أطلقت مؤسسة الأزهر فى زخم الحراك فى المجتمع عام 2012 مبادرة بعنوان «سفراء الأزهر»، واضح من اسمها أن غرضها الأساسى هو الانفتاح على المجتمع، وتشجيع أساتذة وطلاب وخريجى جامعة الأزهر، بفروعها المختلفة، على أن يكونوا فى قلب التفاعلات المجتمعية. وقد سبق إطلاق المبادرة بشهور أن استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب عددًا من المثقفين من مشارب واتجاهات متعددة، وضعوا ما عُرف بوثيقة الأزهر، التى لعبت دورا مهما فى ترشيد الجدل العام فى وقت علا فيه صوت تيارات عديدة متناحرة، وبعضها كان يحمل تصورات شديدة الانغلاق، والجمود، يرفض مدنية الدولة، ويعادى التنوع الثقافى، والتعددية فى المجتمع.
برنامج «سفراء الأزهر»، التى تشرف عليه الدكتورة أنوار عثمان، غرضه أن يحمل رسالة الأزهريين إلى خارج مؤسستهم من خلال التعاون مع جهات حكومية، ومنظمات المجتمع المدنى، والتفاعل مع المؤسسات الكنسية، وتبنى مبادرات تنموية وتوعوية وتدريبية، والقيام بأنشطة من خلال التفاعل المباشر، وأخرى على الفضاء الإلكترونى، وهناك أنشطة كثيرة يتبناها البرنامج لا تأخذ حظها من الاهتمام الإعلامى، آخرها برنامج «إعداد قيادات أزهرية.. صناعة قائد التطوع»، بالتعاون مع وزارات الشباب والتخطيط والتضامن والتعليم العالى ووكالة الفضاء المصرية، وغيرها من الهيئات، ويحوى محاضرات أون لاين حول التنمية المستدامة، والتخطيط الاستراتيجى، وإدارة مواقع التواصل الاجتماعى، والمواطنة، وقضايا أخرى عديدة.
مبادرة مهمة، فيها تحدى للعزلة الاختيارية أو العزلة التى يفرضها المجتمع من خلال تنميط صورة الأزهرى. وقد كان لى فرصة المشاركة فى هذا الجهد أكثر من مرة، أخرها منذ أيام فى سياق حوار مع المشاركين حول التنمية والمواطنة ورأس المال الاجتماعى، أظن أنه كان مفيدا، وشهد تفاعلا من الحضور عبر الانترنت.
أعرف أن هناك فى المجتمع من يشكك فى جدوى هذه المبادرات، ويعتبرها مجرد دعاية أو علاقات عامة، وقد ذكر لى البعض ذلك، وهناك من ينظر إليها بوصفها خطوات على طريق بناء ثقافة مدنية تقوم على الحوار والمواطنة واحترام التنوع. الملفت أن هذه النظرة الاستقطابية نجدها فى كل مبادرات العبور إلى المجتمع ــ إن صح التعبير ــ مثل «بيت العائلة المصرية» أو لقاءات «الحوار الإسلامى المسيحى»، وغيرها. هناك من يستصغر نتائجها، وقد يشكك فى أهدافها، وهناك من يرى فيها خطوات مبشرة، وجهدا إيجابيا على الصعيد العملى.
لن أناقش هذه الآراء المتباينة، لكن يكفى أن أقول إن هذه المبادرات لم تكن موجودة من ثلاثين أو عشرين عامًا، حيث كانت المؤسسات الدينية، إسلامية ومسيحية، فى حالة شبه عزلة، لا يوجد تفاعل فيما بينها، وعلاقاتها بالمجتمع الثقافى محدودة. الآن اختلفت الصورة، قد لا يكون الاختلاف ــ كما وكيفا ــ مرضيًا لكل الناس، لكنه يظل تحولا إيجابيًا وانفتاحا جادا على المجتمع، لا تأتى نتائجه دفعة واحدة، لكنه بالتأكيد إذا استمر، وتطور، وصادف دعمًا ومساندة، سوف يكون له مردود إيجابى. هذه هى النظرة التنموية التى تراهن دائما على التغيير فى أفق المستقبل، القريب والبعيد، لأن التغيير على المستوى المجتمعى لا يسير بنفس وتيرة تغيير السياسات أو القوانين؛ حيث يستغرق بناء الوعى وقتا أطول، لكن التغيير يحدث بالفعل، وسوف يتعمق لأن هذه هى طبيعة الحياة.