حبة بازلاء تنبت في كفي.. محاولة لمزج الحكايات السحرية بالحكايات العادية

آخر تحديث: الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:47 م بتوقيت القاهرة

محمود عماد

الأساطير أو الحكايات السحرية تلك الخاصة بالأمير وسندريلا، الوحش والجميلة، الذئب وذات الرداء الأحمر، بالإضافة للأساطير المأخوذة من المثيولوجيا، ومن الحكايات الشعبية، كلها حكايات أسطورية سحرية شديدة الخيال من الممكن أن تصبح حدوتة قبل النوم التى تحكيها الأمهات لأطفالهم لكى يغطوا فى سبات عميق وهم يشعرون بنشوة الحكاية، أو ربما تحكيها الجدات فى وضح النهار من أجل التسلية بتلك النشوة أيضا.

تلك الحكايات فى مقابل الحكايات العادية الدنيوية التى يعيشها الجميع يمر عليها البشر بنا فيها من أحداث وعقبات معتبرينها حياة عابرة خالية من التشويق من تلك النقطة تأخذ الكاتبة دعاء إبراهيم نقطة الانطلاق لروايتها «حبة بازلاء تنبت فى كفى» الصادرة عام 2023 عن دار العين، فهى تقيم وتنشئ النص الروائى على أساس الحكاية ومزج الحكاية التخيلية بالحكاية الدنيوية العادية لتتحول الحكاية العادية لأسطورة هى الأخرى لا تفرقها عن الأسطورة الخيالية فهنا الواقع يغرق فى الخيال والخيال يهرب من الواقع، تستخدم أيضا الحكايات الشعبية والحكى الشعبى القصص وفكرة الحدوتة المتجلية بشدة فى كل أرجاء الرواية.

لدينا بطل الرواية والراوى فى التوقيت ذاته والذى يسير معنا فى اتجاهين مبتعدين متقاطعين يحكى لنا فى خط درامى طفولته وشبابه وعلاقته بأمه وأبيه وخالته، والخط الآخر هو عندما أصبح طبيبا وعلاقته بمهنة الطب وعلاقته بزوجته.

تبدأ الرواية بذلك الجزء الغرائبى ذلك المونولوج الداخلى لذلك الطبيب الهارب من نفسه ومن دنياه فى خزانة منزله يريد أن يبتلعه دولابه أو ربما أن يرى أمه التى افتقدها كثيرا ربما أيضا يريد الهروب من الحياة ومن مسئوليتها وعلى رأسهم زوجته. نذهب أيضا فى خط درامى أشبه بالفلاش باك أو استعادة الذكريات لحياته السابقة حياة طفولته ومع كل فصل يتم ربط جزء من الذاكرة بأسطورة أو حكاية ما.

فى الطفولة تتجلى أشياء كثيرة وأهمها علاقة الابن بأبيه أو بسلطة أبيه الإلهية ذلك الإله الذى صنعه فى عقله وذهنه ذلك الباشا الغنى الذى لا يملك المال والطبيب الذى يعرف كل الأمراض رغم عدم كونه طبيبا من الأساس والإنسان العارف بكل الأمور رغم جهله الكبير تمثال إله صنعه لأبيه ومع كل لحظة فى حياته كان التمثال يتكسر شيئا فشيئا معلنا ذلك الكسور فى تلك العلاقة بين الابن وأبيه، بل وانعدامها وتحولها لعلاقة يشعر فيها الابن بمراقبة أبيه ليتحول الأب لديه من أب فعلى لكاميرا مراقبة.

نرى أيضا العلاقة المغايرة كليا مع أمه تلك المرأة التى نشعر بطيبتها طوال حضورها فى النص هى التى حكت له الحكايات والأساطير من علمته الخيال وصدقه تلك المرأة المكلومة التى لا تشعر بالحب تذبل وتشحب بسبب خيانات زوجها مع أقرب الناس لها أختها غير الجميلة صاحبة الأنف الطويلة وموت ابنتها فى البداية والذى ألجم فمها عن الكلام وعن الشكوى وعن الثورة وربما جعلها ترضى بحالها رغم إنجابها فتاة أخرى، الدولاب الذى اختبأت فيه مرارا دلالة رمزية عن الهروب من العالم ومن المشاكل ومن المواجهة والذى رآها دائما تفعله فى تلك الخزانة أو الدولاب المسحور وهو ما سيتعلمه منها، بعد ذلك نرى أيضا ابتلاع البحر لها ليبتلع معه كل آلامها وخيباتها وأحزانها بلا عودة ويترك الطفلان بلا أم وخاصة راوينا الذى أراد الذهاب ورائها.

أما خالته ذات الأنف الكبيرة المشوهة الخارجة من أحد القصص الأسطورية الشريرة فى الرواية أو ربما هى الأخرى مغلوبة على أمرها أرادت أن تصبح أجمل فصارت أقبح فأرادت التحكم فى أى شىء وأخذ أى شىء حتى لو لم يكن لها أو ليس من حقها أن تسيطر على ابن أختها لتقول إنها تستطيع تربية الأطفال أفضل من أختها تأخذ زوج أختها لتشعر بالتحقق وبأنها أفضل من أختها الأجمل منها تريد أن تغطى على نقصها بتحدى الآخرين، ولكن كما وصفها بميدوسا فلقد حلت عليها وعلى الأب الخائن اللعنة فيما بعد.

هنالك أيضا العلاقة بمهنة الطب والتى أراد ممارستها ودخول كلية الطب فقط من أجل أن يثبت لأبيه أنه سيكون أعلم منه بها، ولكن حدث العكس فأصبح أباه يتباهى به على أنه والد الطبيب العالم والعارف، هنالك أيضا ذلك السؤال الذى نستشعره مع تقدم الرواية الخاص بسؤال الطب وبرسالة مهنة عظيمة مثل تلك، وسؤال الموت أيضا المرتبط ارتباطا وثيقا بالطب ذلك السؤال الذى يؤثر على الطبيب فهو يوميا يرى الموت أمامه يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكنه ليس دائما ينجح فى ذلك فأمام من يريد الحياة ويتشبث بها ربما ينجح فى ذلك وأمام من لا يريد الحياة ويرفضها سيفشل ففى النهاية هو ليس الملاك المنقذ بل هو مجرد طبيب بشرى.

العلاقة الأخيرة هى علاقته بالزواج وبتلك المسئولية الكبيرة وعلاقته بزوجته مسئولية لا يستطيع تحملها ربما من كل ما رآه فى حياته من مصاعب ومشاكل ومنعطفات أثرت على روحه، وربما لم تكن زوجته مناسبة له منذ البداية ولكنه لم ير ذلك إلا متأخرا حتى يصل لأن يختبئ منها فى الدولاب المسحور مثلما كانت تفعل أمه لتهرب أيضا، دولاب يواجه فيه كل مخاوفه موت أخته التوءم بدلا منه عندما كانوا صغارا للغاية الذى أرقه طوال حياته الفائر المتجلى فى كل مخاوفه وهواجسه طوال حياته لإنسان يهرب دائما لا يشعر بالسعادة مغترب وتائه فى نفسه منفصل عن الواقع يريد مفارقة الحياة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved