محمد عبد الباقي يكتب: جمهورية عديلة

آخر تحديث: الإثنين 20 مايو 2013 - 1:55 ص بتوقيت القاهرة

كلنا يتذكَّر ذلك الفيلم الكوميدي للراحل إسماعيل يس حين وقع - كقروي ساذج - في شبكة للنصب والاحتيال، أقنعته أن تبيع له (ميدان العتبة الخضراء)، ومن ثم تبديل اسمه إلى (ميدان عديلة) نسبة إلى محبوبته، أو زوجته عديلة. وذاع صيت هذا الفيلم ونجح لاعتماده على فكرة تمرير الأمر اللامعقول، في غلاف من منظومة للنصب، والكذب، والاحتيال، والتلفيق، في إطار كوميدي تسخر فيه العقلية المصرية المستنيرة لجمهور المشاهدين، من سذاجة ذلك القروي الذي "خالت" عليه تلك الأحابيل.

 

ورغم أن هذا الفيلم كان يعتمد في خلق الحالة الكوميدية على استنارة وفهم مصريي الخمسينات، إلا أن كثيراً من مصريي القرن الواحد والعشرين، قد وقعوا فريسة لبعض تلك الحيل والأساليب المشابهة لتلك التي "خالت" - قديماً - على إسماعيل يس.

 

فإن رأيت أحدهم يحدثك عن بيع سيناء لفلسطينيي غزة، فتذكَّر (عديلة)، وإن سمعت أحدهم يقسم لك أن حلايب وشلاتين قد حظيتا بسعر معقول من السودان.. فَتَذَكَّر (عديلة)، وإن رأيت أشخاصاً يروجون لفكرة أن قناة السويس سيتم بيعها، أو رهنها، أو تأجيرها، لدولة قطر.. فلا تعترض قائلاً: إن مساحة المجرى المائي لقناة السويس أكبر من مساحة قطر.. بل اصمت وتذكر (عديلة)!

 

أما عن تأجير وبيع الأهرامات، وبرج القاهرة، والصحراء الشرقية، والغربية، وسوق الخضار، وكشك عم صابر، وعن حماس، ودورها في فتح السجون، وقتل المتظاهرين، وتسميم وسرطنة الزراعة المصرية، ودورها أيضاً في تزوير الانتخابات المصرية لمدة ثلاثين عاماً، وعن دورها في تفصيل دستور التوريث، وتمرير الطوارئ، والسكوت عن الاعتقالات، والتعذيب في زنازين أمن الدولة، وتأجير مصر مفروشة للأمريكان، والصهاينة، ففي هذه الحالة فقط أنصحك بألا تتذكر (عديلة)، بل تَذَكَّر (إسماعيل يس) نفسه الذي ضحك من سذاجته في خمسينات القرن الماضي كل سكان مصر المحروسة، وتخيله معي وهو ينظر إلينا من خلف كل هذه السنين، ضاحكاً، ساخراً من سذاجة البعض، حين يذكر أن مصر – بجلال قدرها – يمكن أن يتم بيعها، أو تأجيرها، أو تحويلها إلى "جمهورية عديلة"!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved