الاستفادة الحقيقية من التكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 12:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستفادة الحقيقية من التكنولوجيا

نشر فى : الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 6:45 م

من آنٍ لآخر تظهر تكنولوجيا جديدة ونسمع ونقرأ عنها فى المجلات والبرامج التليفزيونية، بعد ذلك إما ستنتشر تلك التكنولوجيا وإما ستختفى. مقالنا اليوم عن التكنولوجيا وكيف نستفيد منها وما الذى يحدد إذا ما كانت التكنولوجيا ستنتشر أو ستختفى؟ هناك كتاب جميل للكاتب الكندى الموهوب مالكوم جلادويل بعنوان (Tipping Point) أو «نقطة التحول»، الكتاب يحاول فهم ما الذى يجعل منتج ما أو خدمة معينة تنتشر بين الناس وما الذى يجعلها لا تنتشر، وحيث إن الخدمات والمنتجات تعتمد على التكنولوجيا فهذا الكتاب مهم لموضوعنا.
...
الكتاب يُشبه انتشار خدمة أو منتج ما بانتشار فيروس مرضى. ظهور المنتج يجب أن يكون فى بيئة مناسبة، التكنولوجيا الجديدة تظهر عادة فى الدول المتقدمة ومن ثم تجد أرضًا خصبة للانتشار؛ حيث إن الشخص العادى هناك يستطيع التأقلم مع تكنولوجيا جديدة ويستطيع دفع ثمنها الذى يكون مرتفعًا فى البداية ثم يبدأ فى الانخفاض حين ينتشر. بداية الانتشار تكون عن طريق ما يطلق عليهم المؤلف (connectors) أو «الموصلون» أى الأشخاص الذين لديهم شبكة علاقات كبيرة أو من الشخصيات العامة التى لديها الكثير من المتابعين. الخدمة أو المنتج يجب أن يحل مشكلة ما بطريقة سهلة الاستعمال وبكفاءة. من الأمثلة المهمة على ذلك هو تليفون الأيفون. قبل الأيفون كان هناك تليفونات محمولة ذكية لكن لم تنتشر مثل الأيفون الذى جاء فى الوقت الصحيح. الكتاب يناقش أهمية الوقت الصحيح التى يكون المجتمع فيها مستعدا لتقبل المنتج.
من العوامل التى تجعل منتجا ما يحوز على إعجاب الجمهور:
• أن يتميز ببعض الصفات التى لا نجدها فى المنتجات المشابهة.
• أن يتميز بتصميم جمالى.
• أن يكون سهل الاستخدام.
• أن يجعل المستخدم يشعر بالثقة فى النفس.
• أن يقوم بوظيفته بكفاءة ودون أعطال.
• أن يكون ثمنه مبرَرا.

فى المقابل عندما يظهر منتج ما فى الوقت الخطأ فإنه لن ينتشر حتى وإن كان يتميز بالصفات التى ذكرناها. من أمثلة ذلك النظارة الذكية من جوجل التى ظهرت منذ عدة سنوات، هى نظارة يمكنها تسجيل الفيديو وإظهار معلومات. كانت تعمل بكفاءة تامة لكن العالم لم يكن مستعدا لها. تخيل شخصا يتحدث معك وهو يرتدى هذه النظارة، لن تكون مرتاحا لأنك لن تعلم إذا كان يسجل تلك المقابلة أو لا. لكن لو ظهر هذا المنتج فى المستشفيات مثلا مع الأطباء حيث يجمعون ويسجلون معلومات عن المرضى لاستخدامها فى التشخيص والتحليل لكانت قد انتشرت.
نأتى إلى سؤال مهم: إذا انتشرت تكنولوجيا ما فى دول الغرب هل معنى ذلك أننا يجب أن نستقدمها عندنا فى مصر؟
...
الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة وتستلزم الإجابة عن عدة أسئلة:
• هل تلك التكنولوجيا ستحل مشكلة عندنا فى مصر أو ستحسن من نمط الحياة؟
• هل سعر التكنولوجيا فى متناول الطبقة المتوسطة؟
• ما هى الآثار السلبية لتلك التكنولوجيا؟ مثلا هل ستؤدى إلى اختفاء بعض الوظائف؟ أو هل ستؤدى إلى أضرار اجتماعية أو صحية أو نفسية؟
• هل يمكن توطين تلك التكنولوجيا بسهولة عندنا؟ أى هل سيحتاج تعلمها إلى مجهود أو تجهيزات مكلفة؟
تكنولوجيا التليفون المحمول من أوضح الأمثلة على تكنولوجيا تجيب على تلك الأسئلة إجابات إيجابية جدا، مثلا هى تكنولوجيا ستسهل التواصل بين الناس مما سيكون له تأثير إيجابى على الشركات والأعمال بالإضافة إلى الأفراد. التليفون المحمول سهّل الاستخدام حتى إن من لا يتقن القراءة والكتابة يمكنه استخدامه، وأخيرا سعره فى متناول الجميع لأن هناك أنواعا رخيصة كما أن هناك أنواعا أغلى سعرا. طبعا لكل تكنولوجيا أثار سلبية لكن الإيجابيات تغلب السلبيات فى حالتنا تلك.
لنأتى لتكنولوجيا الساعة الآن وهى الذكاء الاصطناعى، هل يمكن أن تفيدنا فى مصر؟
...
الذكاء الاصطناعى يعتبر تكنولوجيا وليدة فى حياتنا (لكنها قديمة فى عالم البحث العلمى) وقد انتشرت كالنار فى الهشيم وأصبحت «موضة». هل سنستفيد منها فى مصر؟ الإجابة من وجهة نظر كاتب هذه السطور هى نعم لكن بشروط.
• أولا يجب أن نحدد القطاعات التى ستستفيد من هذه التكنولوجيا عندنا. الذكاء الاصطناعى تغلغل فى جميع مناحى الحياة لكن تأثيره يختلف فى كل قطاع عن الآخر. عندنا فى مصر القطاع الزراعى والصحى والتعليمى من القطاعات المهمة، فهل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعى فى تلك القطاعات؟ وكيف يمكن توطينها؟ وكم يتكلف ذلك؟
• ثانيا كيف نقيس تقدمنا فى استخدام الذكاء الاصطناعى فى القطاعات المهمة؟ هذا ليس بالسؤال السهل ولا يمكن اختزاله فى رقم واحد. كل قطاع له قياسات للتقدم فمثلا فى مجال الزراعة قياس التقدم يأتى من زيادة رقعة الأراضى الزراعية وزيادة إنتاجية الفدان وتقليل استهلاك المياه والأسمدة. فهل يستطيع الذكاء الاصطناعى المساهمة فى تلك القياسات؟
• ثالثا زيادة عدد المتخصصين فى الذكاء الاصطناعى يمكن أن يؤهلهم للعمل فى شركات أجنبية حتى مع وجودهم فى مصر مما يساهم فى زيادة العملة الصعبة. هناك الكثير من المبادرات لتدريب وتأهيل متخصصين فى هذا المجال لكن قياس نجاح تلك المبادرات لا يأتى من «عدد الخريجين» لكن من عدد الخريجين الذين وجدوا فرصة عمل فى شركات أجنبية كبيرة مع وجودهم فى مصر، فهل نقوم بقياس هذا الرقم؟
• رابعا يجب دراسة تأثير توطين تلك التكنولوجيا فى مصر على سوق العمل، الذكاء الاصطناعى سيخلق فرصا للعمل لكنه أيضا سيساهم فى اختفاء أو تقليص أنواع أخرى من الوظائف، فيجب دراسة المكسب والخسارة بدقة.
• خامسا يجب ألا نكون مجرد مستهلكين لتلك التكنولوجيا، بل يجب أن ننتقل لخانة الإبداع لأنه فى تلك الخانة توجد المكاسب الكبرى.
يجب أن نستقدم التكنولوجيا الجديدة لبلادنا لكن بحذر.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات