تراث مصري (2).. الغناء في مصر خلال القرن الـ19

آخر تحديث: الأحد 2 مارس 2025 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

إعداد - عبدالله قدري

تنشر جريدة "الشروق" في شهر رمضان، سلسلة تراث مصري المستمدة من كتاب موسوعة تراث مصري للباحث أيمن عثمان، وفي هذه الحلقة نستعرض حلقة من حلقات الكتاب عن تراث الأغنية المصرية.
ونقل الباحث أيمن عثمان عن الحكيم الصيني كونفوشيوس قوله: "أروني أغاني أمة، أريكم مدى حضارتها"، وهو ما ينطبق تمامًا على حالة الغناء في مصر خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وشهدت هذه الفترة تحولات موسيقية عميقة، بدءًا من الأغاني التركية والبشارف العثمانية التي كانت حكرًا على الطبقة الأرستقراطية، وصولًا إلى الأغاني الشعبية والمواويل التي تميزت بها المقاهي والحارات.
ومع ذلك، كانت الطبقة الوسطى، التي كانت تبحث عن صوت يعبر عنها، بلا لون غنائي مميز حتى جاء سيد درويش، الذي قاد ثورة موسيقية امتزجت فيها الطبقات، وذابت الحدود الغنائية، فأصبحت الأغنية المصرية مرآة للواقع الاجتماعي والسياسي.


- التحولات الموسيقية وظهور سيد درويش

 


جاءت ثورة سيد درويش، الغنائية كنتيجة طبيعية لحالة الحراك السياسي والاجتماعي التي شهدتها مصر، خاصة مع ثورة 1919، حيث كان الشارع المصري يتجه نحو التغيير، وهو ما انعكس على الموسيقى والغناء.
وكان ظهور نجوم الطرب الكبار، المعروفين بـ"الصييطة"، مثل عبده الحامولي، مقدمة لثورة سيد درويش، إذ قدم هؤلاء المطربون قوالب موسيقية جديدة؛ مما مهد الطريق لتطور الأغنية المصرية وخروجها من الشكل التقليدي إلى أسلوب أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية والمجتمع.
- عبده الحامولي.. البداية الحقيقية لتمصير الأغنية المصرية
يُعد عبده الحامولي، أحد أبرز رواد النهضة الموسيقية في مصر، وهو الذي بدأ من حيث انتهى أستاذه، الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب، الذي كان أول من ابتكر قالب "الدور"، وهو الشكل الغنائي الذي وضع اللبنات الأولى للأغنية المصرية الحديثة.
لم يكتفِ "الحامولي" بما تعلمه، بل أضاف إلى هذا القالب وطوره، حتى وصل إلى قمة المجد الفني، ليُلقب بـ"سيد مطربي عصره"، و"فريد عصره"، و"المطرب المغرد"، و"سي عبده".
ووُلد عبده الحامولي عام 1842، لكنه فقد والدته وهو في الخامسة من عمره، وتزوج والده سريعًا، فعرف معنى الألم والحرمان منذ طفولته، وكما يقولون: "يولد الإبداع من رحم المعاناة"، فقد كانت معاناة الحامولي هي التربة الخصبة التي أنبتت موهبته الفريدة.
وبدأ الغناء في سن الخامسة عشرة، حيث كان يشدو بالمواويل في ساقية بلدته، مرددًا: "ده أنا لو شكيت ربع ما بي للحديد ليدوب".
ووفق للكتاب، أسر صوته القلوب، وسرعان ما أصبح ضيفًا دائمًا في الموالد والأفراح والأسواق، حيث كان يغني ويطرب مستمعيه، إلا أن والده رفض أن يكون ابنه مغنيًا، وطرده من المنزل، وتبرأ منه، ليبدأ الشاب رحلة شاقة نحو تحقيق حلمه الفني.


- الرحلة إلى القاهرة وصعود المجد

 


بعد القطيعة مع والده، قرر الحامولي، مغادرة بلدته والانتقال إلى القاهرة، وهناك قادته قدماه إلى قهوة "عثمان أغا" بجوار جنينة الأزبكية، والتي كانت آنذاك ملتقى للفنانين والموسيقيين.
وفي هذا المكان، التقى بالمطرب الشهير "المعلم شعبان"، الذي اكتشف موهبته الفريدة، وقرر تعليمه أصول الغناء والموسيقى.
وامتزجت موهبة الحامولي مع خبرة المعلم شعبان، فشكل الاثنان ثنائيًا موسيقيًا مذهلًا، حتى استطاع الحامولي أن يحلق في سماء الفن، ويتربع على عرش الغناء في مصر.


- من الحامولي إلى سيد درويش.. تطور الأغنية المصرية

 


استطاع عبده الحامولي، أن يؤسس نمطًا غنائيًا مصريًا متطورًا، لكنه ظل مرتبطًا بالأشكال التقليدية التي تعتمد على الطرب والتطريب.
ومع ظهور سيد درويش، تغيرت خريطة الغناء المصري، حيث قدم لونًا جديدًا يعبّر عن الناس، وينقل همومهم اليومية، فأصبحت الأغنية الشعبية جزءًا من الحياة العامة، لا مجرد وسيلة للترفيه داخل الصالونات أو المقاهي.
لم يعد المستمع المصري مجرد متلقٍ للألحان، بل أصبح مشاركًا في الغناء، مرددًا كلمات تعبر عن حاله وأحلامه، وهو ما أدى إلى ذوبان الحواجز الطبقية في الموسيقى، فغنى الجميع مع سيد درويش، كما توحدوا لاحقًا سياسيًا في مواجهة الاستعمار والمطالبة بالاستقلال.

اقرأ أيضا:تراث مصري (١).. الطب الشعبي في مصر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved