القارىء محمد فاروق يكتب : صنع فى مصر

آخر تحديث: الأحد 30 أكتوبر 2011 - 1:34 م بتوقيت القاهرة

كم اشتقت أن أرى هذه الكلمة مكتوبة ومطبوعة على كل صغيرة وكبيرة داخل مصر , كم اشتقت أن أتباهى بين مصنعي العالم بمنتجاتي وهى تناطح بل وتفوق كل منتجات الدول , وأقول لهم بكل اعتزاز وفخر لقد صنعت في بلادي مصر .

 

.. تعودنا في العقود الماضية إننا عندما نذهب لشراء أي شيء صغير أو كبير أن أول شيء ننظر إليه هو جهة الصنع فإن كان يابانيا أو أمريكيا أو ألمانيا فإننا نشتريه على الفور مهما كان ثمنه وكأننا نشترى دولة لا منتج وذلك لثقتنا العمياء في كل ما هو أجنبي منتهجين المقولة الشهيرة " الشيخ البعيد سره باتع " .

 

.. وفى السنوات الأخيرة تغيرت هذه النظرة وأصبح أول ما يلفت نظرنا عند الشراء هو سعر المنتج , وبناءا على هذه النظرة ظهرت دول أخرى غير السابقة وأبرزها واشهرها الصين والتي قد غمرت السوق المصري بوابل من مختلف البضائع الزهيدة الثمن , الأساسية وغير الأساسية , النافعة والضارة , والكبيرة والصغيرة , حتى أننا وصلنا إلى الحد الذي سخر البعض وقال : أن الصين ستصدر لنا زوجات صيني بسعر زهيد وستحل مشكلة زواج الشباب في مصر , وبالفعل ستحل مشكلة الزواج للشباب المصري , ولكنها ستتسبب في تضخم مشكلة أخرى وهى زيادة نسبة العنوسه للفتيات المصريات , ولكن شر البلية ما يضحك .

 

.. لاحظنا تغير نظرتنا  الشرائية في السنوات الماضية , ما بين شراء منتج في صورة دولة نثق فيها , وما بين شراء ثمن زهيد , وهذا وذاك بغض النظر عن المنتج نفسه .

 

.. ولكننا لم تتغير نظرتنا ولو بالصدفة إلى المنتج الأهم وهو المنتج المصري , بالرغم من أننا دائماً وأبداَ ننتهج أمثالنا الشعبية كمنهج للكثير من أمور حياتنا إلا إننا في هذا الأمر تناسينا المثل القائل " جحا أولى بلحم ثورة " .

 

.. ما أحوجنا الآن إلى تطبيق هذا المثل أكثر من أي وقت مضى , فاقتصادنا المصري الوطني كان يعانى وينازع المرض , ولكنه الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة .

 

.. ماذا ينقصنا لتغير نظرتنا وإنقاذ اقتصادنا المصري من الموت , من خلال السرد السابق لثقافة الشراء المصرية نستطيع أن نقول أننا نحتاج إلى منتج جيد نثق فيه وبثمن زهيد أو بالآحرى بأسعار مختلفة متدرجة تناسب جميع الطبقات , إذن فماذا نفعل من أجل تحقيق تلك المعادلة ؟

 

لتحقيق هذا المعادلة يجب علينا السير في اتجاهين بالتوازي وفى النهاية يكمل كلا منهما الآخر ويلتقيا لكي نصل إلى النتائج وهما : -

 

أولا : الاتجاه الاقتصادي , بتوفير الأيدي العاملة الفنية المدربة بشكل جيد وراقي على التصنيع , توفير المواد الخام اللازمة لكافة أنواع الصناعات والمنتجات بسعر زهيد , تقديم تسهيلات " مادية – ورقيه "  حكومية لصغار المصنعين والمنتجين بدلا من اقتصارها على كبار المنتجين والمصنعين , التشجيع المستمر والدائم لمشاريع الشباب الصغيرة والمنتجة , ويبقى ترجمة كل هذا على ارض الواقع ولا يكون مجرد إحصائيات على الورق تقدم من قبل الوزارات المعنية للحكومة كما كان يحدث من قبل .

 

ثانيا: الاتجاه البشرى ( الإنساني ) , وهو أن نثق كشعب في منتجاتنا الوطنية ولتكن هذه الثقة جزءا من وطنيتنا مترجم بشكل ايجابي وعملي بدلا من الأغاني , ولنعلم أن ثقتنا فيما تصنعه أيدينا سيزيد من قيمتها في نفوس الآخرين , تغيير ثقافتنا الوظيفية والمتمثلة في العمل المكتبي وانتظاره إلى ثقافة العمل من أجل العمل لا من أجل الراحة والمظهر العام , ويبقى الشيء الأخير والأهم آلا وهو الضمير البشرى فيجب علينا آلا نفلس أنفسنا بأيدينا ولا يغالي كل منتج أو بائع في ثمن بضاعة ويكتفي بهامش ربح مقنع طالما قد توفرت له كل العوامل السابقة فما الداعي للمغالاة , وآلا نستغل بعضنا البعض فهي دائرة تدور على الجميع .

 

.. وللحق أقول أن هذه معادلة سهلة وليست معقدة وجميع معطياتها متوفرة في مصر ليس من الآن وإنما من قبل ولكن كان هناك من لا يريد أن يصل بنا إلى النتائج , وها قد زالت الآن العقبات والمعوقات , ولكن بقى شيء واحداً فقط كي نحققها ونصل لنتائجها وأرى ونرى ما اشتقنا إليه جميعا وهو كلمة " صنع في مصر" تنير وتغزو كل أسواق العالم , ألا وهو أن نتغير نحن بعد زوال العقبات والمعوقات , وسأذكركم ونفسي بقول المولى عز وجل { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } صدق الله العظيم ...  سورة التوبة - الآية 105

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved