مع بداية السنة الجديدة، ينتظر العالم العديد من التوترات والتقلبات خاصة مع إجراء انتخابات وطنية فى أكثر من خمسين بلدا. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، يرى فيه أن لا انتخابات تضاهى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ــ المقرر إجراؤها نهاية العام الجديد، مؤكدا أن هذه الانتخابات ستشهد نزاعا حول نتيجتها، والأخيرة ستحدد مصير الحربين (الروسية الأوكرانية ــ إسرائيل وحماس)... نعرض من المقال ما يلى:تذهب الولايات المتحدة إلى الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عام، وهى أكثر استقطابا وانقساما سياسيا وثقافيا من أى وقت مضى. ودخلت المحاكم على خط التجاذب منذ الآن. المحكمة العليا فى ولاية كولورادو قضت بعدم أهلية الرئيس السابق، دونالد ترامب، لخوض الانتخابات التمهيدية ضمن لائحة الحزب الجمهورى، بتهمة تحريضه على التمرد فى مشهد اقتحام مبنى الكونجرس فى 6 يناير 2021 من قبل مؤيديه الذين كانوا ولا يزالون يرفضون الاعتراف بنتائج انتخابات 2020.
وما كاد ترامب، الأوفر حظا لنيل ترشيح الحزب الجمهورى، يستأنف الحكم أمام المحكمة الفيدرالية العليا، حتى أعلنت المسئولة الديموقراطية فى ولاية مين شينا بيلوز، المكلفة بتنظيم الانتخابات، أن ترامب «غير مؤهل لمنصب الرئيس»، بموجب التعديل 14 للدستور، الذى يستبعد أى شخص شارك فى أعمال تمرد من تولى أى مسئولية عامة.
الانتخابات الأهم فى العالم مرشحة لتشهد نزاعا كالذى حصل فى 2020، والأرجح أن الأمور ذاهبة نحو المحكمة الفيدرالية العليا لتقرر النتائج وفق ما حصل عام 2000 بين جورج دبليو بوش وآل جور، لكن مع فارق أن هذه المرة ستكون أكثر حدة وذات ترددات فى الخارج.
الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى يحبس أنفاسه منذ الآن تحسبا من فوز ترامب الذى تعهد وضع حد للنزاع الأوكرانى فى 24 ساعة. وفى المقابل، ينتظر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بفارغ الصبر، عودة ترامب إلى البيت الأبيض، كى يسحب الولايات المتحدة من أوكرانيا. وعليه، يضغط بايدن من أجل تمكين أوكرانيا على الأقل من الصمود حتى الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل. وفى المقابل، يدفع بوتين نحو تحقيق نتائج فى الميدان تمنحه اليد العليا فى أى مفاوضات مقبلة.
ليست أوكرانيا وحدها من يتوقف مصيرها على نتائج الانتخابات الأمريكية. هناك الشرق الأوسط الذى يغلى برمته على نار الحرب الإسرائيلية على غزة. وعلى رغم أن بايدن قدم لإسرائيل ما لم يقدمه أى رئيس أمريكى آخر، بدعم عسكرى غير محدود وحماية دبلوماسية فى العالم، يبقى القادة الإسرائيليون على اختلاف توجهاتهم، أكثر تعلقا بترامب الذى لا يأتى على ذكر «حل الدولتين» أو يتحدث عن ضرورة فتح «أفق سياسى» أمام الشعب الفلسطينى.
ناهينا عن ذلك، ترى إسرائيل أن جو بايدن أكثر تساهلا مع إيران، على رغم عدم عودته إلى الاتفاق النووى لعام 2015. لكن تشديده على الوسائل الدبلوماسية عبر القنوات الخلفية لضبط التوترات النووية والإقليمية مع طهران، لم تكن السياسة المفضلة لدى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
والأشهر الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ستكون حبلى بالمفاجآت فى المنطقة ومفتوحة على أكثر من سيناريو. هل تتمدد حرب غزة إلى جبهات جديدة مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن؟ أم يتمكن بايدن من إدارة «التصعيد المحسوب»، كى لا يتحول حربا تتورط فيها الولايات المتحدة وإيران فى مواجهة مباشرة، تعيد أمريكا إلى «الحروب الأبدية»؟
يدير بايدن حربى أوكرانيا وغزة وعينه على آسيا. وعلى رغم أن اللقاء مع الرئيس الصينى شى جين بينج فى سان فرانسيسكو فى نوفمبر الماضى على هامش قمة «آبيك»، قد أزال بعض التوترات المتراكمة فى العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم وساهم فى استئناف الاتصالات العسكرية بين البلدين، فإن البيت الأبيض لا يخفى قلقا متناميا من سياسة بكين حيال تايوان وفى بحر الصين الجنوبى.
ولعل أكثر ما يؤرق المسئولين الأمريكيين هو احتمال مبادرة شى جين بينج إلى استغلال الانهماك الأمريكى فى أوكرانيا والشرق الأوسط، لتعزيز نفوذه العسكرى فى المحيطين الهادئ والهندى، مع تزايد الاحتكاكات بين البحريتين الصينية والفليبينية والمناورات المتواصلة حول تايوان، والدوريات الجوية المشتركة الصينة والروسية على مسافة قريبة من أجواء اليابان وكوريا الجنوبية، وعلى وقع وتيرة غير مسبوقة من التجارب الصاروخية الباليستية الكورية الشمالية، وتعميق العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونج يانج على غرار ما هو جار بين موسكو وطهران.
لكن هذا ليس كل شىء. هناك الدول الناشئة مثل الهند والبرازيل وأندونيسيا وتركيا وجنوب إفريقيا، وإن كانت أقل انشدادا إلى المحور المذكور، فإنها لا تتماشى مع السياسات الأمريكية، وتبحث عن طريق ثالث. وترجمت ذلك فى مواقف متعارضة مع واشنطن حيال حربى أوكرانيا وغزة.
هل نشهد بداية الانتقال إلى العالم المتعدد الأقطاب؟ وزير الخارجية الهندى سوبراهمانيام جايشانكار يجيب بأن أمريكا التى تواجه «عواقب على المدى الطويل بسبب العراق وأفغانستان.. تتكيف مع عالم متعدد الأقطاب».
إن بؤر التوتر الجيوسياسى التى يتسلمها عام 2024، من عام 2023، تحدد إلى حد بعيد شكل النظام العالمى الجديد الذى ما يزال على الأرجح فى طور المخاض.
النص الأصلى: