تفاصيل الخطة «شامل» لتدمير الجيش الإسرائيلى فى الدفرسوار
آخر تحديث: الأحد 6 أكتوبر 2013 - 1:32 م بتوقيت القاهرة
خالد أبو بكر:
فى السطور القادمة سنعرض لتفاصيل الخطة (شامل) التى أعدتها القوات المسلحة لتدمير القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة والتى بلغ مجموعها ثلاث فرق مدرعة ( فرقة أرئيل شارون، وفرقة أبراهام أدان، وفرقة كلمان ماجن)، بالإضافة إلى لواء مشاة مظلات بفرقة شارون، ولواء مشاة ميكانيكى بفرقة ماجن. وقبيل عرض تفاصيل هذه الخطة سنعرض لشهادات القادة المصريين حول قدرة القوات المسلحة على تنفيذ هذه الخطة، وكيفية استعادة قواتنا لتوازنها بين الشرق والغرب، وإعادة تسليح وحشد القوات لدحر العدو غرب وشرق القناة.
محاصرة الثغرة
من أفضل قادة حرب أكتوبر الذين كتبوا بتفاصيل حول الكيفية التى استعادت بها قواتنا كفاءاتها القتالية، الفريق كمال حسن على، مدير سلاح المدرعات خلال الحرب، والذى وقع عليه العبء الأكبر فى إعادة تسليح وتدريب التشكيلات المدرعة.
يقول الفريق على فى كتابه «مشاوير العمر.. أسرار وخفايا 70 عاما من عمر مصر.. الحرب والمخابرات والسياسة» إنه «فى يوم 26 أكتوبر قمت بزيارة الوحدات التى كانت تحاصر القوات الإسرائيلية فى منطقة الثغرة، وعلى رأسها الفرقة الرابعة المدرعة التى كانت تعمل غرب القناة (فى قطاع الجيش الثالث)، والتى تم إمدادها بعدد كبير من الدبابات بعد إصلاحها، كما قمت بزيارة اللواء المدرع الجزائرى الذى بعثت به الجزائر دعما للجبهة المصرية، وتمركز فوق جبل غره جنوب الثغرة، وكان المنظر من هذا الموقع لأرض المعركة يؤكد إمكانية تدمير القوات الإسرائيلية فى الثغرة بسهولة، حيث كان طول المنطقة التى عبرت من خلالها القوات الإسرائيلية عبر قناة السويس لا تتجاوز 7 كيلومترات فقط، وقد قامت لجنة من الكونجرس الأمريكى بزيارة الموقع يوم 7 نوفمبر بصحبة اللواء سعد مأمون وخرجت بانطباع يؤكد ضرورة تسوية سلمية لهذا الموقف؛ لأن القوات الإسرائيلية الموجودة داخل الثغرة أصبحت هى نفسها فى حصار أوشك أن يكتمل.
وفى 7 نوفمبر كنت فى زيارة أخرى للوحدات شرق القناة، وفى طريقى للجبهة سمعت فى إذاعة إسرائيل تصريحا لموشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى يقول فيه إن مصر أكملت دفع الجيش الرابع الميدانى حول الثغرة، ولقد سعدت بهذا القول لأنه فى واقع الأمر لم يكن الجيش الرابع سوى الإمداد المستمر بالدبابات للوحدات الأمامية تعويضا لخسائرها طوال أيام القتال وما بعدها، وكانت إدارة المدرعات قد استقبلت من يوغوسلافيا دبابات لواء مدرع ( 94 دبابة) جاهزة لركوب أطقمها، كما استقبلت دبابات لواء مدرع من ليبيا بدون أطقمه، تم تجهيزه بالأفراد ضباطا وجنودا من الاحتياطيات المدربة المشكلة لهذا الغرض، علاوة على وصول مدافع اقتحام مدرعة من الجزائر، وبعد زيارة هوارى بومدين (الرئيس الجزائرى) لموسكو تم إمدادنا بنحو 200 دبابة (ت 62) خصصت لتعويض دبابات الفرقة المدرعة التى كانت تعمل فى الجيش الثانى شرق القناة ودباباتها تدعم رؤوس الكبارى.
وقد تركت هذه الفرقة ما يكفى من دباباتها من طراز (ت 55) لاستكمال دبابات الفرق المشاة تعويضا لخسائرها، وكذلك تم سحب أفراد هذه الفرقة ليلا إلى القاهرة، وأعيد تدريبهم على الدبابات الجديدة من طراز (ت 62) فى أسبوع واحد، ثم دفعت هذه الدبابات بأطقمها بعد تجهيزها للقتال، سائرة على جنازيرها عند محور طريق الإسماعيلية فأثارت غبارا يزيد طوله على 30 كيلو مترا، على مدى ثلاثة أيام كاملة، وكان آخرها يوم 7 نوفمبر، الأمر الذى جعل موشى ديان يعلن عن إتمام حشد الجيش الرابع حول الثغرة فى ذلك اليوم».
«سيبونا نذاكر»
وفى كلمة أخيرة عن الثغرة ــ والكلام ما زال للفريق كمال حسن على ــ أود أن أقول إن الموقف الإسرائيلى غرب القناة أثناء محادثات الكيلو 101 كان موقفا هشا وقلقا لأى قيادة قد تفكر فى استمراره، فعلاوة على المنفذ الضيق الذى عبرت منه هذه القوات (7 كيلو مترات) من الشرق للغرب، كانت أوضاع هذه القوات وخطوطها الإدارية غاية فى الحرج، خاصة بعد أن أتمت القوات المصرية تعويض خسائرها، وأحاطت بهذا الجيب الإسرائيلى بشكل تهديدى لا يمكن إنقاذه. لقد أصبحت القوات المصرية من حوله ولا تسمح للقوات الإسرائيلية بالتحرك أو الانتشار لتحسين أوضاعها، بل لا تسمح لها حتى بالانسحاب من مواقعها دون خسائر كبيرة.
ويواصل الفريق على حديثه عن الأوضاع السيئة للقوات الإسرائيلية بقوله «أما الانسحاب الذى كان السادات يطالب به هذه القوات للعودة إلى موقع يوم 22 أكتوبر، أى يوم صدور قرار وقف إطلاق النار، فقد أصبح حلا مستحيلا بالنسبة لإسرائيل لأنه يجعلها تفقد كل المميزات التى اكتسبتها بانتهاك هذا القرار.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن أوضاع هذه القوات قد أصبحت معلومة بالتفصيل للقوات المصرية، بعد أن ظلت لفترة طويلة غير واضحة المعالم، فإن مجرد تثبيتها فى أماكنها كان يكلف إسرائيل ما هو فوق طاقتها لإمداد هذه القوات والإبقاء عليها بحجمها الهائل الذى جمعته من مختلف المهن وطلبة المدارس الذين كانت امتحاناتهم على الأبواب، وكان بعضهم يطالبون الجنود المصريين على مدى السمع (سيبونا نذاكر!!).
ولا يمكن لأحد أن يدعى أن إسرائيل عندما قبلت وقف إطلاق النار الثانى يوم 25 أكتوبر، ثم الانسحاب إلى شرق الممرات كانت جانحة إلى السلم أو راغبة فيه، فالحقيقة أن إسرائيل لم تقدم على ذلك إلا تحت شبح التهديد داخل مصيدة الثغرة.
والحقيقة أن الثغرة والجيب الإسرائيلى غرب القناة لم يحقق أمل القادة الإسرائيليين فى قلب نتيجة الحرب لأسباب عديدة، منها أن الخسائر الإسرائيلية المعلنة وصلت إلى 400 قتيل و 1200 جريح، وإن كانت حقيقة الأمر أكبر من ذلك بكثير، ومثل هذا التدمير فى القوى البشرية يكون له مغزى خاصا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل التى يشكل لها هذا النزيف البشرى تهديدا خطيرا فى ظروف تعدادها القليل.
ومن هذه الأسباب أيضا الفرصة التى أتيحت للقوات المصرية خلال فترة توقف إطلاق النار لإعادة تنظيمها وإمدادها، بحيث أصبحت تشكل حصارا كاملا لقوات الجيب الإسرائيلى يمنعها من الانتشار كما يمنعها أيضا من الانسحاب أو الهجوم، خاصة بعد أن دعمت مصر دفاعها الجوى حول الثغرة، وبلغ حجم القوات المصرية لتدمير العدو فى الجيب خمس فرق منها، فرقتان مدرعتان، و3 فرق مشاة ميكانيكية، بالإضافة إلى فرقة أخرى ميكانيكية من احتياطى القيادة العامة، وبذلك أصبحت مقارنة قوات المشاة لصالحنا بنسبه 3 إلى 1، و 6 إلى 1 فى المدفعية، وفى الدبابات كانت 2.5 إلى 1.
ولم يكن العدو قادرا على اتخاذ قرار منفردا بانسحاب يعرض قواته لخطر تدميرها بقواتنا أثناء إجرائها عملية الانسحاب لظروفها الصعبة والمعروفة، وعلى ذلك لم يكن أمام إسرائيل إلا أن توافق على قرار الانسحاب من المأزق، فقبلت إسرائيل بنفس أكثر من راضية الانسحاب من الثغرة، وكان ذلك إيذانا بانسحابها من أرض سيناء كلها فيما بعد».
الخطة شامل
الحديث عن الخطة (شامل) التى أعدتها القوات المسلحة لتصفية قوات العدو فى ثغرة الاختراق غرب قناة السويس، يبدو مقتضبا فى معظم المراجع العسكرية التى تناولت حرب أكتوبر، لكن هناك اتفاق على أن أهداف القيادة المصرية من هذه الخطة كان يتمثل فى «إحداث أكبر قدر من الخسائر فى قوات العدو وأسلحته ومعدته، مع القيام بعمليات إزعاج للعدو على أوسع نطاق ممكن حتى يصبح بقاؤه غرب القناة جحيما لا يحتمل، بالإضافة إلى إرغام إسرائيل على الاستمرار فى تعبئة قواتها الاحتياطية، مما يرهق اقتصادها القومى، ويهدد الحياة العامة بالشلل الكامل، مع منع العدو من تحسين وتحصين مواقعه شرق وغرب القناة»، بحسب المؤرخ العسكرى اللواء جمال حماد، فى كتابه المرجعى «المعارك الحربية على الجبهة المصرية».
المشير محمد عبدالغنى الجمسى، الذى خلف الفريق سعد الشاذلى فى رئاسة الأركان العامة اعتبارا من يوم 12 ديسمبر 1973 فى حوار له مع الصحفى الراحل موسى صبرى، أعطى بعض التفاصيل بشأن الخطة (شامل) جاء فيها «لقد تم وقف إطلاق النار الفعلى ظهر يوم 28 أكتوبر، بعد وصول قوات الأمم المتحدة، واعتبارا من يوم 31 أكتوبر بدأنا تنفيذ حرب استنزاف مخططة ضد العدو غرب وشرق القناة. كانت أمامنا مهمة رئيسية وهى ألا نسمح للعدو بأن يتمركز أو يتخندق ويثبت أقدامه فى الغرب. كان هذا عملا يوميا للقوات المسلحة، إلى أن يبدأ الهجوم لتصفية هذا الجيب بعملية شاملة.
وأضاف الفريق الجمسى قائلا: «لقد وضعت الخطة (شامل) الهجومية.. نوقشت.. صدق عليها القائد العام.. وتقرر أن يعين لقواتنا فى الغرب قيادة منفصلة تقود جميع أنواع القوات لتصفية الجيب، ونترك قواتنا فى الشرق تقاتل معركتها. وقوات الجيش الثانى تقاتل معركتها، وقد سلمت الخطة الهجومية لجميع قيادات القوات المسلحة (الطيران والدفاع الجوى والبحرية)، واختير اللواء سعد مأمون (بعد شفائه من الأزمة القلبية) لقيادة قوات الهجوم وتنفيذ الخطة. وعرضتها على السيد الرئيس القائد الأعلى أنور السادات فى 24 ديسمبر وصدق عليها.. ولم يتبق إلا تحديد الموعد بقرار من سيادته».
ويؤكد المشير الجمسى على أن «حرب الاستنزاف كانت مستمرة.. طبقا للتخطيط الموضوع لها، وهو ضرب قوات العدو شرق وغرب القناة، وعلى طول المواجهة بهدف إيقاع أكبر خسائر فى أرواحه ومعداته، ومنعه من تحسين مواقعه، وطبقا لبيانات الأمم المتحدة قامت قواتنا بـ439 عملية ضد العدو.. 39 عملية فى نوفمبر و213 فى ديسمبر، ومن أول يناير إلى 17 يناير 133 عملية. وهذه هى الخسائر التى أعلنها العدو: 11 طائرة، 41 دبابة ومدرعة، 10 رشاش ثقيل، 36 معدة هندسية، 187 قتيلا. لم يحدث إذن أى توقف فى عملياتنا.. حتى تم اتفاق فك الارتباط (الاشتباك).. استمرت حرب استنزاف لم تترك للعدو هدوءا ليلا ونهارا». ويؤكد المشير الجمسى على أن خطة تصفية الثغرة (شامل) قد سلمت إلى جميع قيادات القوات المسلحة فى 7 ديسمبر 1973، وصدرت التعليمات لكل القوات للاستعداد لتنفيذها (تخطيط، إعداد، تدريب، استكمال)، وتركنا تحديد ساعة الصفر للقائد الأعلى (السادات) لاختيار الوقت المناسب سياسيا، وتم هذا فى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة الرئيس السادات الذى صدق على الخطة. فى 24 ديسمبر، وكان أمره «كونوا جاهزين فى أى لحظة».
اللواء سعد مأمون
لقد بدأ تكليف اللواء سعد مأمون من المشير أحمد إسماعيل بقيادة الهجوم على الثغرة فى الساعة الثالثة من مساء 12 ديسمبر.. استدعاه القائد العام وقال له: «يبدو يا سعد إنك ستغادرنا إلى الميدان من جديد، كمندوب للقائد العام لقيادة القوات الرئيسية غرب القناة لتصفية الثغرة. أنت من الآن مسئول أمام وزير الحربية والقائد العام عن تدمير الجيش الإسرائيلى.. وثقتى فيك لا حدود لها». وسافر إلى الجبهة على الفور، وقام بجولة على الحدود الأمامية للقوات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وقام بتعديل الخطة (شامل) على الطبيعة وفق ما ظهر أمامه من حقائق جديدة فى الميدان، وصدق وزير الحربية على التعديل الأخير.
وأكد اللواء مأمون فى حوار مع الصحفى موسى صبرى على أن الخطة شامل كانت تعتمد على «تقدير سليم لموقف العدو، وتحديد واضح لنقاط ضعفه، وتحديد سليم لنقاط قوته». وشدد على أن «العدو كان فى مصيدة، وكان يجب أن أزيده إحساسا بأنه فى مصيدة، كان العدو متخذا أوضاعا دفاعية لا هجومية. كان يدافع فى حالة نفسية سيئة.
ويبدو قلقه فى جميع تصرفاته، كما أن أوضاعه الدفاعية تدل على فزعه.. مثلا رص العدو أمامه حوالى 700 ألف لغم. حفر خنادق مضادة للدبابات على معظم المواجهة (عرض من 6 إلى 7 أمتار، وعمق 5 أمتار) كان لديه من 500 إلى 600 دبابة. وكان شعارى أن نلقن العدو درسا أقسى من دروس العبور وتحطيم حصون بارليف. وواقع الحال أن الجيب الإسرائيلى فى الغرب كان هشا.. كل دبابة للعدو فى الغرب كان يقابلها حوالى دباباتين فى قواتنا، وقطعتين مضادتين للدبابات.. علاوة على نيران المدفعية والطيران، علاوة على احتياطى القيادة العامة للقوات المسلحة الموضوعة تحت سيطرة المشير أحمد إسماعيل.
وقد قدرت الخطة الموضوعة لتصفيتة كافة الاحتمالات، بطريقة لعلها أحسن من تحضيرات 6 أكتوبر، وكان تفكيرى أن النصر فى هذه العملية لا يحتمل الجدل ولا التجربة، وقمنا بمشروعات حقيقية على أرض مشابهة.
وكان التقدير: بالنسبة للوضع العسكرى العام تم احتواء العدو تماما فى الغرب.. لقد حاصرنا العدو من كل جانب، وله منفذ واحد فى الدفرسوار لا يزيد عرضه على 6 كيلومترات، وكان مقررا إغلاق هذا المنفذ بالقوات فى ساعات قليلة.. وهذه الشريحة كان مخصصا لها أعداد هائلة من القوات».
وأكد اللواء مأمون أنه «كان من المقرر أن نصفى الجيب الإسرائيلى على محاور بالتعاون مع كافة أفرع القوات المسلحة، أى أننا كنا سنهاجم من 4 اتجاهات (تم التعديل لتصبح 5 اتجاهات).. وكانوا حقا فى مأزق». موضحا أن «قوات العدو فى 22 أكتوبر تمكنت من عمل رأس جسر واحد غرب الدفرسوار بمساحة 70 كيلومترا مربعا (7 فى 10).. قواتنا فى الشرق كانت قد عملت رؤوس جسور فى الجيوش مساحتها 7 آلاف كيلومتر مربع، أى مائة ضعف، كان موقف العدو العسكرى حرج للغاية.
لذلك حاول أن يعوض هذا الوضع الحرج (صغر حجم رأس جسره فى الغرب) إلى وضع محتمل بأن ينتشر جنوبا. ثم طور فكرته لأنه أحس أن هذا الانتشار فيه نوع من إضعاف قواته فى الكثافة أمام القوات المصرية.. حاول دخول السويس. قطع خطوط المواصلات لعزل جزء من الجيش الثالث فى الشرق. والهدف هو أن يساوم بهذا الوضع الجديد على موقفه الحرج فى الغرب، ولكن وضعه عسكريا هش.
وأوضح بأنه «لا يوجد لدى العدو ما نعبر عنه بالاتزان الاستراتيجى.. قواته شبه محصورة فى الغرب. عجز عن زحزحة قواتنا فى الشرق بوصة واحدة على طول المواجهة من عيون موسى جنوبا إلى بور فؤاد شمالا. وخلال حرب الاستنزاف اعتبارا من نوفمبر 1973 اكتسبنا نحن أرضا جديدة غربا وشرقا. ثم إنه مجبر على التعبئة الكاملة فى إسرائيل. كل لقمة.. كل جرعة ماء.. كل دانة مدفعية.. كل نقطة بنزين يجب أن تصل إليه من بعد 300 كيلومتر فى الخلف.. من مخنق عرضه 6 كيلومترات». وأكد على أن «التخطيط كان يركز على غلق هذا المخنق أو الممر، ونشعله نارا. فى نفس الوقت الذى ندمر فيه قواته فى الغرب، وأستطيع أن أقول أن هذا كان سيتم فى (لا وقت) أى وقت قليل جدا!؛ لأننا نعلم من خط بارليف أن الدفاع مهما كان حصينا، يمكن اختراقه. فما بالك بهذا الجيب.
قواعد طيراننا قريبة جدا.. الدفاع الجوى استطاع أن ينشئ حائطا ثانيا للصواريخ أقوى مما كان.. العدو ثقته فى نفسه وقيادته اهتزت، ولا شك أن العدو بتصويره الجوى لقواتنا فى الغرب أدرك ما يمكن أن يحدث له، ولذلك فضل الانسحاب فى سلام. وكان من المستحيل أن تنسحب إسرائيل لو كان لديها مجرد أمل فى إمكانية البقاء». وخلال الأيام التالية بدأت محادثات فصل القوات بإشراف الأمم المتحدة، التى سميت بمحادثات الكيلو 101 ــ وإن كانت منعقدة فعلا عند علامة الكيلو 103 فى طريق السويس القاهرة ــ تأخذ مسارا جديا، إلى أن انتهت بتوقيع اتفاقية الفصل بين القوات فى 17 يناير 1974.
السادات وكيسنجر
قال الرئيس السادات فى كتابه «البحث عن الذات قصة حياتى» إنه «فى ديسمبر سنة 1973 كنت مستعدا لتصفية جيب الثغرة، فقد بدأت قواتنا حرب الاستنزاف، ولم يتوقف ضغطها على الثغرة لحظة واحدة مما جعلنا نكسب أرضا جديدة كل يوم.. تارة بالأمتار وتارة بالكيلومترات.. ولكننا كنا نكسب دائما.. أنا فعلا كنت على أتم الاستعداد لتصفية الثغرة، وخاصة أنه ليست أمامى قناة لعبورها ولا خط بارليف للقتال معى، ولكن الخطر الذى كان أمامى كان تدخل أمريكا.. ففى 11 ديسمبر جاء هنرى كيسنجر (وزير خارجية أمريكا) وقلت له «أنا مش مستعد أقبل الأسلوب اللى هم ماشيين به.. وأنا حاصفى الثغرة.
قال لى: «أنا قبل أن أحضر إليك عارف إنك جاهز.. أنا طلبت صورة الموقف من البنتاجون فأعطونى تقريرا كاملا.. حائط صواريخك يتكون من كذا بطارية.. دباباتك حول الثغرة 800 دبابة.. مدافعك عددها كذا وتستطيع فعلا أن تصفى الثغرة، ولكن اعلم أنك إذا فعلت هذا سيضربك البنتاجون».