محلل استراتيجي: خوف كوريا الشمالية على وجودها وراء إرسال قواتها للمشاركة في حرب أوكرانيا
آخر تحديث: الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 - 10:38 ص بتوقيت القاهرة
واشنطن-د ب أ
يرى المحلل الاستراتيجي السويدي جاكوب هالجرين أنه منذ ظهورها إلى الوجود في النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين، تمتلك جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية أو كوريا الشمالية تاريخا طويلا في الممارسات العدوانية، وشهرة كبيرة في الخطاب العسكري المتطرف، ورغم ذلك ظلت تحركاتها العسكرية الفعلية تحت قيادة الرئيس الحالي كيم يونج أون داخل حدودها مع التحلي بدرجة ما من ضبط النفس. لذلك فإن إرسال بيونج يانج نحو 12 ألف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا يعتبر تطورا جديدا وخطيرا.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية يتساءل هالجرين الدبلوماسي السويدي السابق ومدير المعهد السويدي للشؤون الدولية عما دفع كوريا الشمالية للقيام بتلك الخطوة المتطرفة.
ويقول هالجرين الذي عمل سفيرا للسويد لدى كوريا الشمالية خلال الفترة من 2018 إلى 2021 إن البعض يشير إلى حاجة كوريا الشمالية الملحة للمساعدات الإنسانية والنفط والغاز الطبيعي وصواريخ الدفاع الجوي بالإضافة إلى الحاجة إلى اكتساب خبرة قتال حقيقية كأسباب لقرار حكومة كيم يونج أون إرسال قوات بلاده للحرب في أوكرانيا. ورغم أن هذه الأسباب مهمة، فعلى المرء النظر إلى التاريخ الطويل للعلاقات الروسية الكورية الشمالية والتعمق في بعدها النفسي للوصول إلى فهم كامل لمبرارات قيام كوريا الشمالية بهذه الخطوة الآن.
فقد كان كيم إيل سونج مؤسس جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وجد كيم يونج أون قد تلقى تدريبه في روسيا، و بعد طلب متكرر حصل على الضوء الأخضر من جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي السابق لغزو الشطر الجنوبي من شبه جزيرة كوريا في يونيو 1950 لتنشب الحرب الكورية التي انتهت بتقسيم شبه الجزيرة إلى دولتين.
ويقول هالجرين نائب مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام سابقا، إن كيم يونج أون يعرف تاريخ أسرته وأن الاتحاد السوفيتي هو من أنشأ الدولة التي يرأسها في البداية. كما أنه يمكن أن يكون قد درس تجربة جده عندما انحاز إلى الاتحاد السوفيتي ضد الصين مقابل للحصول على الدعم والمساعدات السوفيتية.
وبعد بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا في عام 2022، وجد كيم يونج أون نفسه في مكان جيوسياسي رائع كما حدث مع جده في وقت سابق. وبعد ثلاثين عامًا من اعتماد غير مريح على الصين، تذكرت روسيا الخاضعة للعقوبات ارتباطها الوثيق بكوريا الشمالية، والتي كانت تنتظر لحظة الاستفادة من إحياء التحالف مع روسيا. وفي الوقت الحالي أصبحت روسيا مثل كوريا الشمالية تعتمد على العلاقات الوثيقة مع الصين، لكن تستطيع روسيا أن تحصل من كوريا الشمالية على أشياء لا تريد الصين وربما لا تستطيع تقديمها لها.
ورغم ذلك فإن السبب الحقيقي الدقيق وراء قرار كيم يونج أون إرسال قواته إلى أوكرانيا للمحاربة إلى جانب القوات الروسية، سيظل موضع تكهنات لوقت طويل قادم. ومع ذلك فإن هذا القرار مرتبط بالحوافز التي أشار إليها هالجرين، سواء كانت مرتبطة بالمساعدات الاقتصادية أو بنقل التكنولوجيا المتطورة، بما في ذلك الدعم الروسي لتطوير البرنامج النووي الكوري الشمالي. ولكن هذه الأمور ليست جديدة، لذلك فالمحتمل أن يكون سبب نشر القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا أعمق ويرتبط بشعور متزايد لدى بيونج يانج بأنها تواجه خطرا وجوديا من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وهو أمر بالغ الخطورة ويمكن أن يهدد بعواقب أسوأ بكثير.
ويرى هالجرين أن هذا الشعور بالتهديد الوجودي تفاقم نتيجة اتفاق التحالف الثلاثي الأخير بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وزيادة تعاون كوريا الجنوبية واليابان مع حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقد وصف كيم يونج أون هذا التعاون باسم "ناتو آسيوي".
السبب الثاني هو غزو أوكرانيا لإقليم كورسك الروسي وهو ما أدى إلى إسراع موسكو وبيونج يانج للتصديق على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينهما.
كما أن قرار كوريا الشمالية دعم روسيا في الدفاع عن أراضيها، فيما وصفته بيونج يانج بالكفاح المقدس ضد الولايات المتحدة والغرب، بنشر قواتها البرية في أرض المعركة بأوكرانيا ليس لمجرد رد الجميل لروسيا على ما فعلته معها في الحرب الكورية قبل نحو سبعة عقود، وإنما أيضاً نتيجة لشعور كوريا الشمالية بأنها تقف إلى جانب روسيا في صراع شديد ضد الولايات المتحدة والغرب، وأنه إذا كان من الممكن غزو أوكرانيا حليفة الغرب لروسيا، فإن كوريا الشمالية قد تصبح هدفا للغزو في المستقبل.
ولذلك ينبغي النظر إلى نشر قوات كوريا الشمالية في أوكرانيا باعتباره رسالة مبطنة إلى الولايات المتحدة ورئيسها المنتخب دونالد ترامب. وهناك المزيد من الرسائل المنتظرة من بيونج يانج، منها التجربة النووية السابعة لكوريا الشمالية، والتي تفيد التقارير بأنها جاهزة للتنفيذ، وأنها ستظل بمثابة ورقة رابحة في جعبتها لأي مفاوضات مستقبلية.
أخيرا فإن نشر القوات الكورية الشمالية زاد من تعقيد الأمور لأي رئيس أمريكي يطمح في عقد صفقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا وربما عقد صفقة مع بيونج يانج.