فلسطيني يروي معاناته خلال عودته لشمال قطاع غزة: كل ما نملكه دُفن تحت الركام

آخر تحديث: السبت 1 فبراير 2025 - 5:18 م بتوقيت القاهرة

منار عبدالسلام

"ذكرياتي أصبحت مؤلمة.. كلها دفنت وتحطمت تحت الركام".. هكذا بدأ ملاك طنطش، من بيت لاهيا بشمال قطاع غزة، كلامه خلال تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، ليروي لنا معاناته التي يعيشها هو وكل الفلسطينيين النازحيين لشمال القطاع الآن، قائلا: عندما علمنا بوقف إطلاق النار، كانت هناك لحظة ارتياح لأننا نجونا من الموت، على الرغم من أننا لا نزال نشعر بالحزن والألم لكل شيء فقدناه.

 

وقال طنطش: نحن نعلم أننا لا زال أمامنا المزيد من المعارك، في حرب المعاناة اليومية والكفاح من أجل الحصول الماء، ورغيف الخبز، وحرب ضد الذكريات المؤلمة الراكزة في عقولنا وأنفسنا وقلوبنا، ورغم ذلك استيقظت مفعمًا بالطاقة والإثارة، يوم الأحد الماضي، وهو اليوم الذي قيل لنا فيه إننا قد نبدأ بالعودة إلى شمال غزة.

كنت أعلم أن الرحلة ستكون مرهقة، حيث أسير مسافات طويلة على طرقات مدمرة مزدحمة بالنازحين، لكنني كنت متلهفاً للعودة إلى منزلي، كنت أتابع الأخبار دقيقة بدقيقة، في انتظار إعلان فتح المعبر، وبدلا من ذلك، حصلنا على أخبار مفادها بأن ذلك لن يحدث.

ذهبت إلى الفراش في ذلك اليوم وأنا أفكر في جميع الأشخاص الذين ذهبوا إلى نقطة التفتيش في وقت مبكر من ليلة السبت حتى يكونوا أول من يعود، لقد باع العديد منهم خيامهم لتغطية تكاليف رحلة العودة، كنت أفكرفي كل من أصبح ليس لديهم مأوى في تلك الليلة، وناموا في البرد القارس، منتظرين بفارغ الصبر الصباح التالي، على أمل ألا تتحطم أحلامهم مرة أخرى.

 

وأكمل ملاك روايته، "عندما جاء يوم الاثنين الذي فُتح فيه الطريق، ارتدينا ملابسنا وحزمنا حقائبنا وتوجهنا إلى أقرب نقطة تفتيش نستطيع الوصول إليها، عندما اقتربنا سيرًا على الأقدام، انضمينا إلى حشد كبير جدًا بدا وكأنه نهر لا نهاية له من البشر، إذا نظرت إلى الوراء أو إلى الأمام، يمكنك أن ترى فقط نفس السيل من الناس يتجهون نحو الشمال، كنا نسير لمدة 11 ساعة، لمسافة 15 كيلومترًا".

كان الجميع متعبين كثيرا، ومثقلين بالممتلكات القليلة التي أنقذوها من الحرب الشرسة التي عانين منها لـ15 شهرا، لكن شغف العودة دفعهم إلى الأمام، كان شوقنا لرؤية بيوتنا، حتى لو دمرت، أقوى من إرهاقنا، ويبقي أرجلنا المتعبة تتحرك.

ويصف ملاك المشهد وكأن سحب الغبار التي تراكمت بسبب الحشود المارة وقد غطت وجوهنا، واستقرت على كل خصلة من شعري، وحولت رموش عيني من الأسود إلى الرمادي، بدا الأمر هزليًا تقريبًا، لكن كان هناك الكثير من المشاهد المفجعة حولي "دمار وبيوت وطرق مدمرة وجثث وهياكل عظمية".

ورغم كل ذلك ظل الشاطئ نظيفًا وجميلًا، لذا أخذنا فترات راحة بين الحين والآخر، وفي وقت متأخر من بعد الظهر، تناولنا الخيار وخبز الجبن التي كانت والدتنا قد حزمتها، بينما نفدت مياهنا في وقت سابق، حسب قوله.

وبعد الانتهاء من الوجبة، واصلنا رحلتنا، ووصلنا أخيرًا إلى مدينة غزة، حيث تجمعت حشود كبيرة من الناس لانتظار أحبائهم.


كانت الشمس تغرب، ورغم ما حل بالمدينة من دمار إلا لقد كانت جميلة بشكل غريب، حيث حولت الشمس البيوت المحرقة والمهدومة إلى مباني باللون البرتقالي فقد حولت غزة إلى قطعة فنية لا يقدرها إلا من عاش هناك.

وتابع، كنا نأمل أن نجد سيارة تقودنا إلى الجزء الأخير من الرحلة، لكن الشوارع القليلة كانت ممتلئة بالفعل، أو كان السائقون ينتظرون عائلاتهم.

لذلك واصلنا السير عبر حي الرمال في غزة، الذي كان في السابق منطقة فاخرة لأغنياء المدينة، أما الآن فقد تحولت إلى مدينة أشباح، حيث يتجول في شوارعها جيش من النازحين الذين أصبحوا رماديين اللون بسبب الغبار.

وفي صمت مرهق واصلنا البحث عن سيارة، لكنه كان بحثًا ميؤوسًا منه، والشخص الوحيد الذي توقف طلب 30 ضعف الأجرة المعتادة، أكثر مما نستطيع تحمله، لذلك واصلنا المشي.

والآن وصلنا إلى مدينتنا، بيت لاهيا، في أقصى الشمال، عندما حل الليل بالفعل كانت قدماي وأكتافي تؤلماني، وفي الظلام رأيت لمحات من الدمار في كل مكان، توجهنا مباشرة إلى منزل جدي لأمي، الذي كان لا يزال قائما، على الرغم من تعرضه للأضرار وتغطيته بالغبار وكتابات جنود الاحتلال، وكانت صناديق الذخيرة والرصاص فارغة في كل مكان، كنا نراقب خطواتنا عندما نتحرك، لأن القنابل غير المنفجرة منتشرة في كل مكان.

عندما استيقظنا في اليوم التالي، أخذنا ننظر إلى حجم الدمار الهائل، كنا نبحث بين أنقاض منازلنا عن ملابس أو صور أو قصاصات أخرى من ذكريات حياتهم قبل الحرب، وعن الأدوات والأواني التي ربما لا تزال صالحة للاستخدام.

التقيت بأصدقاء وجيران لم أرهم منذ بداية الحرب، في كل مكان كانت هناك عائلات تتعانق، والأحضان والقبلات في اللقاءات التي طال انتظارها، ثم قررنا زيارة منزلنا للمرة الأولى منذ بدء الحرب، لقد نشأت في هذه المنطقة ولكنها كانت مدمرة للغاية، حيث قصفت المباني والشوارع والحدائق وهدمت، ولم يعد بإمكاننا العثور على طريقنا إلى المنزل، كنا نتجول تائهين ومرتبكين، عندما ظهر أحد جيراننا وأرشدنا.

ويصف ملاك المشهد بأن كل ما بقي قائمًا هو جذوع شجرة جوز، وبعض أشجار الزيتون التي كانت موجودة في ساحتنا، عندما رأيتهم هناك، محاطين بالركام فقط، شعرت وكأنني طعنت في قلبي.

كان منزلنا عبارة عن مبنى مكون من 3 طوابق، وقد انهارت المستويات فوق بعضها البعض، تجولت حول الأنقاض وفوقها لأرى ما إذا كان هناك طريقة للدخول لاستعادة أي شيء من حياتنا، كان الأمر خطيرًا لكن ذكرياتنا تستحق ذلك، لكني لم أتمكن من العثور على أي شيء فلم ينج شيء.. ذكرياتي وذكريات عائلتي وكل ما نملكه دُفن تحت الركام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved