الشعب فى خط المواجهة - عماد أبو غازي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 6:53 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشعب فى خط المواجهة

نشر فى : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 نوفمبر 2012 - 8:30 ص

كان على المصريين أن يتخذوا القرار، إما الرضوخ وتسليم أنفسهم للطغاة، أو المواجهة والدفاع عن حريتهم. كان القرار واضحا النضال من أجل استعادة دستور الأمة، لكن لم يستعد المصريون دستورهم ومعه حريتهم بسهولة، كان الثمن غاليا لكن الحرية كانت أغلى عند المصريين، وكان المصريون قادرين على دفع الثمن ومستعدين لتحمله، لقد اشتركت النخبة فى دفع الثمن قبل الجماهير، لم يقبع زعماء الأمة فى بيوتهم أو قصورهم، بل خرجوا إلى الشوارع وطافوا المدن والقرى والنجوع يدعون الشعب للتصدى للاستبداد، بات النحاس باشا على أرصفة محطات القطارات، وتصدى بصدر مفتوح لرصاص بوليس صدقى وجيشه، وتعرض لأكثر من محاولة لاغتياله، لكنه لم يتراجع.

 

 

كذلك تصدى قادة الرأى والفكر للملك ورئيس حكومته صدقى، فكتب العقاد سلسلة من المقالات هاجم فيه الملك، وكان رد الحكومة القبض على العقاد وإحالته هو وصاحب امتياز جريدة المؤيد التى نشرت مقالته للمحاكمة بتهمة العيب فى الذات الملكية، وصدر الحكم بحبس صاحب الامتياز 6 أشهر وحبس العقاد تسعة أشهر، أما شاعر النيل حافظ إبراهيم فقد دخل الميدان بقصائده التى قال فى واحدة منها هاجيا صدقى وعهده:

 

قد مر عام يا سعاد وعام

 

وابن الكنانة فى حماه يضام

 

صبوا البلاء على العباد فنصفهم

 

يجبى البلاد ونصفهم حكام

 

وإذا كان العقاد قد سجن فإن حافظ قد فصل من عمله فى دار الكتب، وكان نصيب طه حسين الإبعاد من الجامعة التى كان عميدا لكلية الآداب بها، بسبب رفضه تنفيذ تعليمات الحكومة بمنح الدكتوراه الفخرية لمن لا يستحقها، فاستقال أحمد لطفى السيد من منصبه كمدير للجامعة المصرية احتجاجا على قرار الإبعاد، ولم تسلم الفنون الجميلة من تعسف صدقى، فبمجرد أن تولى صدقى الحكم بدأ فى عرقلة إجراءات إقامة تمثالى الزعيم سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية.

 

لقد بدأت معارضة الانقلاب الدستورى الأخطر والأشد ضراوة فى تاريخ مصر فى الحقبة الليبرالية قبل أن يصدر مرسوم الملك بإلغاء دستور 23 وإعلان دستور 30، وكان أول من دخل ساحة المعركة عدلى باشا يكن رئيس مجلس الشيوخ، فأرسل من أوروبا استقالته من رياسة مجلس الشيوخ احتجاجا على اعتداءات الوزارة المتكررة على الدستور.

 

وبعد ساعات من صدور دستور 1930 بدأ الوفد فى قيادة الحركة الشعبية من خلال البيانات والمؤتمرات السياسية والمقالات الصحفية. وانضم الحزب الوطنى للمعارضة ببيان عاجل أصدرته لجنته الإدارية بعد 48 ساعة اعتبرت فيه أن ما حدث اعتداء صارخ على الدستور. وسرعان ما انضم حزب الأحرار الدستوريين الذى كان صدقى ينتمى إليه إلى المعارضين، وهاجم قادة الحزب صدقى، فقال محمد حسين هيكل باشا: «كنا مقتنعين تمام الاقتناع بأن الدافع الحقيقى لتعديل الدستور لم يكن فكرة إصلاح بقدر ما كان فكرة تغليب السلطة التنفيذية على حقوق الشعب وممثليه فى البرلمان»، وقال محمد على علوبة: «إن تعديل الدستور له قواعد منصوص عليها فيه، والجرأة على تعديله على النحو الذى حدث يجعله دون القوانين احتراما، بل يجعله أقل احتراما من لائحة الترع والجسور وأمثالها من اللوائح».

 

وفى نوفمبر 1930 شكل الوفد والأحرار الدستوريين لجنة للتنسيق بينهما، وفى مارس 1931 صدر عن الحزبين ميثاق قومى تعاهد فيه طرفاه على مقاطعة الانتخابات والنضال لإعادة دستور 23 والحياة البرلمانية السليمة على أساس منه، وبدأ زعماء الحزبين حركة واسعة لزيارة أقاليم مصر والدعوة بين الجماهير لرفض دستور 30 وقانون الانتخابات الجديد والعمل على إسقاطهما وإعادة دستور 23، ولم يأبه زعماء الأحزاب بقمع السلطة ولا بطشها، ولا باستعانتها بالجيش لفض مؤتمرات المعارضة بالقوة، ولم يتوقف قادة الأمة عن مسعاهم حتى بعد أن وصل بطش حكومة صدقى إلى حد محاولة قتل النحاس باشا طعنا بسونكى بندقية أحد الجنود وهى المحاولة التى فشلت بسبب حماية سنيوت حنا عضو الوفد للنحاس باشا بجسده وتلقيه الطعنة عوضا عنه.

 

وتصعيدا للمواجهة قرر الوفد والأحرار عقد مؤتمر وطنى عام فى 8 مايو 1931، وعندما منعت الحكومة انعقاده بالقوة بدأت حملة لجمع التوقيعات على بيان المؤتمر الوطنى، وكان فى مقدمة الموقعين مصطفى النحاس باشا رئيس الوفد ومحمد محمود باشا رئيس الأحرار الدستوريين وعدلى باشا يكن رئيس مجلس الشيوخ المستقيل والشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر السابق وويصا واصف رئيس مجلس النواب المنحل، ووقع على البيان إلى جانب قادة الحزبين عدد من الوزراء والسفراء والضباط السابقين، كما انضم إلى التوقيع على البيان مجموعة من أفراد الأسرة المالكة، وهم الأمراء والنبلاء عمر طوسون ومحمد على وعمرو إبراهيم وسعيد داود ومحمد على حليم وإبراهيم حليم.

 

رغم اتساع المعارضة فإن حلف صدقى وفؤاد استمر فى خطته، وتمت الانتخابات فى يونيو 1931، على أساس قانون الانتخابات الذى سلب الشعب إرادته وحقوقه. وقدم الوفد بلاغا إلى النائب العام مدعما بالوثائق يفضح وقائع التزوير والقمع، إلا أن النائب العام لم يكترث لهذا البلاغ الخطير، رغم أن شهداء تلك الانتخابات تجاوزوا مئة شهيد، لكنهم لم يكونوا آخر الشهداء على طريق الحرية؛ فقد استمرت المقاومة وتصاعدت ضد صدقى، وزاد من قوتها وحدتها امتداد آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى إلى مصر، وكان سلوك حكومة صدقى فى مواجهة الأزمة يصب فى خدمة كبار الملاك والرأسماليين، بينما حاصرت الأزمة الناس فى أرزاقهم، وسرعان ما انضم العمال والفلاحين إلى حركات الاحتجاج، كما شهدت قرى الدلتا والصعيد هبات فلاحية متعددة بعضها أخذ طابعا جماعيا سياسيا ضد دستور 30 وتزوير الانتخابات وبعضها الآخر كان احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية وتعسف الحكومة فى جباية الضرائب، وابتكر الوفد أسلوبا جديدا فى النضال بالدعوة للامتناع عن دفع الضرائب.

 

وانضم الاتحاد النسائى المصرى إلى المعارضة، ونظمت لجنة سيدات الوفد مظاهرة نسائية ضخمة ضد حكومة صدقى باشا، وخرجت المظاهرة من دار رياض باشا وسارت فى طرقات القاهرة، وتدخلت الشرطة لفض المظاهرة بالقوة واعتقلت عددا من السيدات وأودعتهن فى أقسام الشرطة، ثم اضطرت تحت الضغط الشعبى للإفراج عنهن ليلا.

 

وكان المسمار الأول فى نعش حكومة صدقى حادثة اغتيال مأمور مركز البدارى، فقد كشفت تلك القضية عن الانتهاكات التى كانت تقع فى مراكز الشرطة ضد المواطنين، ويرجع أصل القضية إلى قيام اثنين من أبناء البدارى بقتل المأمور، وحكمت المحكمة بإعدام واحد منهما وبالأشغال الشاقة المؤبدة على الثانى، وعند الطعن بالنقض فى الحكم كشفت محكمة النقض أن جريمة القتل كانت بسبب قيام المأمور بتعذيبهما وهتك عرضهما، وأدانت المحكمة برئاسة عبدالعزيز فهمى باشا فى حكم تاريخى لها فساد النظام وأفعال رجال البوليس التى وصفتها بأنها «إجرام فى إجرام»، وبناء على هذا الحكم بدأت النيابة العامة التحقيق فى وقائع التعذيب التى يتعرض لها المواطنون على يد رجال البوليس، وكان هذا الحكم وما تبعه من تحقيقات سببا فى انقسام فى حكومة صدقى الذى أوقف التحقيقات فاستقال بعض وزرائه، وانتهى الأمر باستقالته هو نفسه فى سبتمبر 1933.

 

 

التعليقات