يحكي اللواء أسامة المندوه، ضابط الاستطلاع المصري خلال حرب أكتوبر، ووكيل أول جهاز المخابرات العامة الأسبق، والذي أصدرت دار الشروق مؤخرًا كتابه «خلف خطوط العدو»، قصة زرع مجموعة استطلاع تتكون من 3 أفراد خلف خطوط العدو بأكثر من 100 كيلو متر، في مهمة كان من المفترض أن تستغرق 9 أيام، إلا أنها امتدت إلى 6 أشهر.
وقال «المندوه»، خلال لقائه ببرنامج «صباح الخير يا مصر»، المذاع عبر شاشة التليفزيون المصري، الخميس: «جاءت اللحظة المناسبة التي كنا ننتظرها وهي لحظة عبور القناة في 6 أكتوبر، ووضعت مجموعات خلف الخطوط بالعشرات في سيناء، وكنت في مجموعة منهم، وتلقينا التلقين النهائي للمهمة ليلة الحرب، وكانت مجموعتي 3 أفراد فقط، 2 عسكريين ومواطن مصري من سيناء سيلتقينا في المطار ليكون دليلًا لنا، وعندما ذهبنا للطائرة تعجب الطيار من قلة عددنا ونظر إلينا بإشفاق لأننا سنوضع على بعد 100 كيلومتر من القناة خلف الخطوط، فهونت على نفسي وقلت له إنها مهمة خاصة».
وتابع أنه كان من المقرر أن تنطلق الطائرة وتعبر قناة السويس ووقتها كانت تعبر القوارب والدبابات، وطائرات الهليكوبتر وقتها لم يكن بها أجهزة ملاحة ليلية، متابعًا: «ولكن الحمد لله، المخطط اللي اختار العاشر من رمضان كانت ليلة قمرية، وكنا نرى خط السير، وأخبرني الطيار أننا اقتربنا للمنطقة وطلب مني اختيار منطقة للنزول، وكانت الطائرة لا تهبط على الأرض ولكن تعلو لمسافة تمكننا من القفز بأقدامنا وليس بمظلات، وهذا تطلب منا تدريبا شاقا في الفترة ما بين 1967 و1973».
وأشار إلى طلب قائد الكتيبة منه أن يتواجد في المنطقة، وهي منطقة حاكمة تسيطر على الطريق الأوسط الذي هو أحد 3 طرق رئيسية لتقدم أي قوات مندفعة نحو الجبهة، موضحًا أن الممر الأوسط هو الأساسي ويقع بقرب قاعدة المليز الجوية وهي القاعدة الرئيسية للإمداد وتقديم الدعم الجوي للقوات الإسرائيلية على الجبهة، بالإضافة إلى وجود مركز قيادة وسيطرة للقوات الإسرائيلية في جبل أم مرجم، وهو ما يجعل هذا المكان حاكمًا وحيويًا.
وأوضح أن «المهمة كانت مدتها 9 أيام، لأنه خلال هذه المدة ستطور القوات المصرية -التي عبرت القناة- الهجوم للوصول إلى شرق المضايق، وعندها سننضم إليهم وتكون المهمة قد انتهت، إلا أن الـ9 أيام امتدوا إلى 6 أشهر، ومجموعتي عادت من المهمة يوم 12 مارس 1974»، مشيرًا إلى استقبال المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية وقتئذ، وأنه قال له مبتسمًا: «المهمة كانت 9 أيام وصلت إلى 6 شهور، وابتسم هو أيضًا وقال لي القتال لم يتوقف، والناس التي كانت تعتقد أننا توقفنا في 14 أو 20 أكتوبر مخطئين، القتال لم يتوقف ولا يوجد قائد يقفل حنفية معلومات وقواته في أمسّ الحاجة لأي معلومة تأتي، وقال ثقتنا كانت كبيرة فيكم وفي قدرتكم على تنفيذ المهمات المكلفين بها، ولما وقعنا اتفاقية فصل القوات استدعيناكم».
وأضاف أنه عندما خرج للمهمة كان معه تعيينات ومياه وذخيرة ومهمات مثل الأفارول تكفي لـ9 أيام فقط، ولكن المدة امتدت 6 أشهر، مؤكدًا أن المجموعة لم تكن تستطيع أن تصل بمدة العمل لـ6 أشهر دون دعم لوجيستي من المصريين في سيناء، متابعًا: «المياه خلصت خلاص، والمنطقة التي أحكي عنها كانت منطقة محظورة على السكان لأنها منطقة عسكرية مغلقة ولا يمكن لأحد أن يتحرك والقوات العسكرية المحتلة كانت تعاملها عنيف وشاذ، وكان من يعرف تفاصيل المجموعة عدد قيليل جدًا من أقارب "الشيخ حسب الله" الدليل الذي كان برفقتنا».
واستطرد: «الأكل كان عبارة عن جوال من الدقيق ويوضع في مغارة في المنطقة وأيضًا كميات من الشاي والمياه، وكانت وجبة واحدة فقط عبارة عن خبز، والوجبة الأساسية والوحيدة في رمضان وغيره، هي خبز يخبز على الأرض ونأكله».
وأضاف: «بعد العودة سؤال واحد سأله لي المشير أحمد إسماعيل، قال أي طلب تطلبوه ينفذ فورًا، فقلت مش عايز حاجة، فاستغرب من الإجابة وأنا مكنتش عايز فعلًا حاجة، فقال لمدير المخابرات العسكرية أن يأخذني لمكتبه ويسألني مرة تانية لو عايز حاجة، فلما ذهبنا للمكتب قال لي بعنف "وزير الحربية بعد انتصار أكتوبر بيقولك عايز حاجة وتقوله مش عايز حاجة؟"».
وأشار اللواء المندوه إلى حصوله على وسام النجمة العسكرية قبل انتهاء المهمة، في الحفلة التي خطب فيها الرئيس أنور السادات، وقلد فيها المشير أحمد إسماعيل نجمة سيناء.
وكانت «دار الشروق» أطلقت الثلاثاء الماضي، كتاب «حلف خطوط العدو»، للواء أسامة المندوه، والذي حرره ووثقه الكاتب الصحفي، خالد أبو بكر، مدير تحرير جريدة «الشروق»، في حفل بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، ويتناول بطولة مجموعة من رجال الاستطلاع خلف خطوط العدو، وبقائهم هناك لشهور طويلة خلال حرب 6 أكتوبر 1973.