قاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين: البحث عن أصل الأشياء فى عصر ما قبل «جوجل»

آخر تحديث: السبت 6 أبريل 2019 - 10:05 ص بتوقيت القاهرة

كتبت ــ شيماء شناوى:

فى عام 1938، طلب القائمون على رئاسة تحرير مجلة الإذاعة، من الكاتب والمفكر والمؤرخ أحمد أمين، كتابة مجموعة من المقالات المسلسلة، ليظل السؤال الذى يشغل باله، فى أى الموضوعات أكتب سلسلة لا يمل القراء من متابعتها، بل ينتظرون البقية منها فى شغف؟، ومن هنا هداه تفكيره إلى الكتابة عن «العادات والتقاليد المصرية» وأن يطلق على سلسة المقالات اسم «دائرة المعارف المصرية»، لتتضمن الأمثال والتعابير والمصطلحات التى قيلت وينطق به المصريون فى الأحاديث اليومية العادية، وقد اقترب بعضها من التلاشى من ذاكرة الأجيال، وهى فى أصلها كلمات تحمل دلالات ومعانى ومفاهيم وثقافة واضحة.
بدأ أحمد أمين سلسلة المقالات بحسب ترتيب حروف الهجاء، فتكون الانطلاقة عند حرف الألف، والكلمة هى «الأبرة»، ليتبعها بقائمة كلمات أخرى وتفسيرها، ومنها «آدى آخرتها: تعبير يقال عن نتيجة تعقب العمل السيئ»، و«آدى زمان البدنجان: يعتقدون أنه فى زمان البذنجان يكثر الجنون»، و«آدى الزير وآدى غطاه: تعبير يعنى أنهما متناسبان؛ أى أن البرهان حاضر».
وهكذا تستمر مقالاته التى وصلت إلى 14 مقالة، قبل أن يتوقف عنها، بعد أن تم اختياره عميدا لكلية الآداب 1939، وينصحه البعض أن يتوقف عن المتابعة، بحجة أن هذه المقالات تتنافى مع جلال العمادة، ليقول أحمد أمين فى مقدمة كتابه «كانت فى اعتقادى أجل من عميد».
تمضى السنوات ويترك أحمد أمين منصب العمادة، ليلتقى بعد ذلك بأحد القراء، فيسأله: هل كتبت فى مجموع مقالاتك هذه شيئا عن «أبى على» و«أم على» وما معناهما؟ ليكون ذلك السؤال فى اللقاء العابر بمثابة الجسر الذى يجعل «أمين» يستكمل ما تركه فى الماضى.
أربع سنوات لاحقة قضاها أحمد أمين فى جمع المفردات والأمثال التى يكتب عنها، كانت الاستعانة الكبرى له فيها على الذاكرة، قائلا: ساعدنى فى ذلك أنى تربيت فى حارة بلدية، تكثُر فيها العادات والتقاليد، وقد منحنى الله ذاكرة طيبة حفظت ما كان يجرى أمامها حتى مع التقدم فى السن، فأخذت أستذكر ما مضى، وكلما ذكرت كلمة أو عادة، قيدتها من غير ترتيب، وأحيانا كنت أفكر فيه وأنا نائم، فتأتينى فكرة عادة من العادات، أو تعبير من التعابير، فأستيقظ وأوقد المصباح وأكتب فى مذكراتى ما تذكرت حتى لا أنساه فى الصباح».
ويحكى أحمد أمين أن أحد الأسباب الأخرى التى جعلته مصرا على استكمال مشروعه فى كتابة «قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية» أنه كان يجلس مع صديقه الأديب توفيق الحكيم، ليجده يقص عليه أن مستشرقا فرنسيا أراد أن يترجم كتاب «يوميات نائب فى الأرياف» فوقف عند ترجمة كلمة «كوز ذرة» وتساءل: ما معنى كلمة «كوز»، ولأنه لم يعرف فترجمها بكلمة «كوب من الذرة» وبذلك انحرف عن المعنى الأصلى، ليقول «فلفت ذلك نظرى إلى أن هؤلاء المستشرقين وأمثالهم فى حاجة إلى شرح التعابير الشعبية، فأخذت أجمع هذه التعابير وأشرحها ولكنى وجدتها كثرية جدا، تحتاج إلى سنين فى جمعها فاكتفيت منها بعرض نماذج وتركت لمن يأتى بعدى حصرها والبحث فى إرجاعها إلى أصلها الذى أخذت منه، ثم ترتيبتها على حروف المعجم»، ليشير إلى أن ما قام به من جهد سينفع المؤرخ الصادق، وكل مهتم بالتاريخ، وذلك لأن العادات والتقاليد دلالة على نوع الأخلاق ونوع العقلية للشعوب، وأن فى التعابير الشعبية من أنواع البلاغة ما لا يقل شأنا عن بلاغة اللغة الفصحى.
فى قاموس العادات والتقاليد يقدم العلامة أحمد أمين مرجعا لا غنى عنه لكل مهتم بالثقافة والتاريخ والاجتماع واللغة. وجمع فيه عددا هائلا من العادات والتقاليد المصرية فى المأكل والملبس والمشرب والعلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى أهم التعبيرات العامية سواء كانت قادمة من لغات أخرى وتم تعريبها، أو تلك التى تطورت عن شكلها القديم فى الفصحى فاتخذت شكلا جديدا فى مفرداتها أو فى قواعد تركيبها. فجمع بذلك بين تسلية الحكايات ودقة البحث الذى يسجل ظواهر لم يلتفت إليها كثيرون من المؤرخين وعلماء اللغة على الرغم من أهميتها البالغة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved