طه أمين يكتب: توثيق جرافيتي التحرير.. أسامة بشرى ورفاقه
آخر تحديث: الأحد 23 سبتمبر 2012 - 9:40 م بتوقيت القاهرة
قد نتفق أو نختلف حول كل الأحداث السياسية الدائرة في مصر الآن، قد نتفق في تنزيه بعض اللاعبين السياسيين عن الغرض، أو نتفق في شيطنة بعضهم الآخر وصب اللعنات عليهم، قد نتفق حتى حول ما إن كان ما حدث في مصر في العامين الماضيين يندرج تحت بند العمل الثوري أم لا، ولكني لا أظن أننا نختلف حول أن كل ما حدث هو جزء من تاريخ الوطن، وأن توثيقه يعد صناعة لذاكرة الأمة، وأن توثيقه واجب على كل مصري سواء كان معه أو ضده.. من هذا المبدأ أنطلق نحو تساؤل عن طمس جرافيتى شارع محمد محمود.. هل كان من أمر بذلك يعي ما أسلفت القول؟ إن كان لا يعي فتلك مصيبة، وإن كان يعى فتلك جناية في حق تاريخ الأمة.
لم تكن جرافيتي محمد محمود كتابة ليوميات الثورة كما يحلو للبعض أن يوصفها، إنما كانت استلهاما لروح مصرية صميمة تسربت عبر التاريخ في عروقنا لتتشربها الذهنية المصرية، وتتمثلها تمثيلا روحيا ووجدانيا يربط بين ماهو الفن المصرى القديم وماهو الروح المصرية الحديثة، وبقيت روح الفن المصري القديم محفوظة في ركنها البعيد داخل شخصية الفنان المصري الحديث ليبرزها من حين إلى آخر في فنونه، لتصبح كالبصمة الوراثية لا يشبهه فيها أحد ولا ينازعه في ميراثه منازع لتبقى طاهرة غير مهجنة ولا معرضة لدنس من فنون أخرى أو من ثقافة مختلفة.
كانت جرافيتي محمد محمود هي البرهان على أن الفنان المصري القديم حين غادر الدنيا، كان قد ترك وراءه جيلا من الفنانين الذين استطاعوا عبر الزمن تناقل راية الفن المصري القديم، من جيل إلى جيل، ليغرسوها في قلب كل حدث سياسي واجتماعي مصري، فتختلط دماءه بألوانها، فينبت منها راية أخرى يحملها جيل آخر يحمل روح مصر ونهضتها، جيل مستعد في أي لحظة أن يستخرج من قلبه روح مصر الأصيلة.
الآن و قد ضاعت جرافيتي محمد محمود، لم يبقَ لنا إلا أن نبحث عمن وثقها، وقد قام آلاف المصريين بتصويرها فوتوغرافياً، ولكن - على حد ما أعلم- لم يقم أحد بتوثيقها توثيقا كاملا إلا الفنان أسامة بشرى، الذي أمضى شهوراً كاملة في ميدان التحرير، في أوقات كان دخول الميدان وفي يدك كاميرا يعد مغامرة جنونية، فغالبا لن تخرج بالكاميرا وربما لن تخرج أنت نفسك سالماً. لقد اجتهد أسامة بشرى في تصوير كل بوصة من جرافيتي التحرير تصويراً توثيقياً كاملاً، ثم عمل عليها بشكل فني ليخرج منها مئات اللوحات الفنية، وضعها في صور كان يعدها لمعرضه القادم في شهر نوفمبر، وكان الفنان أسامة بشرى يريد لهذا المعرض أن يكون خطوة أولى نحو انطلاقة للتوثيق الفني لجرافيتي التحرير، يعقبها معارض أخرى يقوم بها فنانون آخرون ليوثقوا تاريخ تلك اللوحات العظيمة، ففي النهاية مايقوم به أسامة هو مجهود فردي غير مدعوم من أي جهة.
أما الآن، وقد تم طمس جرافيتي التحرير، فإننى أدعوا الدولة إلى دعم كل من وثق جرافيتي التحرير.. أسامة بشرى وكل أقرانه من فناني التصوير الفوتوغرافي. أدعو وزارة الثقافة إلى دعم معرض أسامة بشرى القادم في نوفمبر حول جرافيتي التحرير. أدعو هيئة التنشيط السياحى لاستخدامها في تنشيط السياحة إلى مصر الثورة التي احترمها العالم وأراد دعمها. أدعو كل الشركات الكبرى إلى دعم سفر معرض جرافيتي محمد محمود ليجوب العالم حاملاً فنا مصريا جديداً يفتح بابا لفصل جديد في تاريخ الفن المصري العريق.
الآن وقد فقدنا أصل جرافيتى التحرير، أدعوكم لدعم كل من استطاع أن يوثق هذا الجزء من تاريخ مصر بعدسة كاميراته. فلدينا هنا الآن فريق من أبناء الفراعنة الذين آمنوا بمصر وفنها يحاول أن يحفظها و تاريخها.. إنهم الفنان أسامة بشرى ورفاقه.