عودة ترامب.. تحديات ومخاوف! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 9:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة ترامب.. تحديات ومخاوف!

نشر فى : الأحد 10 نوفمبر 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الأحد 10 نوفمبر 2024 - 7:05 م

يكاد العالم أن يكون اختلف تمامًا عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض فى انتخابات (2020).
بمجرد انتخابه مجددًا طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير فى سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران فى أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يصعب التعويل على تعهداته الانتخابية بإنهاء تلك الحروب والتخلص بأسرع وقت من إرث سلفه جو بايدن. يقال عادة: «ترامب هو ترامب». فى لحظة إعلان انتصاره استعار من منافسته «كامالا هاريس» دعوتها إلى طى صفحة الصراعات الداخلية، التى تسببت فيها سياساته وهددت الديمقراطية فى صميم معناها وأدوارها.
فى نشوة النصر استشعر بأن حقًا استلب منه بالتزوير الفادح فى الانتخابات السابقة عاد إليه دون أن يكون لديه دليل واحد أو شبه دليل.
هل يمكن أن تختلف سياساته فى إدارة الدولة من الشقاق إلى الوحدة أم أننا فى انتظار انفجارات أخرى ومشاحنات جديدة تضع المشهد الداخلى الأمريكى على حافة الخطر الداهم؟
هذا تحد أول يستدعى القلق المكتوم أو بعض الوقت حتى تستبين سياساته ومواقفه عندما يدخل البيت الأبيض فى (20) يناير (2025)، حسبما تقضى الترتيبات المستقرة فى نقل السلطة. الملح والضاغط الآن الطريقة التى سوف يتصرف بها فى الملفات الدولية المشتعلة.
لم تكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية فى الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الناتو ومستقبل الأمن فى القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.
دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها فى ضمان أمنها. لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجددًا، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التى تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون. دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازى مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين دون أخذ المخاوف الأوروبية فى الاعتبار.
فى تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إلى «السلام من خلال القوة». كان ذلك تعبيرًا ملتبسًا يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكريًا وسياسيًا على المسرح الأوكرانى. بوقت واحد تبنى خيار بايدن فى استخدام قوة حلف الناتو بمواجهة روسيا دون أن يعارض خيار ترامب، لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكرى عجزه عن تحقيق أهدافه.
لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التى تعتريهم إثر صعود ترامب مجددًا. المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثًا، رغم تأييده الضمنى لصعود ترامب. بتعبير وزير خارجيته أندريه لافروف: «سوف ننظر فى أفعاله لا أقواله».
الحرب الأوكرانية تحد جوهرى يتعلق به مستقبل النظام الدولى، الذى أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة فى أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.
كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته هاريس الانتخابات الرئاسية. لم تبدِ شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسى للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية فى غزة. باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب فى غزة، لكنها فشلت فى اتخاذ مسافة عن بايدن الذى فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكى فى دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار فى الأسواق.
استثمر ترامب فى فشل بايدن، ونجح فى الفوز بأريحية لم تكن متوقعة. كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبى، الذى استدعى احتجاجات واسعة نشأت فى زخمها حركة حياة السود مهمة. كما نجح فى اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهورى أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.
كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربى والإسلامى بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابى ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها فى الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابى، الذى أطلقه بولاية ميتشجان المتأرجحة، بإنهاء حربى غزة ولبنان.
كان ذلك تحليقا فى فراغ الأهواء. بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية فى تاريخ الدولة العبرية الأكثر ابتهاجًا بفوزه. حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعنى إعادة القوة للتحالف الأمريكى الإسرائيلى، كأنه كان مهتزًا على عهد بايدن، الذى وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتى وغطاء سياسى منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية. وحسب وزير الأمن القومى المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق النصر المطلق دون أن يكون لديه أى تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسرى للفلسطينيين.
الحرب فى لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة.
هذا استنتاج مرجح فيما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضى باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازًا يحسب للرئيس العائد.
فى كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، فى لبنان وفلسطين. القضية الفلسطينية تستعصى على الإلغاء، إلى حد نفى مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسى والمعنوى لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة فى غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطنى بالمقام الأول والأخير.
يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى. ولا هو سهل ومتاح العودة إلى صفقة القرن بصورة أو أخرى بالتوازى مع الضغط الهائل على دول رئيسية فى الإقليم كالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أى مقابل سياسى.
إننا بقرب ابتزاز سياسى ومالى جديد تعترضه الحقائق الفلسطينية، التى ثبت دومًا أنه يستحيل تجاوزها.