بعد صدور مجموعته «رمادى داكن» عن دار الشروق: الكويتى طالب الرفاعى: أنا رجل يمتلئ بالأحلام

آخر تحديث: السبت 5 يناير 2019 - 10:11 ص بتوقيت القاهرة

حوار: شيماء شناوي


كتب الرواية من أجل راحة «القصة»
جائزة القصة لم تكن ردا على معارك «البوكر».. والفكرة عمرها عشرون عامًا
«الكرسى» مرآة عاكسة لصراعات ما بعد خريف الثورات العربية

يحب الكاتب الكويتى طالب الرفاعى أن يوصف بـ «عاشق للقصة القصيرة»، فقد بدأ العلاقة معها فى السبعينيات حين نشر قصته الأولى «أبوعجاج طال عمرك»، التى وضعته أمام تحدى الإضافة لجيل سبقه من كتاب الكويت، التى كانت فى تلك الايام واحدة من منارات العمل الثقافى وزاخرة بأعلام كبار فى النقد الادبى، لفت نظرهم الكاتب الشاب الذى ربط طموحه الادبى بفضاء عربى أكثر اتساعا، غامر فيه بنشر أعماله إلى جوار أسماء عربية كبيرة لكن تلك المغامرة لم ترفع من قلبه أسباب الخوف من الكتابة.
واصل الرفاعى إنتاجه الأدبى المتنوع بين القصة والرواية، فضلا عن كتابة المقال الادبى، وإلى جانب الهندسة عمل مستشارا فى مواقع ثقافية مؤثرة فى بلاده، لكنها لم تنجح إلا فى تأكيد شغفه بالقصة، إلى أن نجح قبل ثلاثة أعوام فى تأسيس جائزة الملتقى للقصة القصيرة التى نجحت فى فترة وجيزة فى لفت أنظار أجيال من الكتاب العرب لهذا الفن الرفيع وإعادة الاعتبار للقصة وبفضل الجائزة استعاد المبدعون والناشرون حماسهم للقصة بعدما غمرت الجميع مقولة «عصر الرواية» وكادت تذهب بها إلى الظل
وبسبب المعارك حول الرواية وجوائزها دخل طالب الرفاعى طرفا فى سجالات كثيرة بدأت من رئاسته للجنة تحكيم جائزة البوكر فى واحدة من دوراتها الأكثر إثارة للجدل(2009 / 2010) ووصلت إلى استبعاد روايته (فى الهنا) من القائمة الطويلة للائحة الجائزة فى العام 2015 نتيجة خطأ إجرائى، ما جعل البعض يعتقد أن هذا الرجل الذى يبدو هادئا يخفى بين سطوره أسبابا للقلق والسجال.
زار الرفاعى القاهرة أخيرا لمناسبة تكريمه ضمن مؤسسى جوائز عربية أخرى خلال حفل تسليم جوائز الدولة فى مصر وخلال الزيارة احتفل بصدور طبعة مصرية من عمله الجديد «رمادى داكن» عن دار الشروق.

وإلى نص الحوار:

• بدأت مشوارك الإبداعى فى منتصف السبعينيات بالقصة القصيرة ثم للرواية حدثنا عن التجربتين؟
ــ قولا واحدا أنا عاشق للكتابة القصصية. وهى أقرب إلى نفسى من الرواية، وأسعد أيامى هى تلك التى أشتغل فيها على قصة جديدة، ومهما استغرقت من الوقت أكون مخلصا لها، وحتى عندما ذهبت إلى الرواية كان بفضلها، فحين كتبت قصة «ظل الشمس»، ضمن مجموعتى الأولى «أبوعجاج طال عمرك»، وجدت أنها ظلمت، وتحتاج إلى مساحة أكبر، ولذا انتقلت إلى الرواية لأمنحها المساحة التى تليق بها، ولأن تعريفى للقصة القصيرة هو «تصيد لحظة عابرة» فإن الرواية هى مد تلك اللحظة العابرة والاستغراق فيها، فضلا على أن الرواية لها طعم مختلف من حيث انفتاحها على التجريد وقدرتها على استيعاب فنون أخرى.

• لماذا أصبحت الرواية تتسيد المشهد على حساب القصة القصيرة؟
ــ الرواية لم تتسيد العالم العربى، كما أن القصة القصيرة لم تتراجع، ولكن حدثت الكثير من المتغيرات التى جعلت الرواية أكثر حضورا ومنها: قدرتها على تقديم عمر إضافى للقارئ، وأعطاه فرصة «عيش مغامرة بدون مخاطرة»، كما أنها تمنحه امتدادا لعمره، ولذلك يقال إن كل رواية تضيف إلى القارئ عمرا، وهذه الأسباب مجتمعة جعلت الرواية أكثر رواجا على مستويات الكتابة الإبداعية للكاتب، ومستوى اهتمام القارئ، ومن ثم الناشر، وكذلك على مستوى الجوائز الأدبية.

• إذًا، هل كان تأسيس «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» بالتعاون مع الجامعة الأمريكية فى الكويت، انتصارا منك للقصة القصيرة فى زمن الرواية؟
ــ تاريخ تأسيس الملتقى يعود إلى ما يقارب من 20 عاما، ولكنه كان «ملتقى ثقافيا» وهو صالون أدبى بمنزلى، وحتى لاحظت فى السنوات الماضية أن الاهتمام والتكريمات ومنح الجوائز منصب على جنس الرواية، فسعيت إلى تأسيس هذا الملتقى، ليكون تكريما لجنس القصة القصيرة ولكتابها، بالتعاون مع الجامعة الأمريكية، وبالفعل بدأنا تنفيذ الحلم، بإنشاء الجائزة بـ20000 دولار، وترجمة العمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية، وقمنا بتشكيل مجلس أمناء ومجلس استشارى، ووضعنا لائحة الجائزة، وفى الدورة الأولى تسلمنا 240 عملا، والدورة الثانية 200 عمل، وفى الثالثة كان مجموع القصص التى استقبلناها 197، وقد فاز بالجائزة بدورتها الثلاثة؛ الكاتب الفلسطينى «مازن معروف» ثم الكاتبة الأردنية «شهلا العجيلى»، وأما الدورة الثالثة ففاز بها الكاتب العراقى «ضياء جبيلى»، ووجود مثل هذه الأرقام التى ترشحت لنيل الجائزة هو دليل على وجود القصة القصيرة بشكل كبير، لكنها كانت مظلومة ولم تجد الطريق للوصول إلى الجوائز الأدبية، وقد استطعنا فى الجائزة أن نحافظ على نزاهتها وشفافيتها، ونأينا بأنفسنا من شللية اللجان التى اجتاحت العالم، وأعلنا عن أسماء الاعضاءبشفافية مع إطلاق كل دورة ولم يكتب عن ما يسوء إلى اللجنة حرفا واحدا وهو ما نتمنى أن يظل كذلك طوال تاريخها.

• نتابع دائما الجدل حول جائزة البوكر العالمية.. كيف ترى تجربتك محكما ومتسابقا؟
ــ•• جائزة نوبل من أهم الجوائز فى العالم إن لم تكن الأهم على الإطلاق، ويشكل الحصول عليها أعلى طموحات الكاتب، ولكنها فى النهاية تبقى جائزة محكومة بقواعد القائمين عليها، وفى نهاية الامر أعضاء لجنة التحكيم ليسوا أنبياء بل بشرا مثلنا، لهم ميولهم وأخطاؤهم، ومن حيث المبدأ فأنا مع فكرة الجوائز لأنها تكريم، وبخاصة فى العالم العربى، لأن الكتاب ليسوا أغنياء أو متفرغين للكتابة، وبالتالى أى جوائز يحصلون عليها تساعدهم بشكل أو بآخر.
وبالنسبة لتجربتى فقد عبرت فى اطوار التحكيم أو المنافسة عن رأيى وهى اجمالا تجربة مفيدة حافلة بالدروس لكنى اغلقت ملفها وافكر فيما اعيشه الآن من تجارب ومع الوقت تخففت من عبء التجربة، وزال ما فيها من ضباب واستعدت علاقتى بأطراف كثيرة لأن الأصل هو محبة الكتابة ولا شىء اهم من ذلك.

• هل ترى أن الجوائز العربية تذهب لمن يستحقها؟
ــ كل عام هناك لجنة تحكيم ولكل لجنة قراراتها التى تأتى من قناعة أعضائها، وبتغيير اللجنة تتغير تلك القناعة، ولذا ففى رأيى الجائزة تذهب لمن يستحقها وفق قناعة اللجنة، ولهذا فأعتقد أنها متسقة مع نفسها بأن تقدم الجوائز وفق قناعة لجان التحكيم، وبالطبع أحيانا تكون الجوائز غير منصفة أو تتجاهل أسماء تستحقها، لكن كما قلت: القائمون عليها بشر.

• من من الكتَّاب الذين تتوقع حصوله على البوكر؟
ــ السباق مفتوح، ومن جماليات الجائزة أنها تقدم أسماء جديدة مع كل دورة، مثلما تنصف بعض الكتاب المخضرمين، والعالم العربى به إنتاج روائى عظيم، فضلا عن النشاط الذى تشهده حركة النشر الروائى، ومن أهم مميزات الجوائز القوائم الطويلة والقصيرة التى تسلط الضوء على أعمال بعينها، ومن أجل هذا كله يصعب التكهن باسم شخص معين.

• جربت الكتابة فى أنواع متعددة فهل جاء أوان كتابة السيرة الذاتية؟
ــ دونت أجزاء من سيرتى الذاتية فى أغلب مؤلفاتى، فمثلا فى «ظل الشمس» وثقت لتجربة عملى كمهندس إنشائى، وفى «سمر كلمات»، وثقت لموقفى من القضايا الاجتماعية كالزواج والطلاق، وغير ذلك من أجزاء السيرة التى دونتها فى مؤلفاتى الأخرى.

• ما هو العالم الذى تستمد منه شخوص أعمالك؟
ــ أنا ابن المجتمع الكويتى، الذى عاش تحولات مختلفة وانتقل إلى عصر النفط ودفع اثمانا مقابل هذا الانتقال وهو واقع حافل بالصراع الاجتماعى فى المجتمع وعلاقة المرأة بالرجل، هذا هو المنطلق الأهم لأعمالى، إضافة إلى انشغالى بالهم الإنسانى المتمثل فى حياة الوافدين، وحقوق العمالة العربية والأجنبية، وقد قررت الكتابة عن هذا المجتمع الكويتى منذ البداية، حيث كنا ثلاثة، إسماعيل فهد إسماعيل وليلى العثمان، أما إسماعيل فكان يكتب ببعد عربى، وليلى اختارت أن تكتب ببعد تاريخى، وأحببت أنا أن أكمل ذلك بالكتابة عن البعد الحديث فى المجتمع الكويتى، ومنذ أول قصة قصيرة نشرت لى وما زلت أنا أكتب عن الكويت الحاضر متمثلا فى الأسرة الكويتية والعمالة الوافدة، وغيرها، فأنا يهمنى بالأساس الكتابة عن الإنسان.

* هل ترى أن مهمة الكاتب الكشف عن القضايا المسكوت عنها؟
ــ بالأساس الكتابة اختيار وموقف، وبالتالى هى تختلف من كاتب إلى آخر، أما بالنسبة إليه فهى تسليط الضوء على البؤر المظلمة فى حياة الإنسان، وهى التى تكشف الظلم الواقع عليه كما تكشف معاناته، وهذا الشكل من الكتابة هو ما ارتضيته لنفسى منذ بدأت الكتابة؟

* كتب عنك الشاعر الأبنودى مع نشر رواية «ظل الشمس»: «ياله من كاتب حقيقى، تذكروا اسمه جيدا.. فقد يعاقب على فعلته تلك، أو يعاقب ثمنا لنبوءته التى تحققت؟ كيف قرأت ما قاله الخال»؟
ــ الأبنودى كان صديقا عزيزا جدا، أحرص على زيارته كلما كنت فى مصر، وعندما عرضت عليه الرواية قبل نشرها، أعجب بها لأنها رصدت معاناة العمالة المصرية الوافدة إلى الكويت، والصدام بين العمالة والسلطة بشكل أو بآخر، وأعتبر أن فيها نبوءة لما قد يحدث بالمستقبل، وكتب لها مقدمة شعرية، كما قام الروائى جمال الغيطانى بنشر الرواية مسلسلة فى جريدة «أخبار الأدب».

• فى روايتك «الكرسى» ناقشت قضية التمسك بالسلطة من خلال حكايات 14 رجلا ماتوا من أجل الكرسى.. فكيف ترى ذلك الآن فى ظل واقعنا العربى؟
ــ رواية الكرسى كانت ردة فعل لما سمى بالربيع العربى، وفى الـ14 قصة كل واحدة منها تتحدث عن كرسى وعن الظلم، وكأن لسان حالها يقول إن الطواغيت موجودون فى كل مكان فى العالم، نجدهم فى الأسرة والشارع وفى أى مؤسسة، وفى القصة الاخيرة قررت الظهور باسمى الحقيقى وبأصدقائى الكُتاب والروائيين والمسرحيين، وعرضت موقفهم من الثورات العربية فى تلك اللحظة.

• كتبت فى مجموعتك القصصية «رمادى داكن» التى نشرتها دار الشروق أخيرا: «تموت حين تقبض على حلمك» ماذا قصدت؟
ــ «رمادى داكن» أحدث مؤلفاتى وفيها 25 قصة قصيرة، أقدم من خلالها خلاصة كاتب عشق القصة القصيرة، وصادقها لما يزيد على الأربعين عاما، والقصة القصيرة هى حلمى الحقيقى، فأنا رجل يمتلئ بالأحلام، وحينما ينتهى تحقيق حلم أحلم بتحقيق غيره، وهذا الأمر جميل لأن الأحلام فيه متجددة أما ما قصدته من الجملة أن يكون للإنسان حلم واحد إن توصل له، لم يعد لديه المزيد وهذا الموت الذى قصدته.

• لماذا اخترت عنوان «رمادى داكن»؟
ــ إن اختيار عنوان للمجموعة من احدى القصص يشير إلى أنها تعنى للكاتب شيئا، وهى تكرس لاعتقاد لدى القارئ أنها القصة المتميزة فى المجموعة، ولهذا فأنا أتحاشى ذلك، وعنوان «رمادى داكن» جاء من الأجواء الرمادية بالفعل، تكشف عن معنى «بين ــ بين»، فى حياتنا وهى اللحظة التى اكتب.

• ما هو مشروعك الأدبى الجديد؟
ــ أعمل على رواية جديدة، أتوقع أن أنتهى منها فى منتصف 2019، وعنوانها المبدائى هو « أنا الآن» وهى تختلف عما كتبت من قبل، ولا أستخدم فيها أسلوب «التخييل الذاتى».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved