تراث مصري (١).. الطب الشعبي في مصر
آخر تحديث: السبت 1 مارس 2025 - 2:58 م بتوقيت القاهرة
إعداد - عبدالله قدري
تنشر جريدة الشروق في شهر رمضان، سلسلة تراث مصري المستمدة من كتاب موسوعة تراث مصري للباحث أيمن عثمان، وفي هذه الحلقة نستعرض حلقة من حلقات الكتاب بعنوان "جراح باشا".
وأشار الباحث أيمن عثمان، إلى أن الطب الشعبي جزء أصيل من التراث المصري، حيث يعتمد على ممارسات ومعتقدات متوارثة تهدف إلى علاج الأمراض، وتخفيف الآلام دون الحاجة إلى الأدوية الحديثة أو التدخلات الطبية المتقدمة.
ونشأ هذا النمط العلاجي نتيجة؛ لتوارث الخبرات والتجارب التي تناقلتها الأجيال، فكان الناس يعتمدون على وصفات وعلاجات مستمدة من البيئة المحيطة، مستخدمين الأعشاب والنباتات الطبية، إلى جانب أساليب علاجية غير تقليدية مثل الحرارة والضغط والتدليك والكي بالنار.
من بين العلاجات التي استخدمت في الطب الشعبي المصري، تلك الطريقة التي لجأت إليها إحدى الأمهات لعلاج طفلها من "التعنية"، وهو نوع من الألم الحاد في منطقة البطن.
وفقًا للباحث، سخنت الأم، قالبا من الطوب الأحمر داخل فرن بلدي، ثم لفّته بقطعة قماش سميكة وطلبت من ابنها الجلوس عليه لدقائق معدودة؛ لتنتقل حرارة الطوب إلى جسمه، معتقدة أن ذلك كفيل بإزالة الألم وتبخير التعنية من أسفل بطنه.. لم يكن هذا الأسلوب الوحيد المتبع في الطب الشعبي، فهناك طرق أخرى مثل وضع المنديل والمفتاح الكبير على الرأس لعلاج الصداع، والكي بالنار في منطقة الفخذ لعلاج العقم والعجز الجنسي، إلى جانب علاجات أخرى استخدمت لمواجهة أمراض وإصابات مختلفة.
- الطب الشعبي وانتشاره في مصر
بحسب الكتاب، انتشر الطب الشعبي على نطاق واسع في مصر، خاصة في الفترات التي شهدت تراجعًا في الممارسات الطبية الرسمية.
ومن أبرز هذه الفترات تلك التي أعقبت الغزو العثماني لمصر عام 1517م، حيث تدهورت أوضاع الطب؛ بسبب إغلاق المدارس والمعاهد العلمية، وتوقف تدريس العلوم الطبية، وغياب الرعاية الصحية المنظمة.
ووصف المؤرخ علي مبارك، هذا التراجع في كتابه "الخطط التوفيقية"، مشيرًا إلى أن المدارس التي كانت تدرّس العلوم المختلفة، بما فيها الطب، أُهملت تدريجيًا حتى توقفت عن العمل تمامًا؛ مما أدى إلى اندثار كثير من المعارف الطبية التي كانت مزدهرة في العصور السابقة.
لم يكن علي مبارك وحده من وثّق هذا، فقد أشار الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي عاصر فترة محمد علي باشا وأشرف على تطوير النظام الصحي في مصر، إلى أن الغزو العثماني أدى إلى إغلاق المدارس وإهمال المصنفات الطبية، مما دفع المصريين إلى الاعتماد على الوسائل التقليدية لعلاج الأمراض. ومع انعدام الرعاية الصحية المنظمة، أصبح الطب الشعبي الحل الأساسي المتاح لعامة الناس، واستمر تأثيره حتى العصر الحديث، رغم التطور الهائل في المجال الطبي.
وكان الجراحون والحجامون، يمارسون مهنة الطب تحت رئاسة شيح حرفة يطلق عليه جراح باشا، ولم يتعلموا في مدارس أو يقرأوا كتب، ولم يزاولوا المهنة بأدبياتها المتعارف عليه.