لماذا نحتفى بأعدائنا؟ - الأخضر الإبراهيمي - بوابة الشروق
الثلاثاء 11 مارس 2025 11:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لماذا نحتفى بأعدائنا؟

نشر فى : الثلاثاء 31 مارس 2009 - 10:32 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مارس 2009 - 10:35 م

 عادت بى الذاكرة إلى شهر ديسمبر من عام 1982، حين نشرت المجلة الأسبوعية البريطانية «The Economist» استجوابا قصيرا لهنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، وتحدث عن أن رونالد ريجن قد تقدم إلى الأمم المتحدة فى شهر سبتمبر من نفس العام بما عرف «بمبادرة ريجان» حول الشرق الأوسط.

احتج كيسنجر احتجاجا شديدا على المبادرة وطالب ألا تتكرر مثل تلك المبادرات على الإطلاق. والغريب أن الذى أزعج كيسنجر ليس مضمون المبادرة، فهى كما شرح لن تخرج عن السياسة الأمريكية المعتادة وخطها الموالى لإسرائيل، ولكن المزعج أن الولايات المتحدة لأول مرة تقدم على تقديم مبادرة تخص إسرائيل دون التوصل إلى اتفاق مسبق حولها مع الحكومة الإسرائيلية.

وهنا أعاود التأكيد على شىء كنت قد ذكرته فى مقال نشر فى «الشروق» سابقا، وهو أن الولايات المتحدة لا تتقدم بأى أفكار تخص القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى أو أى أمر يتعلق بمصالح إسرائيل إلا بعد التشاور المسبق مع الحكومة الإسرائيلية والحصول على موافقتها.

وبعبارة أخرى فإن الولايات المتحدة قد أعطت الحكومة الإسرائيلية الحق فى الاعتراض على سياستها فى كل ما يتصل بالصراع العربى ــ الإسرائيلى، بل فى الكثير مما يخص منطقتنا العربية.

هذا هو الإطار الذى لا يزال قائما، والذى سيعمل فيه الرئيس أوباما، والذى سيتحرك أيضا فى حدوده السيد جورج ميتشل مبعوثه الخاص للشرق الأوسط. وبكل تأكيد تغيير هذا الإطار غير ممكن على المدى القريب أو حتى المتوسط، لكنى أعتقد أنه يمكن العمل على تغييره على المدى البعيد، كما أننى واثق بأن الطرف العربى يستطيع أن يدافع عن وجهة نظره وعن مصالحه حتى فى ظل الإطار الحالى.

وهنا لدىّ اقتراح وهو أن نبدأ بعدم مكافأة من أساء إلينا، وسأعرض بعض النماذج من قادة أمريكا السابقين لا الحاليين للاستفادة من الأخطاء السابقة، فكثيرا ما رأينا فى الماضى مسئولين أمريكيين سابقين يسرعون فى السفر إلى بلادنا فور خروجهم من السلطة.. فهذا يأتى ممثلا لشركة من شركات بلاده وذاك يأتى بعرض خبرته، التى يقول إنه اكتسبها كسياسى أو دبلوماسى أو عسكرى يريد أن يستفيد منها.

وهذا ليس اعتراضا على التعامل مع كل الشركات الأمريكية أو مع أى شخص عمل فى أى من الإدارات الأمريكية، ولكن ينبغى أن نتنبه إلى أن العديد من الذين جاءوا ليعملوا فى المنطقة ليس لديهم خبرات تذكر، ويجب ألا ننسى ــ مسئولين وسياسيين ومثقفين ــ كيف تعامل هؤلاء مع دولنا وشعوبنا فى فترة وجودهم فى السلطة.

إننى لا أستبعد أن يطل علينا فى القريب العاجل السيد ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى بوش الابن، وهو الرجل الذى يقال إنه لعب دورا رئيسيا فى اتخاذ القرار الخاص بالحرب على العراق، وتدمير هذا البلد الشقيق، وقتل مليون من أبنائه، وتشريد ما يقرب من خمسة ملايين آخرين.

أما مواقفه تجاه القضية الفلسطينية فلم يعرف عن الرجل بأنه تحدث بكلمة خير عن معاناة الشعب الفلسطينى، أو المعاملة الإسرائيلية الوحشية التى يتعرضون لها. وأنا لا أستبعد بأن يأتى فى يوم من الأيام ديك تشينى وكثيرون من أمثاله لعرض الصداقة والخبرة، وأتمنى أن نتفق جميعا فى العالم العربى على الاعتذار عن زيارته لأى من بلادنا والاستغناء عن الخبرة التى سيقدمها، خاصة أن من يقدم الخبرة الآن لعب دور بارز ومعروف فى واحدة من أسوأ الإدارات، التى تعاملت مع العديد من المناطق خصوصا فى منطقتنا العربية.

وأيضا سمعت أن السيد رودى جوليانى، عمدة نيويورك السابق يقدم خدمات وخبرات فى مجال الأمن إلى بعض الدول العربية. ويشكك الكثيرون فى أن تكون للرجل أى خبرة تذكر فى مجال الأمن، هذا الرجل يكن العداء الشديد للعرب ويعبر عن تأييده لإسرائيل بشكل واضح، ولا ينسى التزام أمريكا بحماية إسرائيل من أى اعتداء، ويتحدث عن الفلسطينيين بعبارات مهينة ومن ردود فعله الواضحة فى السابق أنه طرد ياسر عرفات ذات يوم من أحد فنادق نيويورك فى سبتمبر 1995خلال احتفالية أقامها الأمين العام للأمم المتحدة فى ذلك الوقت بطرس غالى بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس المنظمة الدولية.

وعندما رشح جوليانى نفسه فى العام الماضى لخوض الانتخابات من أجل تعيين المرشح الجمهورى قام باختيار مرشحيه من بين أكثر الخبراء معاداة للعرب عامة والفلسطينيين خاصة. الجميع يعرف الكثير عن مسئولين أمريكيين ربحوا الملايين فى بلادنا بعد أن قضوا وقتهم يعملون ضد مصالح العرب طيلة مدة عملهم فى حكومة بلادهم والآن جاءوا ليقدموا خبراتهم، فهل لنا أن نأمل فى العالم العربى بألا يأتى لتقديم المشورة والخبرة أحد من أعداء العرب خوفا على مصلحتنا.

لابد من الإشارة هنا إلى استثناء واحد بارز، وهو الرئيس الأسبق جيمى كارتر، فهذا الرجل لم يقل كلمة واحدة ضد الإسلام والمسلمين، على الرغم من أنه خسر الفوز بولاية رئاسية ثانية لحل أزمة الرهائن الأمريكيين فى طهران عام 1979، حين قلل من الاهتمام بحملته الانتخابية وجعل سلامة الرهائن من أهم أولوياته.

وبعد خروجه من السلطة أسس مركز كارتر، وهو مؤسسة خيرية لمساعدة الفقراء فى الولايات المتحدة وتكافح الأمراض والأوبئة فى دول العالم الثالث، وتساعد على تنظيم ومراقبة الانتخابات.

وعلى سبيل المثال يقوم المركز فى العديد من الأنشطة بالسودان، حيث يعمل تحت مظلة المؤسسة فى السودان حوالى 1000 شخص، ونجحت بعض مشاريعه فى القضاء على بعض الأمراض المزمنة، كما أن بعض المشاريع الأخرى تساعد بنجاح كبير على إنتاج القمح هناك، والآن ينتج حوالى 40% من حاجة السودان من القمح، فى حين أنه كان يستورد القمح بنسبة تقترب من 100%.

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فمعروف لدى الجميع بأن الرئيس كارتر يتكلم، ويكتب بإسهاب حول الموضوع، وهو يتعرض بسبب ذلك إلى هجمات إعلامية عنيفة لا تتوقف من قبل إسرائيل والموالين لها فى الولايات المتحدة وكذلك أوروبا.

والغريب أن الرئيس كارتر قل ما يتم دعوته إلى أى من دولنا وفيما أعلم لم تساهم أى دولة عربية مساهمة تذكر لمركز كارتر خلافا لما يتدفق لمشاريع غيره من أموال طائلة لا تستحق تلك المساعدات السخية.

ما أود الإشارة إليه والتأكيد عليه أن الرئيس باراك أوباما والسيناتور جورج ميتشل لن يدافعا عن حقوقنا، فهذه مسئوليتنا وواجبنا فلن يلتفت أحد ممن يعملون فى الإدارة الأمريكية إذا رأونا نكافئ من أساء إلينا مثل عمدة نيويورك السابق رودى جوليانى أو نائب الرئيس السابق ديك تشينى وأمثالهم كثيرون.

الأخضر الإبراهيمي سياسي ودبلوماسي جزائري ، ومبعوث للأمم المتحدة السابق في أفغانستان والعراق وعدد من الدول الأخرى ، وشغل منصب وزير الخارجية الجزائري بين عامي 1991 – 1993.
التعليقات