«الثورة» تمحو «شرعية أكتوبر» التى احتمى بها مبارك.. ومرسى «حائر» بين شرعيتين
آخر تحديث: السبت 6 أكتوبر 2012 - 11:40 ص بتوقيت القاهرة
إسماعيل الأشول
لثلاثين عاما، وعلى مدار حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، منذ بدايته، عام 1981، وحتى نهايته فى الحادى عشر من فبراير عام 2011، ظلّت ذكرى نصر السادس من أكتوبر فى كل عام، وقفا على تمجيد «صاحب الضربة الجوّية الأولى»، باعتبارها الإنجاز الأكبر الذى عزز به مبارك «شرعيّة حكمه».
فيما خفت الحديث عما يسمى بـ«شرعية أكتوبر» العام الماضى، فى ظل إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، وبينما تحين ذكرى المعركة المجيدة فى عيدها التاسع والثلاثين، تبرز إشكالية «الشرعيّة» مرة أخرى، فى ظل الخلاف القائم حول نسبة شرعيّة الرئيس الحالى الدكتور محمد مرسى إلى «الثورة» أو إلى «الصندوق الانتخابى» أو التشكيك فى شرعيته من الناحيتين، فضلا عن الجدل حول العلاقة التى تجمع بين شرعيات الحكم المصرى فى مراحله المختلفة «تجاور أم تناحر»..
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة، قال: «لا أتفق مع من يتحدثون عن شرعيّة الثورة، فالرئيس السادات نفسه أطلق على حركة 15 مايو وتصفية خصومه بالثورة، كلمة «الثورة» لا يجب أن يعتد بها فى الخطاب السياسى الصادر عن النخبة، وخصوصا الخطاب الرسمى، فعندما يقال إن هناك شرعية الثورة أو شرعية أكتوبر، أو غيرهما، فهذا كلام لغو ولا أساس له ولا يوجد شىء اسمه شرعية أكتوبر أو 15 مايو أو حتى شرعية الثورة الآن، لأن الثورة لا يمكن الاعتداد بشرعيتها إلا إذا كان من قاموا بها قد استولوا على السلطة بأنفسهم ويديرون البلاد استنادا لهذه الشرعية.
ويضيف نافعة: «مرسى لم يأت بشرعية الثورة لأن الثورة لم تختره ممثلا لها فى منصب رئيس الجمهورية، الذى جاء بمرسى فى منصبه هو صناديق الانتخابات، فهو فاز بعد معركة انتخابية خاضها ضد 13 مرشحا، وبالتالى «الصندوق» هو شرعيته الوحيدة، وهو أول رئيس يتم انتخابه عبر انتخابات حرة ونزيهة، وبالتالى لا يجب الخلط والحديث عن تصارع شرعيات هنا، لأنه فى أى نظام ديمقراطى الشرعية الوحيدة هى صناديق الانتخابات.
وتابع نافعة: «أما الكلام عن شرعيّة أكتوبر، فقد تم استخدامها لتبرير اختيار حسنى مبارك نائبا للرئيس ثم توليه السلطة عقب اغتيال السادات، تم توظيفها لتبرير اختيار مبارك بالذات، وحتى فى هذا السياق، من الذى يحدد شرعية أكتوبر؟ هل كان مبارك أبرز ضباط الجيش أو أشجع من قادوا الحرب فى أكتوبر؟ على الاطلاق، فقد كان هناك عدد من القيادات الأفضل منه والأكثر مهنية منه والأكثر كفاءة والتى كان لها النصيب الأوفر فى صنع نصر أكتوبر ولم يتم اختيارها لمنصب النائب، وبالتالى هذا حديث مزاجى».
وعن العلاقة بين شرعيات الحكم المختلفة ما قبل ثورة يناير وما بعدها، تابع نافعة «مرحلة ما بعد يناير بالتأكيد منفصلة عما سبقها من مراحل تاريخية، الخلاف الآن حول، هل نحن فى الجمهورية الثانية أم الثالثة؟ القول بأننا فى الجمهورية الثانية ونعتبر أن الفترة من 1952 حتى 2011 مرحلة واحدة، فيه ظلم كبير للرئيس جمال عبدالناصر، لأن ثورة يوليو 52 انتهت بوفاة عبدالناصر، ولذا يمكن اعتبار الفترة من 1952 حتى عام 1970 هى الجمهورية الأولى، أما فترتا السادات ومبارك فكانتا متشابهتين سواء فى السياسات أو فى طريقة اختيار الرئيس وتلك كانت الجمهورية الثانية، وما بعد يناير هى الجمهورية الثالثة».
عن العلاقة بين الشرعيات المختلفة، تجاور أم تناحر، أجاب نافعة «تاريخ مصر ممتد لكننا ندخل مرحلة جديدة بكل المعايير، لأن هناك ثورة شعبية حقيقية وكبيرة تجب ما قبلها من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الانتخابات التى جرت بعدها أفرزت أو أعطت مفاتيح السلطة لقوى سياسية تتناقض تماما مع ثورة 23 يوليو ومخالفة لها وبالتالى على هذين المستويين فى مرحلة جديدة بالمطلق».
وبالتزامن مع حلول الذكرى التاسعة والثلاثين لنصر أكتوبر، وحول إمكانية توظيف هذا النصر سياسيا فى ضوء الواقع الراهن، قال نافعة «لا يمكن ذلك من وجهة نظرى، نحن فى ثغرة يناير، مثلما حدثت ثغرة الدفرسوار بعد عبور أكتوبر العظيم، حدثت الثغرة بعد العبور العظيم فى يناير تمثلت فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 30 مارس، الذى أدى إلى تشكيل برلمان قبل كتابة الدستور، وكانت هذه هى الثغرة الكبرى التى مازلنا نعيشها الآن ، إلى أين تقودنا؟ إلى ما نحن فيه الآن، ولا نعرف كيف سنخرج من هذه الثغرة السياسية الخطيرة».
شرعية مرسى
قال الدكتور رشاد بيومى نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين لـ«الشروق» «الرئيس محمد مرسى يحكم بشرعية ثورة يناير، وهناك فارق بينها وبين الشرعيات والمراحل التاريخية التى سبقتها، لأنها شرعية ثورية أنتجت حكما مدنيا.وعن إمكانية توظيف نصر أكتوبر سياسيا فى ضوء الواقع الراهن قال بيومى «يجب توظيفه لدعم الشرعية المدنية التى أنتجتها تراكمات طويلة المدى أنتجت كما كبيرا جدا من الانفجار الشعبى الذى انتهى بهذه النتيجة الطيبة بشرعية جديدة مدنية جديدة لدولة دستورية وقانونية.
المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، عضو الجمعية المصريّة للدراسات التاريخية قال: «كل شرعية لها ظروفها ويتضح هذا من السياسات التى ينتهجها الثوار أيا كانوا، فشرعية ثورة يوليو معروفة، الضباط الأحرار من الطبقة الوسطى قاموا ضد النظام الملكى وضد الاحتلال البريطانى، وبالتالى كانت سياساتهم فى صالح العمال والفلاحين، أما الحديث عن شرعية ثورة 25 يناير بالنسبة للرئيس محمد مرسى فهى شرعية مشكوك فيها، بمعنى أن الذين يحكمون الآن ليسوا من الثوار، شرعية الثورة تكون بالثوار، وهؤلاء لم يكونوا ثوارا، وجاءوا للحكم بتزييف الوعى فى الانتخابات بالأرز والسكر وبدعم أمريكى، أين إذن مصدر الشرعية؟ لاشرعية لهم، وهذه ليست ثورة وإنما انقلابا، بمعناه العلمى المحايد، فالانقلاب معناه الاطاحة برأس النظام واستبداله بحاكم آخر وتبقى فلسفة الحكم على ما هى عليه، وهذا ما حدث، لا أشعر بتغيير فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية عما كان فى زمن مبارك، وبالتالى الرئيس مرسى، هو الرئيس الثالث، فى جمهورية (السادات ــ مبارك)، والاختلاف أنه أفندى وليس ضابطا.
أضاف الدسوقى «أما الحديث عن شرعيّة أكتوبر بالنسبة لمبارك فقد كان دجلا لا معنى له» .
من جهته قال أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة الدكتور سعدالدين إبراهيم إن «شرعيات الحكم متراكمة وإن كل شرعية تبنى على الشرعية التى سبقتها، فضلا عن أن كل حاكم يستمد شرعيته بالإنجاز، ضاربا المثل بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى استمد شرعيته من الإنجازات التى تلت ثورة يوليو 52 من خلال سياسات العدالة الاجتماعية التى تمثلت فى قوانين الاصلاح الزراعى ومجانية التعليم وتأميم قناة السويس وطرد المحتل الانجليزى، تلاه الرئيس السادات الذى بنى على شرعية يوليو، وأضاف عليها من خلال إنجازه فى إعادة بناء الجيش المصرى وتحقيق انتصار أكتوبر، ومن بعده مبارك الذى تمكن من امتصاص الاحتقان الذى كان سائدا فى أواخر أيام الرئيس السادات، ومواجهة الإرهاب فى التسعينيات».
وتحدث إبراهيم عن شرعية الرئيس مرسى، قائلا: «الإخوان المسلمين كانوا آخر من التحقوا بالثورة بعد ثلاثة أيام من اندلاعها وأول من تركوا الميدان، هذا عن نسبة شرعيته إلى الثورة، وبالنسبة لشرعية الصندوق الانتخابى فمن شاركوا فى التصويت فى الانتخابات على الرئيس مرسى كانوا 25 % من مجمل من يحق لهم التصويت، ورغم ذلك، وحتى نكون منصفين فإن تحركات مرسى الخارجية حققت بعض الإنجاز من خلال التأكيد على استقلاليته عن التمركز فى الدائرة الأمريكية فى ظل الشائعات القائلة بدعمه أمريكيا، لكنه فى المقابل وعد بأشياء لم يكن ممكنا تحقيقها فى فترة وجيزة، وإجمالا نقول إن الشرعية تبنى بالإنجاز المتراكم عبر فترات الحكم المختلفة».