الحيوان في القرآن (3).. الحوت الذي أنقذ النبي يونس من ظلمات البحر

آخر تحديث: الأربعاء 6 أبريل 2022 - 4:32 م بتوقيت القاهرة

بسنت الشرقاوي

"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"، من منطلق هذه الآية الكريمة، تستعرض "الشروق" خلال الـ10 أيام الأوائل من شهر رمضان سلسلة "الحيوان في القرآن".

نستعرض خلال الحقلة الرابعة من السلسلة، القصة الكاملة للحوت مع سيدنا يونس عليه السلام، الذي مكث في بطنه كأحد معجزات الله تعالى.

• رسالة يونس عليه السلام

يرجح العلماء أن النبي يونس بعث إلى أهل الموصل في العراق، وأن أصله ينحدر لجده التاسع النبي إسحاق عليه السلام، الذي عاش في أرض كنعان، وهي فلسطين ولبنان وأجزاء من الأردن وسوريا حاليا.

ويقول أهل التفسير إن النبي يونس عليه السلام بعث إلى أهل مدينة نينوي في أرض الموصل في العراق حاليا، فدعاهم إلى الله عز وجل، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه وعدهم بحلول العذاب، فلما خرج يونس من بين قومه، وتحققوا نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما بدر منهم إلى نبيهم.

يقول الله تعالى: "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا"، وقوله تعالى في سورة يونس: "إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ".

• يونس يعصي الله فابتلعه الحوت

يقول المفسرون إن يونس عليه السلام غضب من عناد قومه وقرر تركهم، فوجد سفينة ربانها رجل صالح، فسأله الركوب فيها، فسمح له، فلما سارت السفينة في البحر، لجت بهم (تمايلت يمينا ويسارا)، واضطربت وماجت وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، فاتفق جميع من فيها على تخفيف الحمل حتى لا تغرق السفينة، والتزموا بإجراء قرعة، ومن تقع عليه؛ يلقوه من السفينة، فلما اقترعوا وقعت على نبي الله يونس، فلم يسمحوا بإلقائه، فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضًا، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه، فأبوا مرة ثانية، ثم أعادوا القرعة مرة ثالثة فوقعت عليه أيضًا، فعلم النبي يونس أن الله تعالى يريد به أمرا عظيما.

ولما أُلقي يونس عليه السلام في البحر، بعث الله له عز وجل حوتًا عظيمًا فالتقمه، وأمره الله تعالى ألا يأكل لحم النبي يونس، ولا يهشم عظمه، فأخذ الحوت سيدنا يونس عليه السلام في بطنه وطاف به البحار كلها، وقيل إن ذلك الحوت ابتلع واحدا آخر أكبر منه، ولما استقر يونس في جوف الحوت حسب أنه قد مات، فحرك جوارحه، فتحركت، فإذا هو حي، فخر لله ساجدًا وقال: "يارب اتخذت لك مسجدًا لم يعبدك أحد في مثله".

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ".

سار الحوت بالنبي يونس في ظلمات البحر، لكن اختلف العلماء في مقدار الفترة التي قضاها في بطنه، فقيل إنه "التقمه ضحى ولفظه عشية (أي في يوم)"، وقال ابن قتادة إن "يونس مكث في بطن الحوت 3 أيام"، وقال الإمام جعفر الصادق "7 أيام"، وهناك رأي آخر يقول إن "يونس عليه السلام مكث في بطن الحوت 40 يوما"، ويشهد بذلك شعر أمية بن أبي الصلت، فيما قال سعيد بن أبي الحسن، والإمام أبو مالك، إنه "مكث في جوفه 40 يومًا"، والله أعلم مقدار ما لبث يونس بداخل الحوت.

وقيل إنه لما أخذ الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج الأحاجي، سمع يونس تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، وما تحت الثرى.

• التسبيح ينقذ يونس من ظلمات الحوت

روى الإمام ابن جرير في تفسيره، عن عبدالله بن رافع مولى عن سلمة أنها قالت: "سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: (لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحمًا ولا تكسر عظمًا، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًا فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر، قال فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة، قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح!، قال: نعم، قال: فشفعوا له، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل)".

وكان النبي يونس يسبح ربه في بطن الحوت فيقول: "اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، حيث يروى عن رسول الله أنه قال إن "دعوة يونس هذه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له".

• يونس يخرج من بطن الحوت منبوذا في العراء

لما أذن الله، أمر الحوت لفظ يونس عليه السلام على شاطيء البحر، وهو عار بدون ملابس، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيْمٌ"، أي ضعيف البدن، ثم يقول الله: "وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ"، وهنا ظهر فضل وكرم الله تعالى على يونس عليه السلام، الله رزقه بكسوة من فاكهة اليقطين وهي القرع، الذي يتميز بورقه الغاية في النعومة، والكثير والظليل، والذي لا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نيًا ومطبوخًا بقشره وبذره أيضًا، وفيه نفع كثير، وتقوية للدماغ، وغير ذلك، حسبما ورد الإمام ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، وقتادة.

اقرأ أيضا:

الحيوان في القرآن (2).. بقرة بني إسرائيل التي جعلت رجلا ميتا ينطق بالحق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved