كاتبة بريطانية: حياة الفلسطينيين أصبحت رخيصة بالحق المطلق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة إجرامية

آخر تحديث: الأحد 2 فبراير 2025 - 10:58 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

في يناير الماضي، أُعلن عن الاتفاق الذي وُصف بأنه "الأصعب" للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، بعد مفاوضات استمرت لأكثر من 15 شهرا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وعشرات الجلسات بين القاهرة والدوحة لمحاولة عديدة لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكلل بالنجاح إلا مؤخرا.

وتزامنا مع ذلك، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقال مؤثر لكاتبة بريطانية تدعى نسرين مالك، وهي كاتبة عمود بالصحيفة، عن أطفال غزة، لقى ردود فعل واسعة بالمجتمع البريطاني.

وقالت مالك: بعد صراع طويل، يعود الفلسطينيون في غزة إلى منازلهم، التي تحولت الآن في الغالب إلى أنقاض - وإلى موتاهم الذين ما زالوا يرقدون تحتها، متابعة: والآن فقط سنبدأ في الحصول على صورة أكثر اكتمالاً للخسائر الحقيقية لهذه الحرب، والآن فقط يمكن لأي نوع من الحزن أو الحداد أن يبدأ، وهي العملية التي حُرم منها الفلسطينيون جسديًا وعاطفيًا طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية.

وأكدت مالك في مقالها، الذي جاء بعنوان: "وداعًا لأطفال غزة المفقودين. لقد كنتم محبوبين، ولم تستحقوا ذلك"، أنه بمجرد أن تتضح الحصيلة النهائية للضحايا في غرة، ما سيظهر على الأرجح هو حصيلة ضحايا هائلة من الأطفال.

وأضافت: بالفعل، تشير المؤشرات إلى أن الأطفال هم الذين شكلوا غالبية الضحايا، حيث أكد تحليل الأمم المتحدة للضحايا الذين تم التحقق منهم خلال فترة خمسة أشهر أن 44% منهم كانوا أطفالًا، وفي أغلب الأحيان، كان هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم بين خمس إلى تسع سنوات، وأن 80% من هؤلاء الضحايا استهدفوا في منازلهم.

وتابعت: أود أن أتوقف هنا للحظة، عند هذه الإحصائيات التي تبرز مآسي كبيرة، ففي كثير من الأحيان، كانت الخسائر في الأرواح خلال هذه الحرب تندرج في إطار صراع أوسع نطاقاً حول ما إذا كانت أعداد الضحايا صحيح، وما إذا كانت مبررة أو حتى ضرورية.

وأضافت: الآن، يعمل وقف إطلاق النار على تحويل أنظارنا بعيداً عن الموت إلى تحليل ما يمكن وما ينبغي أن يحدث بعد ذلك، فما زال الملايين في غزة ليسوا بعيدين بأي حال من الأحوال عن الخطر المميت، ومستقبلهم غير مؤكد وهم في حاجة إلى الحماية الآن، وتزامنا مع ذلك، هناك خطر التقليل من شأن ما حدث أو تطهيره، وما حدث هو أن الآلاف من الأبرياء ماتوا، ومن بينهم الآلاف من الأطفال.

وأردفت الكاتبة البريطانية: الرعب ليس فقط أنهم ماتوا، بل كيف ماتوا، في أقصى درجات الرعب، لقد مات الكثيرون في منازلهم، على الأرض المهتزة، وسط ضجيج القنابل وصراخها، ثم تم سحقهم أو خنقهم، ليتم انتشالهم وقد غطتهم الغبار الرمادي، أو تم جمعهم في أكياس بلاستيكية، ومات آخرون في أقصى درجات الألم، حيث أدى نقص التخدير والإمدادات الطبية إلى استسلام البعض للإصابة دون أي راحة، وهلك آخرون بعد بتر أطرافهم دون جرعة واحدة من مسكنات الألم.

وأضافت مالك: آلاف اللحظات من الذعر والألم التي أدت إلى وفاة كانت شبه مؤكدة، ولم يشهد معظم هذه اللحظات الأخيرة أي شخص عاش ليحكي القصة، ولم يتم الإبلاغ عنها، ولكن في حالة القليل منهم، مثل هند رجب البالغة من العمر خمس سنوات، هناك لمحة مؤلمة عن نوع الرعب الذي عانوه، لقد ماتت بين أقاربها الذين قتلوا أيضا، بمفردها بعد أن توسلت إلى خدمات الطوارئ عبر الهاتف لإنقاذها، وانقطع الخط بعد أصوات إطلاق النار.

وأردفت: لقد رأينا وسمعنا قصص عدد ضئيل من هؤلاء الأطفال، الأطفال الذين وجدوا متحللين في العناية المركزة، والأطفال الذين تجمدوا حتى الموت، والأطفال الذين رقدوا موتى على صينية فولاذية، وقد كتب آباؤهم أسماءهم بالحبر الأسود على أجسادهم حتى يمكن التعرف عليهم، كل وفاة من هذه الوفيات تشكل مأساة فريدة من نوعها، بين طفل حرم من مستقبله، ومن فرصة اكتشاف من هو، ومعرفة العالم، وأن يكون إنساناً، والآن ضاعفوا هذا الرقم بالآلاف.

وقالت مالك مخاطبة القراء البريطانيين: حاولوا أن تدركوا حجم ما سُمح بحدوثه، ليس من أجل التساهل المرضي، ولكن لأن تبرير ما حدث لأطفال غزة يخفي أشد أشكال الإهانة الإنسانية التي يعاني منها كل الفلسطينيين، لا يوجد أحد أكثر براءة من الأطفال، وموتهم هو الدليل الأكثر وضوحاً على الظلم الذي تمثله هذه الحرب، وكيف تم شنها، وقبولها، ودعمها.

وأوضحت: لا يوجد شخص يستحق الحماية أكثر من طفل، بعيد عن السياسة والمسئولية، ولم يستطع حتى فهم العالم الذي لا يمثل بالنسبة له سوى ملعب.

وقالت: إن معاناة الأطفال على بعد آلاف الأميال تؤثر فينا بشكل عميق حتى ونحن لا نعرفهم، ففيهم نرى أطفالنا، فهم متشابهين في شقاوتهم وحيويتهم وبراءتهم.

وأضافت الكاتبة البريطانية، أن إلقاء اللوم والقول بأن المسئولية تقع على عاتق "حماس" في إشعال فتيل الحرب، وأن الأضرار الجانبية وما حدث من الجانب الإسرائيلي نتائج حتمية، فما هو إلا فشل وتبرير للفشل وتقنين للجرم وتشويه للإنسانية.

وقالت مالك، إن التبرير للقاتل والتبلد في الحساسية أمراً خطيراً، فبجانب آلاف الأطفال الضحايا، لا يزال الأطفال الذين نجوا في خطر، والأيتام الذين يبلغ عددهم نحو 40 ألف طفل، والآلاف من مبتوري الأطراف، ومئات الآلاف من النازحين الذين دمرت مدارسهم، و"الدمار النفسي الكامل" الذي عانى منه كل الأطفال الذين عاشوا الحرب.

وأضافت أنه حتى لو كان وقف إطلاق النار يبشر بنهاية الحرب، فلا شك أن الجيل الأصغر سناً في غزة سوف يتعثر في مستقبل مظلم إذا لم يتمكن العالم من التعاطف معه وإذا لم يتم حشد المساعدات والدعم له.

وقالت مالك إنه في نداء إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي، قدم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية هذه الحجة لصالح الأطفال المشوهين والأيتام والمشردين والمصابين بصدمات نفسية.

وأوضح توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية: "أن أطفال غزة ليسوا أضراراً جانبية، إنهم يستحقون الأمن والتعليم والأمل مثل الأطفال في كل مكان، إنهم يخبروننا أن العالم لم يكن موجوداً من أجلهم طوال هذه الحرب، ويجب أن نكون هناك من أجلهم الآن".

وأضافت الكاتبة البريطانية: "أن الفلسطينيين الذين ماتوا ما زالوا يتمتعون بحقوق، إنهم يستحقون الحداد، وهو الشيء الذي حُرم منه كل من ماتوا، ولم يُمنح الكثيرون منهم حتى الاحترام اللازم لدفنهم، وما زال 20 ألف طفل في عداد المفقودين، وما زالوا تحت الأنقاض أو مرميين في مقابر جماعية".

وأكدت أنه مع محو الكثير من البنية الأساسية في غزة وتعليق الحياة الطبيعية بسبب الحرب، تراكمت أعداد الضحايا وتحولت إلى إحصائية مجهولة، ولم تُقام جنازات لغالبية الضحايا، ولم تُصلى عليهم صلوات، ولم يقف أحد من الحاضرين دقيقة صمت، ولم يتذكر أحد حياتهم، وأرواحهم، وشخصياتهم.

وتابعت: لقد تجمعوا في عمود من الأسماء على قائمة، بأعداد كبيرة للغاية، دون تفاصيل أو تأبين، حتى أن الطرف الإسرائيلي أوحى بطريقة أو بأخرى بأن قتل الأطفال وعدم الاعتراف بقتلهم هو أثر جانبي وغير مقصود، ولكن الأمر ليس كذلك، فقد كان من الممكن تجنبه، وكان غير ضروري، ولم يُسمح به إلا لأن حياة الفلسطينيين ككل أصبحت رخيصة بموجب منطق الحق المطلق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة إجرامية تحبها، لأن العالم لم يكن هناك من أجلهم.

وأردفت: أن كل الجهود المتضافرة من المجتمع الدولي والتي بذلت لتقليل قيمة حياة أولئك الذين ماتوا لا تجعل من ذلك حقيقة واقعة.

وأضافت: قبل أن نذهب إلى المرحلة التالية من كارثة غزة، فإننا مدينون للضحايا، مدينون لهم، ولأنفسنا، أياً كانت سياساتنا، بالتوقف لاستيعاب الآلام والأرواح الصغيرة التي انتُزِعَت منا، فوداعا لأطفال غزة، لقد كنتم محبوبين، ولم تستحقوا ذلك.

وبعدها نشرت الجارديان بعضا من تفاعل القراء البريطانيين مع المقال المؤثر عن أطفال غزة، حيث شكر مايكل فوستر، من مدينة تشيلمسفورد البريطانية، نسرين مالك، وقال: شكرا لك، نسرين مالك، على قولك المؤثر ووصفك لما شعر به الكثير منا طوال الهجوم الإسرائيلي على غزة.

وأضاف: كانت معظم وسائل الإعلام الغربية مترددة في وصف الرعب الذي عانى منه الفلسطينيون في قطاع غزة على حقيقته.

وتابع أن هناك جملة واحدة في المقال "الممتاز" أبرزت ذلك، في قولك: "كان قتل الأطفال على هذا النطاق الواسع غير ضروري، لكن سُمح به فقط لأن حياة الفلسطينيين ككل أصبحت رخيصة، بسبب منطق الحق المطلق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة إجرامية تحبها".

وأوضح القارئ البريطاني: كانت الحكومات ووسائل الإعلام الغربية متواطئة بشكل مخزٍ في تجاهل هذه الفظائع، ولم تتخذ أي إجراء مهم لكبح جماح إسرائيل أو إدانتها، والحفاظ على الحياد بين أولئك الذين يسقطون القنابل والأطفال تحتها، وحتى الآن، لا يتم التأكيد على معاناة الفلسطينيين.

وتابع: أن الاهتمام الذي يحظى به أقل من مائة رهينة إسرائيلي لا يزالون محتجزين في غزة لا يتناسب بشكل صارخ مع معاناة الفلسطينيين، بما في ذلك أكثر من تسعة آلاف معتقل فلسطيني، وكثير منهم محتجزون دون محاكمة أو توجيه اتهامات إليهم.

وقالت إيزابيلا ستون، من مدينة شيفيلد البريطانية: قبل عدة سنوات، حضرت جنازة طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، كانت تجربة مروعة، ولا أرغب أبداً في تكرارها.

وتابعت: لقد فكرت كثيراً في هذا الصبي الصغير وجنازته أثناء الهجوم الشرس على الفلسطينيين في قطاع غزة، وحاولت أن أتخيل الحزن والأسى العميقين اللذين شهدتهما آنذاك، وتضاعفا مراراً وتكراراً، كل يوم، وكل ليلة، وأثرا على العديد من الأسر، والعديد من الأمهات، والعديد من الآباء.

وأضافت: يجب ألا ننسى أبداً أن وراء كل هذه الأعداد أطفالاً وأفراداً، خسارتهم ستكون لها آثار، لا يمكن حسابها، على حياة أحبائهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved