مخاطر «تبريد» أزمة سد النهضة - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخاطر «تبريد» أزمة سد النهضة

نشر فى : الأحد 30 مايو 2021 - 7:45 م | آخر تحديث : الأحد 30 مايو 2021 - 7:45 م
بعد ساعات من التحذير الأمريكى من اللجوء للحل العسكرى فى أزمة سد النهضة الإثيوبى، طالب الاتحاد الأوربى أطراف الأزمة الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) بضرورة تسوية الخلافات عبر حل متوافق.
المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية جيرالدين جريفيث قالت فى تصريحات تلفزيونية مساء الأربعاء الماضى أنه «ليس هناك حل للأزمة عبر الضغط أو التدخل أو الحل العسكرى»، مؤكدة أن المشاورات الدبلوماسية ستستمر من أجل شعوب المنطقة والتوصل إلى حل سلمى ودبلوماسى.
وما هى إلا ساعات حتى خرجت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبى نبيلة مصرالى بتصريحات مشابهة أكدت فيها أن موقف أوروبا يتماشى مع موقف الولايات المتحدة، مشددة على أنه «لا حل عسكريا للأزمة»، واعتبرت أن التسوية السياسية من خلال حل متوافق عليه هو وحده الكفيل بأن يعود بالفائدة على الأطراف كافة، مطالبة باستئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الإفريقى.
إثيوبيا استثمرت التصريحات الأمريكية الأوربية، وأعلنت أنها ستكمل مخططها وستنفذ الجولة الثانية من ملء السد، وأصدر حزب الازدهار الحاكم بيانا صباح الجمعة يؤكد فيه أن «استكمال الجولة الثانية من ملء سد النهضة واستكمال الانتخابات الوطنية المقبلة سيحددان مصير الإثيوبيين والبلاد بشكل عام».
ليست من مصلحة الولايات المتحدة ولا حلفائها الأوربيين اشتعال الموقف فى منطقة القرن الإفريقى، ليس ذلك فقط بل أن إضعاف مصر ورهن قرارها بحليفهم الجديد أحد أهدافهم غير المعلنة، لذا تسعى تلك القوى ومعها بعض القوى الإقليمية إلى تبريد ملف الأزمة وجر أطرافه مجددا إلى متاهة المفاوضات العبثية، غير عابئة بالأضرار التى ستلحق بكل من مصر والسودان فى حال أصرت إثيوبيا على عدم التوقيع على اتفاق عادل وقانونى يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد.
ورغم ما بدا من تفهم الرئيس الأمريكى جو بايدن لـ«الأهمية القصوى لتلك القضية للشعب المصرى»، بحسب ما أبلغه للرئيس عبدالفتاح السيسى فى اتصال هاتفى الأسبوع الماضى، وتأكيده على بذل الجهود من أجل ضمان الأمن المائى لمصر، إلا أن التحركات الأمريكية التى أعقبت زيارة وزير خارجيته أنتونى بلينكن أثارت الشكوك حول نوايا واشنطن.
فمساعد وزير الخارجية الأمريكى للشئون الإفريقية، روبرت جوديك، أعلن عن صيغة ملتوية لطرحها على أطراف الأزمة، وأشار إلى أن بلاده تبحث فى حل الأزمة عبر مرحلتين، المرحلة الأولى يتم التوصل فيها إلى اتفاق بشأن المخاوف الفورية لمصر والسودان حول ملء السد، والمرحلة الثانية هى حل على المدى الطويل لمسألة المياه، محذرا من أن «أى عملية عسكرية ستكون كارثية».
تصريحات جوديك أوضحت النوايا الأمريكية، فإدارة بايدن لا تسعى إلى فرض حلول جذرية ملزمة على الجانب الإثيوبى، وأعادت طرح ما صدم الرأى العام المصرى قبل أيام بشأن جر مصر إلى القبول باتفاق جزئى يخص الملء الثانى لبحيرة السد برعاية أمريكية أوروبية إفريقية على أن يتم التفاوض حول باقى المسائل الخلافية بشكل منفصل لاحقا.
الطرح الأمريكى سيشكل هزيمة قاسية للدولة المصرية التى تم استهلاكها على مدى عقد كامل فى مفاوضات خدمت الجانب الإثيوبى ومنحته العديد من الفرص لتنفيذ معظم مراحل السد.
لو أقرت مصر بحق أديس بابا فى استكمال الجولة الثانية من ملء السد، لن نتمكن بعد ذلك من إلزامها بأى اتفاقات تتعلق بقواعد الملء والتشغيل، وقد نُصبح على كارثة محققة بعد أن تنفذ إثيوبيا ما ألمحت إليه بشأن تسعير وبيع مياه نهر النيل لمن يرغب، ساعتها ستكون ملكت محبس النهر وأرغمتنا على إما الدفع للحصول على حصة تكفينا أو الشرب من مياه البحر.
إثيوبيا لن تلتزم بأى اتفاقات بعد أن يتم الملء الثانى، والدليل ما جرى فى واشنطن العام الماضى، عندما أعلنت انسحابها من الاجتماعات التى كانت ترعاها الولايات المتحدة العام الماضى، وكادت تنتهى باتفاق الأطراف الثلاثة على 90% من النقاط الخلافية بشأن ملء وتشغيل السد، واتهمت الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، بالانحياز للموقف المصرى.
وتكرر الأمر فى أغسطس الماضى عندما حاولت أديس أبابا استنزافنا فى جولة أخرى من المفاوضات لكن هذه المرة برعاية الاتحاد الإفريقى، وأصرت على إفشال الاجتماعات إثر تقدم وزير الرى الإثيوبى بخطاب يحتوى على خطوط إرشادية لملء السد ولا يتضمن قواعد للتشغيل ولا أى عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، وهو ما دعا مصر والسودان إلى الانسحاب من تلك الاجتماعات.
فى الفترة الأخيرة تمكنت مصر من إعادة اكتشاف دورها الإقليمى والدولى، وتحركت غربا فى ليبيا وشرقا فى الأراضى المحتلة كلاعب مهم يدرك أبعاد أمنه القومى، لكن إذ لم نستخدم كل ما نملك من أدوات فى المواجهة مع إثيوبيا التى توشك أن تتحكم فى قرارنا وتسيطر على إرادتنا، فسينكشف الأمن القومى المصرى وسيتداعى علينا الشركاء والخصوم ليصيرونا فى الاتجاه الذى يخدم مصالحهم.
التعليقات