حكايات القصور.. الحلقة 18: «الشماشرجية»..حلقة الوصل بين الملك ورجال القصر!

آخر تحديث: الأحد 3 يونيو 2018 - 3:36 م بتوقيت القاهرة

كتب- حسام شورى

تواصل "بوابة الشروق" نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر "الحكايات" على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

وإلى الحلقة الثامنة عشرة:
--------
كان للشماشرجية "خدم الملك" دور كبير في القصر الملكي إبان عهد الملك فاروق، في اتصالات كبار رجال القصر بالملك؛ كانوا يرفعون إليه جميع رسائلهم الشفوية عن طريق الشماشرجية، وكان الملك يخبر رجال القصر جميع أوامره وتوجيهاته الشفوية عن طريق الشماشرجية أيضا.

وكانت المذكرات والأوراق الرسمية التي كانت مكاتب الديوان الملكي وسائر مكاتب القصر ترفعها إلى فاروق كانت تعود إليها من عنده "بتأشيرات" مكتوبة بخط الشماشرجي الذي يكون قائما على خدمة الملك عند إطلاعه على البوسته.

وكان الشماشرجي هو الذي يتولى إعداد المذكرة والأوراق الرسمية إلى المكاتب المختصة؛ فما كان مرفوعا من رئيس الديوان كان يضعه في مظروف يكتب عليه رئيس الديوان ويرسله إليه، وما كان مرفوعا من وكيل الديوان كان يضعه في مظروف يكتب عليه اسم وكيل الديوان ويحيله إليه، وكذلك كان الحال مع كبير الأمناء وكبير الياروان وناظر الخاصة الملكية وسائر رجال القصر الذين لهم حق الاتصال المباشر بفاروق فقد كانوا جميعا يلتقوه عن طريق "الشماشرجية".

وكان حسين حسني باشا يتقلد منصب السكرتير الخاص للملك وكان على درجة وكيل وزارة، ويتقاضى 1800 جنيه في السنة تضاف إليها 500 جنيه بدل تمثيل، ولكنه كان كسائر كبار رجال القصر يتصل "بالشماشرجي" كلما أراد رفع رسالة أو تلقى تأشيرات ملكية من الملك ولم يكن مقربا من الملك، كما هو المفترض باعتباره سكرتيره الخاص، وإنما كان آخر من يقابله، وآخر من يتصل به شخصيا، والشماشرجية هم الذين يؤدون أدوار السكرتير الخاص في ملازمة الملك، ومقابلته في أي وقت، وعرض الأوراق الرسمية عليه، وتسجيل تعليماته وتوجيهاته، وأن يبلغ رجال القصر بأوامر الملك ورغباته.

حتى إنه عندما سافر فاروق إلى الحجاز في عام 1945 ليزور الملك عبد العزيز آل سعود استصحب معه السكرتير الخاص المساعد، وأغفل السكرتير الخاص، وعندما عقد فاروق في شهر مايو عام 1946 مؤتمر "أنشاص" لملوك العرب ورؤسائهم اختار بالاسم من يريد أن يكون معه من كبار رجال القصر ولم يكن من بينهم السكرتير الخاص.

ولم يبلغ السكرتير الخاص احتجاجه إلى الملك على هذا الوضع، ولم يلوح بالاستقالة أبدا، فكان يتمتع بمنصب ومرتب ومظهر جيد، والجماهير كانت تغفل الحقيقة ويرونه راكب السيارة الحمراء وذاهب وعائد من القصر، وهو الأمر الذي انطبق على سائر كبار رجال القصر، الذين كانوا يجلسون في كل احتفال في الصف الأول مواجهين رئيس الوزراء والوزراء، وإذا سئلوا عن موضوع ما فضلوا الصمت مدعين أنها أسرار القصر وأنهم أمناء عليها.

وقد وقف حسني باشا بعد قيام ثورة يوليو 1952 يقول أمام بعض المحاكم إن فاروق لم يتح له الفرصة لمقابلته في السنوات الثلاث السابقة للثورة، وظن أنه بهذا الاعتراف سيكسب عطف سامعيه، فإذا برئيس المحكمة يسأله كيف استساغ أن يقبض مرتبه في أثناء تلك السنوات الثلاث؟ قائلا له: "لو كنت محلك لما رضيت بذلك يوما واحدًا" فرد عليه سكرتير الملك "رأي المحكمة في محله يا أفندم"!.

وكانت اتصالات كبار رجال القصر بالشماشرجية لا تقتصر على الشئون الثانوية أو العادية بل كانت تشمل أدق المسائل وأخطر الأسرار وكان كبار رجال القصر لا يجدون في هذا الوضع الشاذ مساسا بكرامتهم أو ضررًا بمصالح الدولة، وكان يعلم كبار رجال القصر أن البرقيات كانت تعود إليهم من عند الملك في مظاريف كتب عليها الشماشرجية بخط أيديهم.

وحدث بعد قيام الثورة أن وقف حسن يوسف رئيس الدوان الملكي بالنيابة، أمام المحكمة يقص قصة كيف أوفده فاروق إلى مصطفى النحاس رئيس الوزراء ليبلغه أنه مستاء من محمود محمد محمود الرئيس الأسبق لديوان المحاسبة، فقال إن محمد حسن الشمشرجي هو الذي جاءه وأبلغه أمر الملك بأن يزور النحاس!.

ولما سأله رئيس المحكمة هل كان يعلم الملك أن لرئيس ديوان المحاسبة حصانة، جاوبه حسن يوسف قائلا: "أظن ذلك وانا بصرته بهذا وأبلغت الشمشرجي إنه لا يمكن عزله إلا بموافقة مجلس النواب وطلبت منه إبلاغ الملك بذلك"، وعندما سأله رئيس المحكمة لماذا لم يطلب مقابلة الملك أجابه حسن يوسف بأنه يعلم طباع الملك ولو كان طلب المقابلة فكان سيرفض وسيختار الشمشرجي لايصال الأمر له، ولذلك فضل عدم إزعاجه!.

- المصدر: كريم ثابت، نهاية الملكية-عشر سنوات مع فاروق، دار الشروق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved