المكتبة الإسلامية (4).. جامع الترمذي ميزان بين الحديث والفقه

آخر تحديث: الثلاثاء 4 مارس 2025 - 11:23 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

اكتمل الوحي الإلهي، بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام ظهر تراث إسلامي زاخرا بالكتب في التفسير والحديث والسيرة والفقه وغيرها من العلوم الشرعية.
وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.
الحلقة الرابعة..
نواصل رحلتنا بين أمهات الكتب، في الحلقات السابقة، استعرضنا صحيح مسلم وسنن أبي داود، واليوم نتوقف عند كتاب مميز يجمع بين الحديث والفقه، وهو "جامع الترمذي" للإمام محمد بن عيسى الترمذي.
وهذا الكتاب لا يقتصر على جمع الأحاديث فقط، بل يمتاز بأسلوب نقدي دقيق، حيث يذكر أقوال الفقهاء في الحديث؛ مما يجعله جسرًا بين علم الحديث والفقه.
- من هو الإمام الترمذي؟
الإمام محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، وُلد عام 209 هـ في ترمذ (مدينة في أوزبكستان حاليًا)، وتتلمذ على يد كبار المحدثين، مثل الإمام البخاري، وتأثر بمنهجه في التصحيح والتضعيف، حتى قيل إنه كان من أدق أئمة الحديث في نقد الرجال.
وكان ضريرًا في آخر حياته، لكنه ظل مؤلفًا ومدرسًا حتى وفاته عام 279 هـ.
وكتاب "جامع الترمذي" يتميز بمنهجية واضحة، حيث لم يقتصر فيه على جمع الأحاديث الصحيحة فقط، بل كان أول من استخدم مصطلح "حديث حسن"، وهو درجة بين الصحيح والضعيف، كما كان يبين درجته الحديثية مباشرة بعد روايته، فيقول مثلًا: "حديث حسن صحيح" أو "حديث ضعيف".
وأضاف إلى ذلك شرحًا فقهيًا مبسطًا، حيث يذكر أقوال الفقهاء، ويبين من أخذ بالحديث ومن لم يأخذ به. كذلك أشار إلى علل بعض الأحاديث؛ مما جعل كتابه مرجعًا هامًا ليس فقط لعلماء الحديث، بل لطلاب الفقه أيضًا.
ويضم الكتاب، الكثير من الأحاديث التي يعتمدها الفقهاء في استنباط الأحكام، ومنها الحديث المشهور عن فضل يوم الجمعة: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها"، واستدل العلماء بهذا الحديث على آداب يوم الجمعة وأهميته في الإسلام.
واهتم العلماء، بشرح جامع الترمذي نظرًا لأهميته، ومن أشهر هذه الشروحات "تحفة الأحوذي" للمباركفوري، و"عارضة الأحوذي "لابن العربي المالكي، و"قوت المغتذي"للإمام السيوطي، كل هذه الشروحات ساعدت في بيان دقة منهج الإمام الترمذي، وجعلت الكتاب من أهم مصادر الحديث.

اقرأ أيضا:

المكتبة الإسلامية (3).. سنن أبي داود: موسوعة الأحكام الفقهية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved