الحرية أم السيطرة هى ما تجدد الخطاب الدينى؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية أم السيطرة هى ما تجدد الخطاب الدينى؟

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2017 - 9:05 م
يتحمس المسئولون والمعلقون والبرلمانيون من وقت إلى آخر لقضية تجديد الخطاب الدينى، فى الغالب فى أعقاب اعتداءات ارهابية أو حوادث طائفية أو أحداث جسام أخرى، فيتكرر الحديث المعتاد حول تنقيح الكتب المدرسية، والرقابة على أئمة المساجد، وتوحيد خطبة الجمعة، وتطوير الخطاب الأزهرى. ويستند ما سبق إلى فكرة أن الخطاب الدينى المتشدد ــ بل والمتطرف ــ هو ما يغذى العنف والكراهية والطائفية فى المجتمع، ولذلك فإن تجديده ونشر التوجه الدينى المعتدل بدلا منه سوف يؤديا بالضرورة إلى عودة قيم الاعتدال والسماحة.

ومع أننى لا أختلف مع ما سبق فيما يتعلق بتأثير الفكر الدينى المتشدد على ظواهر العنف والإرهاب والطائفية، وأتفق تماما مع أهمية أن يسعى المجتمع بأسره ــ وليس أجهزة الدولة وحدها ــ لمواجهته بكل الوسائل القانونية المتاحة، ألا أننى لا أظن أن الأساليب التى تقدمها الدولة لتحقيق هذا الهدف سوف تأتى بالنتائج المرجوة.

ولنتفق أولا أن جوهر التطرف فى الخطاب الدينى ــ أو فى أى خطاب آخر قائم على عقيدة دينية أو سياسية أو اقتصادية متشددة ــ ليس ما ينتهى إليه من نتائج فقط، بل الآليات التى يعتمد عليها للوصول إلى تلك النتائج، والخطاب المتطرف بهذا المعنى يعتمد بالضرورة على التشبث برؤية واحدة لا تقبل الجدل أو النقاش، وعلى تكفير كل من ينتقدها أو يضعها محل التقييم والحساب، وعلى السيطرة التامة على المخاطبين بها بحيث يصبحوا أتباعا لا مجرد مستمعين، وعلى حجب المعلومات عنهم كى لا يثور فى أذهانهم شك أو قلق أو تتاح لهم فرصة التفكير المستقل. هذه أدوات وآليات الخطاب المتطرف أيا كان اتجاه تطرفه.

ولكن المثير للدهشة أن الدولة حينما تسعى لمواجهة الفكر المتطرف، وتحشد مواردها وإعلامها وبرلمانها لمواجهته، فإنها فى الواقع تستخدم ذات الآليات والأدوات التى تجعل خطابها المضاد بعيدا كل البعد عن مفاهيم التعدد والتسامح والانفتاح الفكرى التى تدعو إليها والتى يمكن أن تكون بديلا حقيقيا للتشدد والانغلاق. كل ما نسمعه فى مجال مواجهة الفكر المتطرف هو التقييد والسيطرة وغلق مجالات الحوار والإبداع.

ولكن ماذا عن مواجهة الفكر الدينى المتطرف عن طريق إتاحة المساحة وفتح المجال للأفكار المغايرة؟ لماذا لا تترك الدولة أصحاب الفكر المستنير يقدمون ما لديهم من أفكار ورؤى بديلة؟ لماذا لا تتيح الفرصة لإعلام حركى يفتح أبواب الجدال والحوار ومواجهة الحجج المتطرفة بأخرى أكثر انفتاحا؟ ولم لا تترك أصحاب المبادرات الفنية والثقافية كى يقدموا فنونهم وإبداعهم للجمهور بحرية ودون تدخل أو تقييد؟ ولماذا تضع العراقيل والقوانين المكبلة أمام التفاعل فى الفضاء الإلكترونى؟

السبب فى رأيى أن الفكر السائد فى الدولة لا يرى أن عكس الخطاب المتشدد هو الخطاب الحديث والمستنير، بل تسيطر عليه قناعة راسخة بأن مواجهة الخطاب الدينى المتشدد يكون بخطاب مقابل له، داعم للدولة وسياساتها، ولكن خاضع للسيطرة والتوجيه، ومسلح بذات أدوات الإقصاء والتخوين وكراهية التعدد فى الآراء، حتى الحديث المتكرر عن ضرورة استعادة ما يسمى بقوة مصر الناعمة فى المنطقة العربية ــ بمعنى ثقلها الحضارى والثقافى الذى يعبر عنه شعراؤها وكتابها وفنانوها ومبدعوها ــ يصطدم مع حقيقة أن الإبداع لكى يكون صادقا ومعبرا وجاذبا للجمهور لابد أن تتاح له مساحة من الحرية ومن الاستقلال، لا أن يتحول إلى أداة من أدوات الدولة الواقعة تحت سيطرتها وتوجيهها.

التصدى للفكر المتطرف والطائفى والداعى للعنف ضرورة ملحة بلا شك، ولكن الاعتماد على غلق مجالات التعبير والإبداع من أجل السيطرة على الخطاب السائد لن يأتى إلا بمزيد من التشدد والانغلاق والكراهية فى كل الاتجاهات.

 

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.