هى واقعة حقيقية ومثبتة فى محاضر تحقيقات رسمية.. وهى قصة لا يجب أن تروى أصلاً، لأنها فاضحة ومسفة وخادشة للحياء.. ولكن للضرورة أحكام...؟
منذ سنوات عديدة مضت، شهدت مصر فترة تم فيها خنق تجارة المخدرات تماما ــ كانت فترة محدودة ــ والبضاعة المتاحة فى ذلك الوقت كانت مضروبة ومصنعة من بعض الأعشاب وربما التوابل.. أما المخدرات «بنت أبوها وأمها».. المخدرات «البيور» فكانت تجلب للصفوة من لبنان الشقيق، ونظراً للحصار الشديد وعمليات الرصد المتقنة، فإن المهربين استخدموا طرقا عجيبة قد لا تصدق.. وكانت أى طائرة قادمة من لبنان لها استقبال خاص، وذات يوم نزلت من الطائرة سيدة مصرية جميلة وأنيقة ولكن علامات الإجهاد كانت واضحة عليها.. وأثناء سيرها نحو نوافذ الجوازات كانت خطواتها غير منتظمة ومرتبكة.. وفى منطقة استقبال الحقائب صار حالها صعبا، هذه السيدة كانت تحمل لفافة من المخدرات داخل جسمها وفى مكان حساس،، ولكن يبدو أن اللفافة كانت كبيرة بعض الشىء على المخزن الموجودة به، الأمر الذى سبب لها حالة الإجهاد التى لفتت الأنظار إليها، وبالطبع تم اقتيادها إلى الداخل حيث الإجراءات القانونية المتعارف عليها فى مثل هذه الحالات.. إلى هنا والأمر عادى.. ولكن المرحلة التالية هى التحقيق وعمل المحضر.. سين..؟ وجيم..!! ولأن المخدرات أخرجت من جسدها بواسطة طبيبة توليد وحالة التلبس لا لبس فيها.. ويكاد الأمر أن يكون منتهيا.. إلا أن السيدة أثناء التحقيق كان لها موقف مخالف.. قالت بكل ثقة وثبات وهدوء أعصاب: المخدرات دى أنا ما اعرفش عنها حاجة.. وماليش دعوة بيها..؟ تمسك المحقق بالصبر وقال لها.: إزاى بس يامدام دى طالعة من جواكى.. ومكان محدش يقدر يوصل له.. يبقى إزاى ما تعرفيش عنها حاجة..؟ قالت: أنا ما اعرفش يمكن حد حطها لى وأنا نايمة.. وعندما ظهرت الدهشة وعلامات الغيظ على وجه المحقق استطردت قائلة: آه.. أصل أنا نومى تقيل...
تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع مشكلة «أبراج السلام» التى يصر السيد محافظ القاهرة على هدمها بالكامل.. والرجل لديه أسبابه القانونية وغير القانونية التى تجعله يتخذ القرار بهدم أربعة وعشرين برجا سكنياً، ارتفاع البرج القصير عشرة أدوار، أما البرج الطويل فأكثر من ذلك بكثير.. تقول المحافظة إن البناء تم بدون ترخيص وعلى أرض زراعية.. و.. و.. وكلها موانع شرعية وقانونية تستوجب الإزالة الفورية، ولكن أين كانت المحافظة.. الأبراج هذه ليست خياماً أو سرادقات عزاء يتم تركيبها فى ساعة.. وفكها فى ساعة أخرى.. الأبراج تحتاج إلى عمليات حفر.. وأساسات خرسانة وحديد وأسمنت وعمال وهيصة وليصة.. وأيضا الوقت الطويل والمعدات.. وأيضا الماء والكهرباء لتشغيل المعدات وعجن المونة.. فين المحافظة..؟ كانت نائمة مثل السيدة التى كانت قادمة من لبنان وكان نومها ثقيلا أيضا.. ترتفع الأبراج فى السماء، كالخوازيق يراها كل مبصر إلا رجال المحافظة.. لم يسمعوا.. لم يروا.. لم يتكلموا..!! وكان يمكن أن نصدق ذلك لو أن الحالة مجرد برج واحد.. لكن أربعة وعشرين بالبلدى كدة واسعة قوى.. حتى لو كانت المحافظة ميتة مش نايمة.. ولأننا لايمكن أن نصدق السيدة التى كانت قادمة من لبنان والتى قالت إنها نامت وصحيت لقيت نفسها زى ما يكون فيه حاجة جوه منها.. لكن ما تعرفش هيه إيه ودخلت إزاى..؟ هكذا حال محافظة القاهرة.. نامت وصحيت ووجدت أربعة وعشرين برجا عشوائيا على أرض الواقع.. وكل عاقل رشيد يدرك أن المحافظة كانت تعلم.. مثلها مثل السيدة القادمة من بيروت هى الأخرى كانت تعلم أنها تحمل جسم جريمة.. وتعرف البائع والمشترى.. والمحافظة كذلك كانت تعرف كل شىء صاحب المشروع والمقاول وصاحب الأرض والمستفيد وأصدقاء أصدقاء المستفيد.. المحافظة تعرف العفريت مخبى ابنه فيه إذا أرادت أن تعرف.. أما إذا أرادت ألا تعرف فإنها ستقول أنا كنت نايمة وصحيت لقيت أربعة وعشرين خازوقا مزروعة فى الأرض.
والمسألة واضحة.. إذا كان الأمر إهمالا ــ وهذا أمر مستبعد ــ لأن أقصى درجات الإهمال.. لا تصل إلى هذا الحد.. فلابد من محاسبة المهمل وفضحه.. والأمر الثانى هو الفساد وهذا هو الأمر المرجح.. هذه الأبراج وراءها عملية فساد كبيرة والكشف عن المفسدين وتقديمهم للعدالة هى المسألة الأهم والأنفع لهذا الوطن الذى تأكله القوارض بأسنان حادة.. لايمكن السكوت فى ظل الانهيارات المتعاقبة فى شتى المجالات..لابد من شىء جاد وحاسم.. الكلام أصبح غير مجد ولا يؤثر فى الأجساد البليدة.. والصراخ مهما بلغت حدته لا يسمع من أحد.. ياأهل الفساد نسألكم: وماذا بعد..؟ صغاراً أو كباراً.. وماذا بعد..؟