نساء من عصر التابعين (11).. ميسون بنت بحدل الكلبية: التابعية الحازمة أم يزيد بن معاوية

آخر تحديث: الجمعة 5 أبريل 2024 - 3:56 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

- ميسون بنت بحدل الكلبية

تعد ميسون بنت بحدل الكلبية امرأة ارتقت إلى أسباب الشهرة في اليوم الذي انتقلت فيه من بداوتها إلى قصور الأمراء والخلفاء، فكانت من عداد النساء التابعيات الفاضلات.

كانت إحدى فرائد قومها ومعدوداتهن جمالاً وشرفاً، ولكنها بما أنعم الله عليها من عقل كبير، ورأي صائب، وأدب وفضل، كانت من أشهر هن في دنيا التاريخ وفي تاريخ الدنيا.

وصفها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - فقال: كانت - امرأة - حازمة، عظيمة الشأن جمالاً ورئاسة وعقلاً ودينا، وهذه الصفات الموجودة في هذه المرأة تجعلها في مقدمة النساء اللاتي خلد الدهر مقاماتهن، ورسم فضلهن، وقيد آثار هن، وحفظ مقالاتهن في سجله الكبير، فحزن بذلك الخلود، وكن القدوة الصالحة لمن أتى بعدهن من النساء.

أورد ابن عساكر ترجمتها فقال: ميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبية - من بني حارثة - زوج معاوية بن أبي سفيان، وأم يزيد بن معاوية، روت عن معاوية، وروى عنها محمد بن علي.

- اللبيبة النبيلة

لما اتصلت ميسون بمعاوية رضي الله عنه، وجاء بها من البدو، وكانت ذات جمال باهر، وحسن غامر، وعقل متوقد، وبصيرة نافذة، فأنزلها منزلة لائقة، لدينها ورجاحة عقلها؛ ومما ظهر له منها من كمال الخصال، وإصابة الرأي ما ذكرته المصادر من أن زوجها معاوية دخل عليها يوماً، ومعه خادم خصي له، فاستترت منه وقالت: ما هذا الرجل معك؟ فقال: أتستترين منه؟ إنه خصي، وإنما هو مثل المرأة فاظهري عليه!.

فأجابته إجابة حكيمة فقالت: أثرى أن المثلة تحل ما حرم الله عليه؟ وفي رواية أنها قالت له: إن مجرد مثلتك له تحل ما حرمه الله عليه ؟! ثم حجبته عنها.

وأعجب معاوية بهذه الإجابة التي تدل على فقهها وعلمها، وسر بها سروراً عظيماً، وازداد بها عجباً وإليها ميلاً، ولهذا أولى الله ابنها يزيد بالخلافة بعد أبيه.

وتمثل هذه الخصال اللطيفة الحميدة، كانت ميسون من أشهر نساء معاوية، وقد ولدت له ابنه يزيد، وذكر بعض أهل الأخبار أنها ولدت له ابنة اسمها: أمة رب المشارق، فماتت وهي صغيرة.

- فراستها وذكائها

كانت ميسون ذات فراسة نادرة المثال في غيرها من النساء، وكان سيدنا معاوية - رضي الله عنه - يأنس إليها، ويأخذ برأيها؛ لما عهد فيه من سلامة وصحة، فعندما تزوج معاوية نائلة بنت عمارة الكلبية قال لميسون: ادخلي فانظري إلى ابنة عمك، فدخلت ونظرت إليها، فسألها عنها قائلاً: كيف رأيتها؟ قالت: إنها لكاملة الجمال، ولكن رأيت تحت سرتها خالاً، وإني لأرى هذه يُقتل زوجها ويُوضع رأسه في حجرها ، فتطير من ذلك فطلقها، فتزوجها بعده حبيب بن مسلمة الفهري ثم طلقها، ثم خلف عليها بعده النعمان بن بشير الأنصاري، فقتل، ووضع رأسه في حجرها. وبهذا كانت ميسون صاحبة فراسة صائبة، إذ وقع ما كانت تتوقعه في نائلة بنت عمارة الكلبية.

- ميسون وابنها يزيد

إن يزيد خير شبان العرب.. أحلمهم عند الرضى وفي الغضب.. يدر بالبذل وإن سيل وهب.. تفديه نفسي ثم أمي وأب.. وأسرتي كلهم من العطب. بهذا الشعر، وبمثله، كانت ميسون بنت بحدل ترقص ابنها يزيد بن معاوية وهو صغير، حيث كانت - بفراستها - تتوسم فيه النجابة والحلم والكرم، وغير ذلك من الشمائل التي تخلد الناس، وتجعلهم في مصاف الأعلام الخالدين.

لذا فقد كانت ميسون ترعى ابنها رعاية خاصة، وتربيه على حب الفضيلة، ولعل عنايتها به ترجع إلى أنها رأت في المنام - وهي حامل به - أنه خرج منها قمر، فقصت رؤياها على أمها فقالت: إن صدقت رؤياك لتلدن من يُبايع له بالخلافة. وظل هذا الحلم يراودها حتى ولدت يزيداً.

وجلست يوما تمشط وتزين ابنها، وكان أبوه معاوية مع زوجته الحظية عنده في المنظرة - وهي فاختة بنت قرظة - فلما فرغت ميسون من مشطه، نظرت إليه فأعجبها فقبلته بين عينيه، فقال معاوية عند ذلك: إذا مات لم تفلح مزينة بعده. فتوطي عليه يا مزين التمائما.

وانطلق يزيد يمشي وفاختة تتبعه بصرها، ثم قالت: لعن الله سواد ساقي أمك. فقال معاوية: أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله - وهو ولده من فاخته

فقال معاوية : أما والله إنه لخير من ابنك عبد الله - وهو ولده من فاختة وكان أحمق - فقالت فاختة: لا والله، لكنك تؤثر هذا عليه. فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفينه قبل أن تقومي من مجلسك هذا. ثم استدعى ابنها عبد الله فقال له: إنه قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألني في مجلسي هذا.

فقال: حاجتي أن تشتري لي كلباً فارها، وحماراً فارها. فقال: يا بني أنت الحمار وتشتري لك حماراً "؟! قم فاخرج. ثم قال لأمه: كيف رأيت يا بنت قرظة؟. ثم استدعى ابن ميسون يزيد.

فقال: إني قد بدا لي أن أعطيك كل ما تسألني في مجلسي هذا، فسلني ما بدا لك، فخر يزيد ساجداً، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه في هذا الرأي، حاجتي يا أمير المؤمنين أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صائفة المسلمين، وتأذن لي في الحج إذا رجعت، وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة دنانير كل رجل في عطائه، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتعرض لأيتام بني جمع، وأيتام بني سهم، وأيتام بني عدي.

فقال معاوية: ما لك ولأيتام بني عدي؟. قال يزيد: لأنهم حالفوني وانتقلوا إلى داري. فقال معاوية: قد فعلت ذلك كله وقبل وجهه، ثم قال لفاختة بنت قرظة: كيف رأيت؟. فقالت: يا أمير المؤمنين أوصه في، فأنت أعلم به مني.
أقرأ أيضاً:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved