أثار انضمام قائد قوات "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة السودانية أبوعاقلة كيكل إلى الجيش السوداني جدلاً واسعاً، لا يزال مستمراً حتى اللحظة، بسبب الملابسات التي اكتنفت هذا الانشقاق.
فمن هو كيكل؟ وماهي ملابسات انضمامه للجيش؟ وماهي التأثيرات المحتملة لذلك على الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، خاصة في ولاية الجزيرة، التي تسيطر عليها هذه القوات؟
من هو كيكل؟
بات أبو عاقلة محمد أحمد كيكل معروفاً للسودانيين منذ عام 2002. فقد ظهر وقتذاك وهو يرتدي زي الجيش السوداني، ويضع رتبة اللواء على كتفيه خلال عرض عسكري، في منطقة البطانة بشرق ولاية الجزيرة، التي ينحدر منها، وشكل، مع ضباط آخرين، ما عُرِف بقوات "درع السودان"، والتي تهدف إلى القضاء على التهميش السياسي والعسكري الذي يعاني منه وسط السودان، بحسب بيان أصدره هؤلاء الضباط وقتها.
وقبلها، وخلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، عمل كيكل ضابطاً برتبة صغيرة في الجيش السوداني، لفترة ليست بالطويلة، بحسب مقربين منه.
وعندما اندلعت الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في أبريل من العام الماضي، ظهر كيكل مرة أخرى، وهو يرتدي زي قوات "الدعم السريع"، محاطاً بعشرات الجنود، وهو يعلن انضمامه لتلك القوات، التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" من أجل "محاربة الإسلاميين والانحياز للمهمشين"، كما قال في تسجيل مصور شهير.
وقاد كيكل القوات التي تمكنت من السيطرة على ولاية الجزيرة وكل المناطق الاستراتيجية فيها، وبعدها أصدر "حميدتي" قرارا بتعيينه والياً للولاية، وقائداً أعلى للمنطقة بأسرها.
وكان لافتاً أن يتم تعيين كيكل في هذا المنصب المهم، ومنحه تلك الرتبة العسكرية الرفيعة، باعتبار أن معظم القادة الكبار في قوات "الدعم السريع"، ينحدرون من إقليم دارفور غربي البلاد، بينما ينحدر كيكل من ولاية الجزيرة بوسط السودان.
وأصبح كيكل بعدها أهم شخصية عسكرية تابعة لقوات "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة، وصاحب نفوذ واسع وكبير.
في مطلع شهر أكتوبر، وقبل انشقاقه عن "الدعم السريع" وانضمامه للجيش، ظهر كيكل في فيديو مصور، وهو وسط مجموعة من قادة وجنود "الدعم" في ولاية الجزيرة.
وأعلن وقتها عزمه قيادة فرقة عسكرية للهجوم على مواقع للجيش، بعد وصول دعم عسكري كبير من قبل "الدعم السريع"، وهو الهجوم الذي قال إنه سيشنه استجابة لنداءات "حميدتي"، بمهاجمة من وُصِفوا بـ "الفلول"، في إشارة إلى أنصار نظام البشير.
"مفاوضات طويلة وشاقة"
بعد ذلك الفيديو، اختفى كيكل عن الأنظار، وعاد للمشهد بعد أيام، برفقة ضابط من الجيش السوداني برتبة عميد وعدد من الجنود، وهم تحت أحد الاشجار في منطقة "رفاعة"، معلناً الانضمام إلى الجيش قائلاً: "الحصة وطن".
وكشف مقربون منه، تحدثوا لـ "بي بي سي"، عن أن انضمام كيكل للجيش جاء بعد وساطات ومفاوضات طويلة وشاقة.
وقال أحد المشاركين في عملية التفاوض، بعد أن اشترط عدم ذكر اسمه، إن "الوساطة كانت طويلة استمرت لأكثر من شهرين، وشاقة جداً بسبب التعقيدات الأمنية".
وأوضح يقول "في البداية اشترط كيكل، بأن يتم العفو عنه بمكتوب رسمي، ومنحه رتبة عسكرية عليا في الجيش، فضلاً عن منصب تنفيذي بعد توقف الحرب".
وأضاف "وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بعد رفض الجيش للشروط، وإصرار كيكل عليها، ولكن بعد تدخل قادة قبليين من أهله تم سد الفجوات، والتوصل إلى الاتفاق".
ولم تكد تمر ساعات على إعلان كيكل انضمامه للجيش السوداني، حتى رحب الجيش رسمياً بهذه الخطوة التي وصفها بالشجاعة.
وقال إن أبوابه ستظل "مشرعة لكل من ينحاز إلى صف الوطن، ويسلم نفسه لأقرب وحدة عسكرية".
أما قوات "الدعم السريع" فسارعت إلى إصدار بيان، أكدت فيه أنها رصدت تحركات وصفتها بـ "المريبة" لكيكل، بعد أن أخفى نفسه برفقة أفراد من أسرته.
وقالت إنها رصدت تحركاته مع بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني الذي كان يقوده البشير، وإنه سلم نفسه عبر "صفقة ومساومة".
ويصف الخبير العسكري اللواء متقاعد إسماعيل مجذوب عملية انضمام كيكل للجيش، بأنها عملية استخباراتية ناجحة. لكنه انتقد خلال حديثه لـ "بي بي سي"، التغطية الإعلامية التي يقول إنها أضرت بعملية الاستسلام، مشيراً إلى أنه "كان من الأفضل أن تتم العملية بسرية ودون ضوضاء، لأن الإعلان عنها أثر سلباً عليها، خاصة بعد أن رافقها جدل متعلق بالعفو عنه، أو معاقبته على الجرائم التي ارتكبتها قواته في ولاية الجزيرة".
وأضاف مجذوب أن هناك "تأثيرات جيدة ستكون لصالح الجيش باعتبار أن هذه الخطوة ستفتح الباب لقادة آخرين من الدعم السريع للانضمام إلى الجيش، والأمر المهم أن كيكل هو مخزن للأسرار الاستخباراتية، التي يمكن للجيش أن يستفيد منها خلال تخطيطه للمعارك العسكرية".
غير أنه لم يكد يمر يومان على انشقاق كيكل عن "الدعم السريع"، حتى أعلنت هذه القوات سيطرتها على منطقة تمبول في شرق ولاية الجزيرة، وهي المنطقة التي ينحدر منها كيكل، بعد معارك وصفت بالطاحنة مع الجيش السوداني.
وقالت في بيان إنها تصدت لهجوم من قوات كبيرة تابعة للجيش، "وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري"، مشيرة إلى أنها قتلت عشرات العناصر، من بينهم قائد المنطقة العسكرية، وهو ضابط برتبة عميد.
ونشرت قوات "الدعم السريع" مقاطع فيديو تظهر من قالت إنهم جنود أسرتهم خلال المعارك، بالإضافة إلى عتاد عسكري.
ولم يصدر أي تعليق من الجيش بشأن الهجوم على تمبول، حتى كتابة هذا التقرير.
ويرى الخبير العسكري والأمني عبد الله أبو قرون، أن خطوة انضمام كيكل للجيش السوداني، لن تؤثر على سير العمليات العسكرية لصالح قوات الجيش.
ويقول أبو قرون لـ "بي بي سي" إن كيكل لم ينشق بقوة كبيرة وعتاد عسكري كبير، مشيراً إلى أنه سلم "نفسه للجيش برفقة عدد قليل من الجنود وسيارات الدفع الرباعي العسكرية.. وهذا لا يمثل فارقاً في الميدان.. بدليل أن قوات الدعم السريع تمكنت من السيطرة على تمبول، ومناطق واسعة في شرق الجزيرة بعد استسلام كيكل".
"عمليات انتقام"
وأشارت العديد من إفادات شهود العيان، والجماعات الحقوقية والإنسانية ومن بينها "لجان المقاومة" في منطقة الاشتباكات، بأن قوات "الدعم السريع" ارتكبت ما وُصِفَ بـ "انتهاكات واسعة بحق المدنيين من بينها القتل والنهب والحرق".
وأوضحت هذه الإفادات، أن عناصر تلك القوات يقومون بعمليات وُصِفَت بـ "الانتقامية"، ضد السكان بعد خروجهم واحتفالهم بانشقاق كيكل عن "الدعم السريع" وانضمامه إلى الجيش.
ولم ترد قوات "الدعم السريع" على هذه الاتهامات على الفور، لكن قادتها طالما قالوا إن من يصفونهم بـ "المتفلتين" هم من يرتكبون مثل هذه الانتهاكات، وليس عناصرهم.
وتعد مناطق تمبول ورفاعة والبطانة بشرق ولاية الجزيرة، من المناطق الزراعية والرعوية. ويعمل سكان هذه المناطق بالتجارة، وهي ذات موقع استراتيجي، حيث تربط وسط السودان بشرقه في منطقتي كسلا والقضارف.