عن قصة المسرح والديمقراطية وصنع الحرب الثقافية.. كتاب جديد يُظهر قوة الفن فى تغيير المجتمعات

آخر تحديث: الجمعة 5 يوليه 2024 - 7:26 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

صدر فى السادس من شهر يونيو الجارى كتابًا جديدًا لأستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن والمتخصص فى الدراسات الشكسبيرية، جيمس إس. شابيرو، يحمل عنوان «كتاب اللعب: قصة المسرح والديمقراطية وصنع الحرب الثقافية» سرد من خلاله كواليس قيام وانهيار مشروع الفن اللى فى الولايات المتحدة الأمريكية والذى كان جزءًا من برنامج «الصفقة الجديدة» لتمويل الفنون المرئية فى الولايات المتحدة، والذى تم إنشاؤه ليس فقط كنشاط ثقافى، ولكن كوسيلة لتوفير سبل الإعاشة والوظائف للفنانين والحرفيين فى مختلف أنواع الفن؛ كالرسم والنحت والفن الجرافيكى والملصقات والتصوير الفوتوغرافى والفنون والحرف اليدوية، وأيضًا المسرح وهو أب الفنون.
وفى البداية، قال «شابيرو» إن إدارة الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت أنشأت مسرحًا وطنيًا خلال فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى شهدته أمريكا كجزء من «الصفقة الجديدة»؛ وهى عبارة عن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التى قدمها الرئيس «روزفلت» عام 1933 فى مواجهة الكساد الكبير وكانت تهدف إلى استقرار الاقتصاد الأمريكى.
وصوّر المؤلف، الحائز على جائزة «بيلى جيفورد» الأدبية عن روايته «1599: عام فى حياة ويليام شكسبير»، هذا الجهد الخاص بالرئيس الأمريكى الراحل منذ بداياته المتواضعة وحتى نجاحاته القياسية فى جذب الجمهور، وريادته فى اختيار الممثلين، وأيضًا الحرب الثقافية التى تلت ذلك والتى أدت إلى حل المسرح فى النهاية.
ولعل من الأفضل أن نفهم أن تفكك المسرح بدأ على يد عضو الكونجرس الانتهازى مارتن دايس الذى قاد «اللجنة الخاصة للأنشطة غير الأمريكية»، وهى هيئة تم إنشاؤها بغرض معلن (على الورق) لمكافحة التعاطف مع التنظيم الشيوعى فى الحكومة، ولكنها كانت فى حقيقة الأمر قامت كوسيلة لإحباط الصفقة الجديدة وإبقاء أجندة «روزفلت» التقدمية تحت السيطرة.
وذكر المؤلف واقعة استجواب لجنة «دايس» التابعة للجنة الأنشطة غير الأمريكية فى مجلس النواب بعد الحرب العالمية الثانية للمنتجة والكاتبة المسرحية، هالى فلانجان، التى كانت تعمل كمديرة للمسرح اللى طوال مدة قيامه، وحدث أنه خلال الاستجواب قام أحد أعضاء الكونجرس بسؤال «فلانجان» بنية استفزازها عن ما إذا كانت مارلو (وهى شخصية معاصرة لشكسبير ماتت منذ فترة طويلة) شيوعية؟ مما تسبب فى أن ضجت قاعة المحكمة حينها بالضحك.
وكشف «شابيرو» عبر صفحات كتابه الجديد عن الطبيعة المسرحية فى الأساس لجلسات الاستماع السياسية، والتى ضمت بعض الممثلين الجيدين، والآخرين السيئين، وبعض ممن كانوا يتوقون إلى إخراج المبادرة عن مسارها دون فهم واضح للإبداع والإنتاج المسرحى.

