لحنه محمد فوزي ويحمل وعيدا لفرنسا.. قصة النشيد الوطني الجزائري بعد عزفه في الأولمبياد
آخر تحديث: الأحد 4 أغسطس 2024 - 11:44 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
دوت نغمات النشيد الوطني الجزائري في قلب العاصمة الفرنسية باريس، بعدما توجت بطلة الجمباز كيليا نمور، بذهبية مسابقة العارضتان المتوازيتان مختلفتا الارتفاع بدورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس.
ولم يمر مشهد عزف النشيد الوطني لبلد المتوج بالذهب مرورا عابرًا كتقليد بروتوكولي متكرر؛ حيث إن عزفه على أرض محتله القديم يمثل مشهدا استثنائيا.
*يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
والنشيد الوطني الجزائري يعد الوحيد الذي يذكر دولة أخرى في كلماته، حيث يتضمن أحد مقاطعه هذه الجمل "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. وطويناه كما يطوى الكتاب.. يا فرنسا إن ذا يوم الحساب.. فاستعدي وخذي منا الجواب.. إن في ثورتنا فصل الخطاب.. وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا".
لطالما أثار النشيد الوطني الجزائري "قسماً" الجدل منذ أن كتبه الشاعر مفدي زكريا في 25 أبريل 1955، إذ اعترض الوفد الفرنسي المفاوض في مفاوضاته مع الحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1962 على الكلمات، وطالب بحذف مقطع اعتبره مسيئاً لفرنسا إلا أن طلبه قوبل بالرفض، وفقا لتقرير نشرته إندنبندت.
*ألحان محمد فوزي توثق مسيرة النضال الجزائري
وعن بدايات النشيد الوطني للجزائر، يقول الوزير الجزائري السابق، لمين بشيشي، في كتابه بـ"تاريخ ملحمة نشيد قسماً" إن من أمر بتأليف النشيد، هو الشهيد عبان رمضان وهو من حرص على إيجاد لحن له يوافق طبيعته الثورية.
وتابع: "ووضع رمضان ثلاثة معايير لكتابة النشيد الوطني تمثلت في وجوب الدعوة للالتحاق بالثورة تحت لواء جبهة التحرير الوطني، ثم عدم ذكر اسم أي شخص في ثنايا القصيدة، وأخيراً إبراز الوجه القبيح لفرنسا الاستعمارية من خلال أبياتها الشعرية".
وطلب عبان رمضان، من الشاعر مفدي زكريا، البحث عن ملحن للنشيد الوطني يحوله إلى صيغته النغمية، فتم التلحين أولاً من طرف محمد التوري بعدها تم إسناد المهمة إلى الملحن التونسي محمد التريكي ليسلم النص في نهاية المطاف إلى الملحن محمد فوزي، إذ أرسلت كلمات النشيد بشكل سري إلى مصر، وبعد أن انتهى فوزي من وضع اللحن أعاد إرساله ليوافق قادة الثورة الجزائرية على اللحن.
*كيف كرمت الجزائر محمد فوزي؟
ونال محمد فوزي تكريما رفيعا على دوره، فقد أمر الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في نوفمبر 2017 بإطلاق اسم محمد فوزي على المعهد الوطني العالي للموسيقى في الجزائر، فضلاً عن منحه "وسام الاستحقاق الوطني".
*قسما.. تمسك جزائري وغضب فرنسي متكرر
وفي يونيو2023، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوما يفرض الأداء الكامل للنشيد الوطني بمقاطعه الخمسة، ليشمل مقطعا يتضمن كلمات تحمل وعيدًا لفرنسا، وكان هذا المقطع قد أثار غضب باريس في وقت سابق.
وكان هذا المقطع يُغنى أحيانا، وأحيانا أخرى تكتفي الجهات الجزائرية بعرض جزء من النشيد فقط لاختصاره، لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقّع المرسوم الذي يفرض الأداء الكامل للنشيد بمقاطعه الخمسة.
وصرحت وزيرة الخارجية الفرنسية، بأن إعادة طرح الجزء، الذي يهاجم فرنسا في النشيد الجزائري: «قرار يأتي عكس مجرى التاريخ نوعا ما»، مشيرة إلى أن «النص كتب عام 1956 في سياق مرتبط بمحاربة الاستعمار، ومن أجل التعبير عن كل شيء يخص الحرب، ومنه جاءت كلمات تخصنا».
ورد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عليها بنبرة ساخرة في مقابلة مع وكالة «نوفا» الإيطالية، نشرت أمس الأربعاء، قائلا: «ربما كان يمكنها أن تنتقد أيضا موسيقى النشيد الوطني، فربما الموسيقى لا تناسبها أيضا».
*مشاهد من موكب الاستقلال
وفي مذكراته يتحدث الكاتب الكبير حمدي قنديل عن ذكرياته مع الجزائر في أحد أبرز الأيام في تاريخ الجهورية الجزائرية، وهو يوم دخول القائد بن بلة ورفاقه إلى العاصمة، بعد التوقيع الرسمي على اتفاقية استقلال الجزائر، وكان قنديل مع نخبة صحفية للتلفزيون المصري لتغطية الحدث الكبير، فقد ساند الرئيس عبد الناصر بن بلة وتياره؛ فعقب خروج بن بلة من السجن الفرنسي، استقبله عبد الناصر في مطار ألماظة العسكري، وقام الزعيمان بجولة في شوارع القاهرة من مصر الجديدة إلى وسط البلد ثم العودة لقصر القبة، مستقلين سيارة مكشوفة، وسط حشود من المواطنين، في مظاهرة وصفت وقتها من قبل وكالات الأخبار العالمية بأنها أحد أكبر المظاهرات في التاريخ! كانت المعاناة كبيرة من أجل تصوير اللحظة التاريخية بدخول بن بلة وموكبه للعاصمة الجزائرية، ولكن صاحبها موقف طريف، فلم يتمكن فريق التلفزيون من الحصول على سيارة تنقله للعاصمة، فلم يكن أمام الفريق إلا استقلال لوري محمل بالبطيخ لنقل معدات التصوير الثقيلة، واستغرقت الرحلة 9 ساعات لقطع مسافة 500 كيلو متر، ويصف قنديل الرحبة بأنها كانت ممتعة جدًا خاصة مع دخول الليل، عندما لفحت وجوههم نسمات الريح المنعشة.
وعن لحظة اقتراب الوصول للعاصمة الذي كان قبل شروق الشمس، كانت العاصمة كلها خرجت لاستقبال بن بلة، ونفير السيارات يدوي بنغمة واحدة ثابته "بن بلة، بن بلة".
وتمكن فريق التلفزيون من تصوير الموكب والعرض العسكري الذي تلاه، وبقي قنديل بالعاصمة ليومين للتجول بالكاميرا في أنحاء العاصمة، لنقل مشاهد للمصريين الذي تعلقوا بكفاح الشعب الجزائري وساندوا قضيته! ويصف قنديل مهمة الجزائر بأنها من أهم إسهامات الصحافة التلفزيونية في مصر، وإن لم تنل قدرًا ملائمًا من الاهتمام من قبل مؤرخي التليفزيون!.