ماكرون يعلن حقبة جديدة لأوروبا: تصعيد ضد روسيا وخطة دفاعية غير مسبوقة

آخر تحديث: الخميس 6 مارس 2025 - 12:30 م بتوقيت القاهرة

هايدي صبري

تصدر خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشهد الإعلامي في فرنسا، حيث أثار جدلاً واسعًا بعد إعلانه عن إمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، وطرحه لخطة استثمارية ضخمة في قطاع الدفاع الأوروبي، دون زيادة الضرائب، بل عبر "إعادة تخصيص الموارد في الميزانية".

يأتي هذا الخطاب في توقيت حساس، عشية قمة أوروبية استثنائية في بروكسل، تسعى لتحديد مستقبل الدعم الأوروبي لأوكرانيا، وسط تصاعد المخاوف من تراجع الالتزام الأمريكي في مواجهة روسيا.

وفي ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة، طرح ماكرون رؤية تتطلب من الفرنسيين "القوة المعنوية" والاستعداد لتضحيات اقتصادية، في وقت تدخل فيه أوروبا "حقبة جديدة" من الاضطرابات الأمنية والسياسية.

مقاربة تاريخية للتضحيات الوطنية

من جانبها، شبهت صحيفة "لوموند" الفرنسية الخطاب، بأنه يستحضر أصداء إعلان تاريخي آخر: في 16 يناير 1991، عندما خاطب الرئيس الفرنسي آنذاك، فرانسوا ميتران، الشعب الفرنسي بوضوح، معلنًا أن حرب الخليج التي كانت فرنسا على وشك خوضها "ستتطلب الكثير من الشعب الفرنسي"، مؤكدًا: "يجب أن تكونوا على يقين بذلك. حماية الحق في الخليج، في الشرق الأوسط، رغم بعده عنا، مسؤولية يجب تحملها".

كما رأت الصحيفة الفرنسية أن ماكرون، بدوره، يبدو أنه يسير على نفس النهج، محذرًا من التحديات القادمة، ومؤكدًا ضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية حاسمة لضمان أمن فرنسا في ظل التهديدات المتصاعدة.

وظهر الرئيس الفرنسي مرتديًا ملابس سوداء، مخاطبًا الفرنسيين "المُحقّين في قلقهم" إزاء التقارب المتزايد بين الولايات المتحدة وروسيا على حساب أوكرانيا، وهو تحول استراتيجي يفرض على أوروبا دخول "حقبة جديدة"، وفقًا لماكرون.

ماكرون يهيئ فرنسا لتضحيات مالية

وقالت الصحيفة الفرنسية إن ماكرون استخدم في الخطاب، عبارات قوية لوصف الوضع الدولي الراهن. وإذ أعلن دخول العالم في "حقبة جديدة" حيث "يعود التهديد من الشرق"، سعى ماكرون إلى تهيئة الرأي العام لقرارات مالية جذرية لتمويل جهود الدفاع.

تصعيد اللهجة ضد موسكو ورفض "سلام مفروض"

في خطابه المتلفز مساء الأربعاء، حذّر ماكرون بشدة من "التهديد الروسي"، مشيرًا إلى أن "عدوانية روسيا لا يبدو أن لها حدود".

وأكد أن أوروبا لم تعد تملك رفاهية الوقوف كمتفرج في عالم يزداد اضطرابًا، مشددًا على أن "السلام لا يمكن أن يكون إملاءً روسيًا، بل يجب أن يكون مشروطًا باحترام السيادة الأوكرانية".

جاء هذا الخطاب في وقت تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتسريع المفاوضات مع موسكو، مما يثير مخاوف من احتمال تقديم تنازلات للكرملين على حساب أوكرانيا.

وأضاف: "إذا كانت أمريكا بقيادة دونالد ترامب لا تزال حليفتنا، فإن روسيا أصبحت تهديدًا لأوروبا"، مشددًا على أن "البقاء مجرد متفرجين في عالم مليء بالمخاطر سيكون ضربًا من الجنون".

تحذيرات ودعوات لمواجهة "المرحلة الجديدة"

أكد ماكرون أن فرنسا وأوروبا أمام مرحلة فاصلة، تتطلب تعزيز الإنفاق الدفاعي لضمان الأمن والاستقلالية الاستراتيجية. وفي هذا السياق، دعا القادة الأوروبيين إلى تبني مقترح فرنسي سابق يسمح بزيادة الإنفاق العسكري للدول الأعضاء دون أن يؤثر ذلك على نسب العجز المالي لديها.

كما كشف الرئيس الفرنسي عن خطة تهدف إلى تعزيز الإنتاج العسكري الأوروبي، عبر "تمويل مشترك ضخم" لشراء وتصنيع الذخائر والأسلحة المتطورة داخل القارة، في خطوة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الإمدادات الخارجية.

ردود فعل غاضبة من موسكو وكييف

لم تتأخر موسكو في الرد على خطاب ماكرون، حيث وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تصريحاته بأنها "منفصلة عن الواقع" وتتناقض مع مواقفه السابقة.

على الجانب الآخر، رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالموقف الفرنسي، لكنه شدد على ضرورة "مواصلة الضغط على روسيا دون منحها فرصة لالتقاط الأنفاس"، وذلك بعد هجوم صاروخي روسي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة كريفي ريه الأوكرانية، من بينهم مواطنون أمريكيون وبريطانيون يعملون في منظمات إنسانية.

 


اهتمام إعلامي واسع وترقب أوروبي

حظي خطاب ماكرون بمتابعة استثنائية، حيث بلغ عدد المشاهدين حوالي 15.1 مليون شخص عبر مختلف القنوات، ما يعكس مدى اهتمام الفرنسيين بتوجهات بلادهم في ظل الأوضاع الدولية المتوترة.

وفي الوقت نفسه، يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي بالرئيس الأوكراني زيلينسكي في قمة استثنائية ببروكسل، تركز على تعزيز الدفاع الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية.

ووفقًا لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، فإن "أوروبا تواجه خطرًا واضحًا وحاضرًا لم تشهده بهذا الحجم منذ عقود".

خطة أوروبية بـ 800 مليار يورو لتعزيز الدفاع

في ظل تزايد التحديات الأمنية، أعلنت المفوضية الأوروبية عن خطة لإعادة تسليح أوروبا بميزانية تصل إلى 800 مليار يورو، بهدف تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية وتحقيق استقلالية استراتيجية بعيدة عن الضغوط الأمريكية. ومن المتوقع أن تحظى هذه الخطة بموافقة مبدئية خلال القمة الأوروبية المقبلة.

هل أوروبا مستعدة لمرحلة جديدة من المواجهة؟

تساءلت وسائل الإعلام الفرنسية، مثل "لوموند" و"فرانس إنفو"، عما إذا كانت أوروبا قادرة بالفعل على تحقيق استقلاليتها الدفاعية، أم أن الانقسامات الداخلية وتقلب المواقف الأمريكية ستعرقل جهودها في مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة.

في نهاية المطاف، يبدو أن خطاب ماكرون ليس مجرد تحذير، بل هو خطوة أولى نحو إعادة تشكيل السياسة الدفاعية الأوروبية، في مواجهة عالم بات أكثر خطورة من أي وقت مضى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved