الذكرى السبعون.. كيف تجسدت وحدة الشعب الجزائري في ثورته ضد الاستعمار؟
آخر تحديث: الجمعة 1 نوفمبر 2024 - 2:21 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
تحل اليوم الذكرى السبعون لاندلاع الثورة الجزائرية، حيث انتفض الشعب الجزائري في مطلع نوفمبر عام 1954، موجهاً مشاعل الغضب ضد الاستعمار الفرنسي مطالبا بحقه في الاستقلال.
وساندت مصر الثورة الجزائرية منذ انطلاقها، مقدمة الدعم السياسي والعسكري والإعلامي من خلال إذاعة صوت العرب عام 1962، تأكيدًا على التزامها بقضايا التحرر العربي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
كما فتحت أبوابها لزعماء الثورة الجزائرية، وعلى رأسهم أحمد بن بلة، الذي نُقل إلى القاهرة لتأسيس مكتب للثورة وتنسيق الجهود الدبلوماسية. مثل استقبال مصر لبن بلة وزملائه دعماً معنوياً وسياسياً كبيراً، حيث وفرت لهم مصر مقرًا آمناً لإدارة شؤون الثورة وتنظيم اللقاءات الصحفية والإعلامية لشرح أهدافها وإيصال رسائلها للعالم.
وبعد كفاح متواصل دام نحو 8 سنوات، توصلت جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية إلى اتفاقيات إيفيان، التي أقرت بحق الجزائريين في الاستقلال، منهيةً بذلك أكثر من 130 عامًا من الاستعمار الفرنسي.
- هجمات الفاتح
في الأول من نوفمبر 1954، أطلقت جبهة التحرير الوطني الجزائرية شرارة الثورة عبر سلسلة هجمات مسلحة منظمة استهدفت المواقع الاستعمارية الفرنسية، معلنةً بذلك بداية كفاح طويل دام ثماني سنوات حتى تحقيق الاستقلال.
ووفقًا للمؤرخ ياسف سعدي في كتابه "الثورة الجزائرية في عامها الأول"، جاءت هذه الهجمات كخطوة حاسمة استهدفت مواقع الشرطة ومحطات الاتصالات والمراكز العسكرية الفرنسية في عدة مناطق بالجزائر، أبرزها العاصمة الجزائر ومنطقة الأوراس ومدينة البليدة.
وقد جرى اختيار توقيت الهجمات بدقة لتتزامن مع يوم عطلة فرنسية، بهدف إحداث تأثير أكبر ومباغتة السلطات الاستعمارية التي لم تكن تتوقع حركة بهذا النطاق الواسع.
كانت الخطة تهدف إلى توصيل رسالة واضحة بأن الشعب الجزائري، الذي عاش سنوات طويلة من القمع، قد قرر أخيراً اللجوء للعمل المسلح لاستعادة حقه في تقرير مصيره. وقد صاحب الهجمات توزيع بيان "أول نوفمبر" الذي أبرز مطالب الجزائريين، وعلى رأسها الاستقلال الكامل.
ويصف سعدي في كتابه كيف أن الهجمات أثرت على السلطات الفرنسية وأربكت حساباتها، ما أدى إلى زعزعة ثقتها وقدرتها على السيطرة على الوضع، وساهمت في رفع معنويات الجزائريين، حيث انضم العديد منهم إلى صفوف المقاومة بعد أن أصبحت الثورة واقعًا حقيقيًا.
ويوضح سعدي أن العمليات حملت بُعدين؛ رمزي وتكتيكي في آنٍ واحد، إذ ألحقت خسائر في صفوف القوات الفرنسية وأحدثت اضطرابًا عميقًا.
- معركة جبل الأوراس
شهدت جبال الأوراس في الجزائر واحدة من أبرز معارك الثورة الجزائرية عام 1955، حيث كانت مركزًا للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. بفضل التضاريس الوعرة والروح الوطنية، تحولت المنطقة إلى ساحة مواجهة صعبة أمام الجيش الفرنسي، حيث اعتمد الثوار تكتيكات قتالية مبتكرة في جبال الأوراس.
قوبلت المقاومة بقصف جوي ومدفعي مكثف من الفرنسيين، الذين واجهوا تحديات كبيرة بسبب الطبيعة الجغرافية المعقدة والمعرفة المحلية للثوار. هذه المعركة، التي استمرت لأيام، لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل رمزًا للإرادة والعزيمة، إذ حفزت الجزائريين على المشاركة في النضال وأعطتهم زخمًا للثورة، وفقًا لما ورد في كتاب "تاريخ الثورة الجزائرية" للمؤرخ محمد حربي.
- الإضراب العام
شهدت الثورة الجزائرية إضرابًا شعبيًا واسعًا في يناير 1957، نظمته جبهة التحرير الوطني كجزء من استراتيجية المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. استمر الإضراب لثمانية أيام وشارك فيه آلاف الجزائريين في المدن والقرى، حيث توقفوا عن العمل وتعطلت الأنشطة التجارية والمرافق العامة.
هدف الإضراب إلى إبراز وحدة الصف الوطني وإبراز الدعم الشعبي للثورة، إضافة إلى لفت أنظار المجتمع الدولي إلى القضية الجزائرية. أثار الإضراب قلق السلطات الفرنسية، التي حاولت كسره بالقوة عبر الاعتقالات والضغط على المضربين للعودة إلى العمل، ولكن رغم القمع، بقي الإضراب صامدًا وأثبت مدى التزام الشعب الجزائري بكفاحه من أجل الحرية والاستقلال.
- قصف ساقية سيدي يوسف
في صباح 8 فبراير 1958، اهتزت قرية ساقية سيدي يوسف الصغيرة، الواقعة على الحدود الجزائرية-التونسية، على وقع غارات وحشية شنتها الطائرات الفرنسية في واحدة من أبشع الجرائم التي نفذها الاستعمار.
كانت القرية تعج بالأطفال والعائلات التي لجأت إليها هربًا من جحيم الحرب، إلا أن المقاتلات الفرنسية استهدفت بشكل مباشر السوق، والمباني السكنية، وحتى سيارات الإسعاف والصليب الأحمر، لتحيل المكان إلى بحر من الدماء والأنقاض.
وأسفر القصف عن استشهاد نحو 79 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات، في مشهد هز الضمير العالمي.
كانت فرنسا تهدف من وراء هذه العملية إلى ضرب خطوط إمداد جبهة التحرير الوطني الجزائرية، لكنها انتهكت بوحشية كل المعايير الإنسانية، إذ لم تميز بين المدنيين والثوار، وجعلت من قرية مسالمة ساحة لمجزرة لن تنسى، وفقًا لكتاب "حرب الجزائر" للكاتب الفرنسي ألفريد جروس.