نبيل نعوم يكتب: الغيرة والكونت دي مونت كريستو

آخر تحديث: الجمعة 4 أكتوبر 2024 - 6:21 م بتوقيت القاهرة

يُعد ألكسندر دوماس الأب (1802-1870) من أشهر الكتاب الفرنسيين، وقد تُرجمت أعماله إلى معظم اللغات، ومن أبرزها، الكونت دى مونت كريستو، وقد تم تمثيل رواياته منذ أوائل القرن العشرين فيما يقرب من 200 فيلم ومسرحية، وأيضا المسلسلات التليفزيونية. كان الجنرال توماس ألكسندر والد الكاتب من النبلاء، ووُلد فى المستعمرة الفرنسية سانت دومينيك (هاييتى الآن) من أب فرنسى أيضا من النبلاء، ومن أم من الرقيق ذات أصول إفريقية.

وقبل مغادرة جد الكاتب المستعمرة وعودته إلى فرنسا باع المرأة (رفيقته) كواحدة من عبيده وأيضا بناتها لأحد النبلاء بينما احتفظ بابنه الوحيد منها وعاد به معه إلى فرنسا. هذا ملخص سريع لتاريخ أسرة الكاتب الذى ما زالت أعماله تبهر القراء والمهتمين بالفن السابع.   أما بالنسبة لرواية الكونت دى مونت كريستو الذى كتبها بالتعاون مع أوجست ماكيه، فإلى جانب عالم المغامرات والبحار والمبارزات، وأساطير السجون والهرب، فهى فى رأيى تمس نقطة هامة فى تاريخ التطور النفسى الإنسان»، فيما يتعلق بالغيرة.  والغيرة وفقا للدكتور يوكى شاراش الأستاذ المشارك فى قسم علم النفس فى جامعة نيويورك «هى شعور تحسه عندما تخاف بأن شيئا تملكه سوف يؤخذ منك، ويختلف هذا الشعور عن الحسد فهو شعور يلمّ عندما يكون لدى شخص آخر شىء تريده لنفسك». 

وبين الغيرة والحسد تتقلب مشاعرنا فى تجارب الحب والرغبة والسلطة والتفوق، بل تسيطر علينا أحيانا لتصل إلى حد الانتقام الذى قد يصل إلى القتل بسبب الشرف أو فقد المملوك، كما يؤدى الانتقام أيضا إلى تضخم الذات بالقضاء على حرية الآخر، ويساهم فى الخوف المرضى لبعض الحكام من فقد كراسى الحكم المؤدى إلى البطش والظلم والتجبر وتعاسة الكثير من الشعوب.  ورواية الكونت دى مونت كريستو التى أكملت فى 1844، والمستوحاة جزئيا من أحداث حقيقية، يقول بعض النقاد إن الرواية المصرية القديمة (الملاح التائه) لها أثر كبير فى هذه الرواية. ربما فيما يتعلق برحلة البحر ونجاة الملاح وحده بعد غرق السفينة بسبب عاصفة بعدما تشبث بلوح من الخشب ليجد نفسه على ظهر جزيرة غريبة، وبعد تجارب خرافية يعود الملاح على ظهر سفينة نجاة محملا بثروات تلك الجزيرة. 

 أما أحداث رواية الكونت دى مونت كريستو فتجرى فى فرنسا، فى الحقبة التاريخية ١٨١٥-١٨٣٩ أى بين الفترة التى عاد فيها الحكم الفرنسى للملكية فى عهد الملك الفرنسى لويس فيليب. وتبدأ الأحداث بوصول بطلها إدموند دونتيس البحار الشاب ذى الـ19 عاما إلى مارسيليا على السفينة فرعون، ليخطب فى اليوم الثانى حبيبته مرسيدس. وبسبب الغيرة من صديق له لترقية صاحب السفينة لإدموند من مساعد قبطان إلى قبطان، ومن قريب مرسيدس الذى كان يحلم بالزواج منها، وبسبب خيانة الاثنين وتلفيق تهمة لإدموند حوكم كخائن لفرنسا وكمتآمر مع نابليون بونابرت، وتم سجنه فى سجن شاتو دى إيف قُبالة مارسيليا لمدة 14عاما، ولكنه فى النهاية استطاع الفرار والحصول على كنز كان يعرف زميله فى السجن الأب فاريا بمكانه فى جزيرة مونت كريستو. هكذا عاد إدموند كالكونت دى مونت كريستو، وقد صار ثريا وصاحب سلطة، وبدأ رحلته فى الانتقام المنهج ممن كانوا السبب فى سجنه. لم تتوقف شركات الإنتاج السينمائى عن اختيار موضوع هذه الرواية لتحويلها إلى فيلم لما يجد فيه الجمهور الشغوف بأفلام المغامرات من إشباع وتسلية، وخاصة مع نجاح المنتج الأمريكى بإمكانياته الواسعة من تحقيق رغبة المتفرج فى مشاهدة المعجز من الانتصارات البوليسية والأسطورية. فحتى الآن ما زالت أفلام جيمس بوند تخرج إلى الشاشة مع نجوم جديدة وقد رحل أو تقدم فى العمر بعض الممثلين الذين قاموا من قبل بتجسيد شخصية جيمس 007. 

وهنالك على الأقل 29 فيلما أُنتجت حول موضوع الكونت دى مونت كريستو. آخرها هذا العام وفى نهاية نصفه الأول عاد إلينا الكونت فى ثوبه الجديد فى فيلم فرنسى يستغرق ما يقرب من ثلاث ساعات، فى معالجة حديثة من إخراج ماثيو ديلابورت وألكسندر دو لا باتيلير وبطولة بيير نينى. وقد نجح المنتجون من الربح المباشر بإنتاج هذا الفيلم الذى يُعد من أكثر الأفلام الفرنسية تكلفة والذى يقول عنه فيل هواد فى الجارديان «ركض وسيم عبر قصة انتقام لدوماس». 

أما الذين تابعوا سلسلة الأفلام والمسلسلات حول هذا الكونت فيُفضل البعض نسخة 1975 الأمريكية للمخرج دافيد جرين، وهى النسخة التى أفضلها شخصيا. كما أن هناك نسخة عام 2002 من إخراج كيفن رينولدز والتى يقدرها الكثير من النقاد. وقد اُقتبس فى مصر موضوع هذه الرواية وخاصة بإبراز نقطة الانتقام فى فيلم أمير الانتقام للمخرج هنرى بركات 1950 بطولة أنور وجدى ومديحة يسرى وسامية جمال. ومرة أخرى فى فيلم أمير الدهاء وأيضا من إخراج هنرى بركات 1964 بطولة فريد شوقى وشويكار ونعيمة عاكف. بالطبع ظهرت أعمال أخرى عن موضوع الانتقام أحد المواضيع اللذيذة التى تثير خيال ليس المصريين، وحدهم، ولكن أيضا غيرهم من الشعوب،  وبالعودة إلى قصة الملاح التائه أذكر هذه الأبيات للشاعر المصرى العريق على محمود طه: أيها الملَّاحُ قمْ واطوِ الشراعا      لِمَ نطوى لُجَّةَ الليل سراعَا جَدِّفِ الآن بنا فى هينةٍ      وجهة الشاطئ سيرًا واتباعَا فغدًا يا صاحبى تأخذنا      موجةُ الأيام قذفًا واندفاعَا ....... أيها الأحياءُ، غنوا واطربوا       وانهبوا من غفلات الدهرِ ساعا آهِ، ما أروعَها من ليلةٍ      فاضَ فى أرجائها السحرُ، وشاعَا نَفَخَ الحبُّ بها من روحِه    ورَمَى عن سِرِّها الخافى القناعَا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved