#قصة_أثر (22): اللات.. أشهر آلهة العرب التي هُدمت في فتح مكة
آخر تحديث: الثلاثاء 4 مايو 2021 - 1:15 م بتوقيت القاهرة
منال الوراقي:
يضم العالم في جوفه وظاهره كنوز أثرية مهيبة وتحف فنية عديدة بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأمكنة مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم.
لذلك، تعرض لكم "الشروق"، في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسة "قصة أثر"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ.
…
كان للعرب في الجاهلية أصنام يعبدونها من دون الله، حالهم كحال كثير من الحضارات القديمة في وادي النيل والشام والعراق، فقد ذكر القرآن الكريم آلهة العرب التي كانوا يتخذونها إله من دونه -سبحانه وتعالى- في بضع مواضع وآيات، وعنها قال الله عز وجل في صورة النجم: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الْأُنثَى﴾.
ففي الآيات الكريمة، يوجه الله تعالى اللوم للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان، واتخاذهم لها بيوتا للعبادة مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن، واعتبر القرآن في تلك الآيات الثلاث أن القسمة غير عادلة كون قريش قد جعلت لنفسها ذكورا في حين جعلوا لله بناتًا.
فاللات والعزى ومناة كانت آلهة تشكل ثالوثا أنثويا عبده العرب قبل الإسلام في زمن الجاهلية، وبالخصوص ممن سكن مكة وما جاورها من المدن والقرى ومملكة الأنباط وأهل مملكة الحضر، فقد كانوا يعتقدون أن الثلاثة بنات الله.
وعرض "كتاب الأصنام" للمؤرخ العربي أبي المنذر بن الكلبى، المأخوذ عن المخطوطة التي تركها الكاتب، في مطلع القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي، كيف ظهرت عبارة الأصنام في شبه الجزيرة العربية، وذكر مصير أشهر الأصنام المعبودة والتى ورد ذكرها فى القرآن الكريم.
و"اللات"، هي إحدى الآلهة التي عبدها العرب قبل الإسلام؛ فيقول الكاتب إنها كانت ربة السماء والخصوبة، وكانت هي والصنمين "العزى" و"مناة" يشكلون الثالوث الأنثوي، ويرجح أن عرب شبه الجزيرة العربية استعاروها من الأشوريين والأنباط.
فقد كانت عبادة "اللات" معروفة عند معظم الشعوب التي سكنت شمال جزيرة العرب، لكن انتقلت عبادتها إلى عرب مكة بسبب رحلات التجارة بالشتاء والصيف، التي كان يقوم بها تجارها.
وقد ذكر العديد من المؤرخين أن أول من ابتدع عبادة تلك الأصنام بما فيها اللات والعزى ومناة في جزيرة العرب كان رجل يدعى عمرو بن لحي، عندما كان في رحلة تجارية إلى بلاد الشام فوجد أناسًا يعبدون تماثيل، فسألهم عنها وعرف أنهم يتقربون بها إلى الإله ويسألونه بها الحماية، فأخذ بعضها ونصبها في أرض الحجاز وفي الكعبة، وصار الناس يعبدونها، إلى أن أرسل الله نبيه محمد بدين الإسلام.
فبعد فتح مكة في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة، أي بالقرن الثامن الميلادي، هدم النبي بجيشه الأصنام الموجودة داخل الكعبة المشرفة وحولها، وكان عددها يكاد يصل إلى أربعمائة صنمًا.
وعكس ما يعتقد البعض أن الأصنام أو التماثيل التي جسدت آلهة العرب قبل الإسلام اندثرت تماماً، فإن بعضها لا يزال موجودا، فرغم هدم جيش المسلمين لأصنام اللات بمكة إلا أن معبدها وأحد تماثيلها الأثرية لا يزال قائم ومعروض للجمهور بسوريا.
ففي مدينة تدمر الأثرية القديمة، يقف الأسد، الذي يجسد آلهة "اللات" أمام المعبد المخصص لعبادتها، فدائما ما كان تُصور "اللات" على هيئة امرأة بجانبها أسد وأحيانا غزال عند قدميها، فيعد أسد اللات رسول الآلهة إلى البر، وحامى اللاجئين إلى معبدها، بحسب أساطير شعوب المنطقة، وكان قد اكتشف التمثال الأثري، في عام 1977.
ولا يزال الأسد معروضا بمعبد اللات فى مدينة تدمر السورية، وهو المعبد الذي بُنى قبل مجيء الإسلام ببضع قرون، وتحديدا فى القرن الثانى الميلادى، على بقايا معبد من القرن الأول قبل الميلاد، وتحول فى القرن الخامس أو السادس الميلادى إلى كنيسة.