رقصة الورق الأخيرة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رقصة الورق الأخيرة

نشر فى : الإثنين 30 يناير 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 30 يناير 2017 - 10:45 م
منذ الثورة التي أحدثها الألماني يوهان جوتنبرج (1398 – 1468) في عالم الطباعة كان للكلمة المطبوعة سحرها، إن لم يكن قداسة، ظلت تتوارثها الأجيال إلى يوم قريب، غير أن الوسائط الحديثة للتواصل بدأت في سحب البساط من تحت الحروف المطبوعة، وإن بقي للكلام تأثيره الطاغي على شكل العلاقات الاجتماعية بين البشر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ومع كل تقدم تكنولوجي وظهور المزيد من الأجهزة الأكثر تطوراً في نقل المعلومات، وتسهيل التواصل بين الناس، ترتجف فرائص عشاق الصحف الورقية، ومن تعودوا طوال سنين عمرهم على التعامل مع الكلمات ذات الحروف البارز منها والدقيق، فقد اقتربت ساعة الحسم التي ستجعل من عالم كبير وصناعة جبارة تهوي من القمة ربما إلى القاع، شاء من شاء وأبى من أبى، لكن السؤال هل يعنى غياب الصحف المطبوعة عن الأسواق، واختفاء بائعيها، انتهاء لمهنة الصحافة ذاتها؟!

هذا السؤال ربما يكون الآلاف من الصحفيين عبر العالم مهمومين به، منهم من يتعامل معه بجدية، ويستعد لما بعد اختفاء الصحف الورقية، ومنهم من لايزال يراوده الحنين بأن هناك متسع من الوقت لتدارك الوضع الذي وصلت إليه الصحافة المطبوعة من تراجع أمام لا نقول الفضائيات، ولا حتى من الصحف الالكترونية، بعد ظهور المنافسين الجدد الأكثر شراسة، "وسائل التواصل الاجتماعي"، وبعد أن باتت كل صفحة أو "حساب" صحيفة في حد ذاتها.

في مصر وبحثاً عن إجابة السؤال عن مستقبل الصحف الورقية، وكيفية التعامل مع الايقاع المتسارع من المنافسين الجدد لأصحاب الأقلام والأوراق، وضع عدد من الزملاء في"منتدى المحررين المصريين" على عاتقهم البحث في القضية عبر العديد من اللقاءات التي تجمع الصحفيين والخبراء في المجال، لتداول الرأي والحوار، علنا ندرك ما يدور حولنا من مشكلات تمس جوهر مهنتنا بشكل أكثر عمقا، في وقت تتجاهل فيه المؤسسات التقليدية، ككليات الإعلام ودور الصحف ونقابة الصحفيين، بيت الخبرة الأول، التعامل مع القضية بما يليق بها.

مجموعة صغيرة اختارت التصدي للموضوع رغم الامكانات المتواضعة علها تنجح في وضع المدماك الأول في مبنى اعتقد أننا مدعوون جميعاً، كصحفيين، للمساهمة في بنائه ذوداً عن مستقبل مهنتنا ولتسليم الراية لأجيال جديدة وقد أمسكت بالخيط الأبيض على درب محاط بالظلمات، وإزاحة العقبات عن طريق تعتريه العديد من المشكلات.

قبل أيام سألني الزميل على ترك من موقع "أصوات مصرية" السؤال نفسه الذي وضعه "منتدى المحررين المصريين" عنواناً لأكثر من نقاش لمستقبل الصحف الورقية وخاصة بعد ارتفاع سعر الورق، وتكاليف الطباعة، وتراجع الإعلانات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، كانت إجاباتي التي دائما ما أكررها أن الصحف الورقية تستعد لرقصة الودائع الأخيرة، ونحن الآن في مرحلة حسن تكفين الموتى.

طبعا اختفاء الصحف الورقية لن يكون في غمضة عين، ولكن التواري سيكون تدريجياً، وحسب ظروف كل مطبوعة، وهذا الاختفاء، طبعا، لا يعني انتهاء الصحافة التي سيظل دورها في نقل المعلومات وتوعية وتبصير الناس بما يدور في مجتمعها وما يحدث حولها إلى أن يشاء الله، غير أن الوسائط ستتغير باختلاف الزمان، وبالتالي على "الصحفجية" أن ينسوا قليلا أنهم "جورنالجية"، وأنا يواجهوا الواقع الجديد بنوع من التفاؤل لمهنتهم عبر الالتفات إلى الصحافة الإلكترونية بعين جديدة.

في تقديري أن المستقبل للصحافة الإلكترونية شريطة عدد من الأمور لابد من وضعها في الحسبان، أهمها وأخطرها "الاحترافية في المحتوى" وأن تسعى إلى اكتساب المصداقية عبر إعمال المعايير المهنية، وضرورة أن يتولى أمرها محررون محترفون على دراية واسعة بالتكنولوجيا وما تتيحه تطبيقاتها من فرص واسعة للتواصل مع الجمهور بأشكال متنوعة ووسائط شتى وأجهزة متعددة.

 

التعليقات