جدير بالذكر أن المسرح اللى كان نشطًا لمدة أربع سنوات فقط، ولكنه قدم أكثر من ألف عمل فنى فى 29 ولاية أمريكية وشاهده ما يقرب من 30 مليون شخص، وقد تم إنجاز هذا العمل الفذ وسط ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض عدد مشاهدى المسرح بسبب صعود السينما، فضلاً عن المحاولات النشطة لتقويض المشروع من قبل العديد من الجهات السياسية.
وكان برنامج «روزفلت» المسرحى رائدًا حقًا وراديكاليًا اجتماعيًا، وكانت باكورته هى عرض مسرحى لرائعة شكسبير «ماكبيث»، وكان جميع الممثلين المشاركين فى ذلك العرض من ذوى البشرة السمراء، ولقد نالت المسرحية استحسان جميع النقاد على اختلاف ألوان بشرتهم على الرغم من المخاوف الأولية من أنها قد تكون «مثالاً آخر على استغلال أصحاب البشرة السمراء فى الأعمال الفنية أو تقديمهم بشكل مهين».
وفى الواقع، فتلك المخاوف لم تكن بعيدة كل البعد عن الحقيقة: فعلى سبيل المثال ذكرت مصممة الرقصات تاميريس (المعروفة أيضًا باسم هيلين بيكر) أنها ستقوم بتصميم العديد من الرقصات للزنوج لأنها تفهم طبيعة الشعب الزنجى جيدًا وذلك خلال أحد العروض الراقصة الذى تمحور حول أغانى الاحتجاج الزنجية وكان يحمل اسم «إلى متى أيها الإخوة»، ومن المعروف أن استعمال لفظة «زنجى» يعبر عن الإهانة لأصحاب البشرة السمراء فى الثقافة الشعبية الغربية.
على أية حال، لم يمض وقت طويل قبل أن يصبح المسرح اللى ــ والذى كان يربط بين أطياف الشعب الأمريكى فى وجه الانقسامات السياسية والاقتصادية والعنصرية القديمة ــ فى مرمى هجمات أعضاء الكونجرس المحافظين، وادعى «دايس» أنه «لا يسعى للشهرة ولا يتدخل فى الحبكات الفنية» ولكن اللجنة «لن تسمح بأى تمثيل يصور اغتيال شخصية هامة أو معروفة أو سياسية على خشبة المسرح» أو أى «تشويه للأبرياء».
ولكن هذا هو على وجه التحديد ما حدث على مدى الأشهر الستة التالية؛ حيث ضربت «فلانجان» بكلامها مع اللجنة عرض الحائط، ونبذت كل معايير الحياد فى العروض المسرحية، واعتبرتها مساحة حرب شخصية ضد رجال السياسة الذين تلاعبوا مرارًا بما قالته أو منعوها من تقديم إجابات مناسبة خلال الاستجوابات، ولكنها فى الواقع أدت إلى قلب الرأى العام ضدها مما دفع بالرئيس «روزفلت» فى يونيو 1939 لإغلاق المسرح.
وفى الختام، وجب التنويه إلى أنه على الرغم من كل ما كان يعانيه مشروع الفن الفيدرالى من العنصرية العلنية والتدخل السياسى، فقد نجح فى إنشاء مسرح حقيقى تمكن من رفع الوعى لدى أفراد الشعب الأمريكى مع وجود قوة عاملة متكاملة عنصريًا (من الممثلين إلى المصممين والمخرجين والراقصين والفنيين) حتى وإن دام لفترة زهيدة.
والأهم من ذلك، أنه قدم نموذجًا لهذا النوع من الصدام الثقافى الذى استمر طوال العقود التى تلت ذلك، وقد أشار الكاتب إلى محاربة مشروع الفنون الذى بدأ فى عهد الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، ليندون جونسون، والذى ما زال يتعرض للهجوم حتى يومنا هذا، موضحًا أن قائمة أسباب إلغاء برنامج الفنون الفيدرالى هذا التى أعدتها مؤسسة التراث المحافظة تُظهر مدى ضآلة التغير الذى طرأ على قواعد اللعبة اليمينية منذ عام 1938؛ ألا وهى حقيقة أن دعم دافعى الضرائب للفنون ليست سوى أجندة سياسية تهدف لرعاية النخب الثقافية، وتروج للمزيد من أنماط التعددية الثقافية والصوابية السياسية (وهو مصطلح حديث يستخدم لتجنب استعمال اللغة أو المفردات أو السياسات أو السلوكيات التى قد تكون مسيئة لأفراد مجموعات معينة فى المجتمع)، وتحط من قيم الأمريكيين العاديين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved