد حول بدائل السياسات العامة لمواجهة الفقر والبطالة وتراجع معدلات التنمية المستدامة.
كلما اكتشف الناس محدودية مصداقية وعود «الإنجازات القادمة» (من لنصبر قليلا، إلى لنصبر إلى ما لا نهاية) وضآلة مردود «المشاريع الكبرى» التى يعشق حكام جمهوريات الخوف الإعلان المستمر عنها ويطربون للتغنى «بتميزها وتفردها وعظمتها» (كم «هرم رابع» أعلن عن بنائه بك يا مصر؟)، وكلما أدركوا استحالة أن يكون جميع أصحاب الرأى الحر والمستقل من المتآمرين؛ يعمد الحكام إلى تمرير مقايضة الناس على الأمن المتوهم بالخبز، مثلما يمررون مقايضتهم على الأمن المتوهم بالحرية (القمع للجميع، وتبقى الدولة).
كلما تيقن الرأى العام من تعذر تحقيق الأمن فى ظل مظالم متراكمة وانتهاكات متتالية للحقوق والحريات وإهدار لضمانات سيادة القانون، تورطت جمهوريات الخوف فى ممارسات قمعية واسعة النطاق هدفها الوحيد تعريض الأغلبية للتهديد الدائم بالعقاب إن لم تلتزم الصمت وتمتنع عن معارضة الحكام. والممارسات القمعية هذه، وهى دوما ما تتنوع من جرائم سلب حرية وتعذيب واختفاء قسرى وتعقب إلى قتل خارج القانون واغتيال معنوى، تبتز الأغلبية وقد تحملها بالفعل على الصمت والعزوف عن الشأن العام.
هنا تطلق جمهوريات الخوف يد الأجهزة الأمنية لإدارة شئون الحكم والسلطة والثروة، وتتحول سطوة الأمنى من مفهوم متداول فى كتابات معارضين تفرقت سبلهم بين بقاء فى الوطن وبين حياة المنافى إلى واقع يخترق جميع المساحات المجتمعية، من الإعلام الذى تسيطر عليه أذرع اللاعقل وتزييف الوعى وتجاهل الحقائق والمعلومات إلى اتحادات طلاب الجامعات التى يستدعى بها حضور أغلبية منتخبة من المستقلين الإلغاء والحل.
هنا أيضا تستبيح السطوة الأمنية الحق العام والحق الفردى فى وجود شىء من العدل، وشىء من القانون الذى ترعاه عدالة ناجزة، وشىء من الشفافية والمساءلة والمحاسبة لشاغلى المناصب الرسمية: حبس احتياطى بلا سقف زمنى نهائى. سلب حرية أطفال وشباب لارتدائهم ما يظهر كلمات ترفض القمع أو لوضعهم لافتات معارضة للحكام لا تدعو إلى العنف ولا تحرض عليه. الزج وراء أسوار السجون بأعداد كبيرة (إن بحسابات نسب المسلوبة حريتهم إلى إجمالى عدد السكان أو مقارنة بفترات ماضية لم تكن خالية من انتهاكات الحقوق والحريات) من الشباب والطلاب والعمال وأصحاب الرأى وبعض من تريد الأجهزة الأمنية الانتقام منهم. سيطرة كاملة على السلطات العامة وتوجيه عمليات صناعة القرار فى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية على نحو ينزع عن المؤسسات هذه شرعية القبول الشعبى.
كلما اعتاد الناس سطوة الأمنى والممارسات القمعية واسعة النطاق واقتربت الحكايات اليومية للظلم والانتهاكات من مجالات حياتهم الخاصة (الأسرية) والعامة (المهنية)، كلما انقلب الخوف من التهديد الدائم بالعقاب إلى مزيج من الخوف وفقدان الأمل فى إمكانية حدوث تغييرات إيجابية فى المستقبل، وربما إلى شعور عام بالملل والرتابة من جمهوريات خوف لا جديد لديها .