بحكايات الغريب.. كيف سلط الغيطاني الضوء على بطولات الجنود المجهولة

آخر تحديث: الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 1:18 ص بتوقيت القاهرة

إيمان صبري خفاجة

مع بدايات شهر أكتوبر من كل عام يبدأ التوقيت الرسمي لإذاعة فيلم حكايات الغريب بالرغم من وجود نسخة الفيلم كاملة على اليوتيوب لكن يظل تتبعه في هذا الشهر ومشاهدته على القنوات الفضائية المختلفة يمثل متعة خاصة خالصة لدى المشاهدين، كأن مفاجأة عرضه يذكرهم بمفاجأة عبور قواتنا المصرية لقناة السويس وتحقيق النصر الذي أبهر العالم في يوم السادس من أكتوبر عام 1973.

لكن هناك أسباب أخرى لما لذلك الفيلم من مكانة لدى المشاهدين، فقد تم إنتاجه عام 1992 إنتاج إتحاد الإذاعة والتليفزيون سيناريو وحوار محمد حلمي هلال وبتوفيع المخرجة إنعام محمد علي في فترة شهدت تعطش للأعمال السينمائية التي تتحدث عن فترة الحرب، فلم تشهد الساحة السينمائية أية أفلام حديثة بعد إنتاج الأفلام التي عرضت في الفترة المزامنة للحرب، بالإضافة إلى أنه لم يعتمد على نجوم الصف الأول وذلك كان إسقاط هام على أن نجوم الحرب ومن ضحوا من أجل هذا الوطن لم تكن أوجه معروفة، لكن أصواتهم كانت ملئ السمع والبصر، الصوت الذي أشير له من خلال مشاركة المطرب الكبير محمد منير بطولة الفيلم وكان يعتبر بطل صف أول كصوت عربي، فضلا عن أن الفيلم تتركز أحداثه حول ملحمة حصار السويس في عام 1973 وما تلاها حتى فك الحصار عام 1974 بعد مرور 101 يوم شهدت بطولات فريدة بين الجيش والشعب المصري من أهالي مدينة السويس.

العديد والعديد من الأسباب خلف شغف أجيال متعاقبة بهذا الفيلم السينمائي الحميم، نحتاج في كتابتها إلى مئات المقالات التي حتما تتكفل بها صفحات الصحافة الفنية.

لكن يظل أحد أهم أسباب مصداقية هذا الفيلم هي قوته التي يستمدها من النص الأدبي الفريد الذي أخذت عنه أحداث الفيلم؛ الفيلم مأخوذ عن المجموعة القصصية حكايات الغريب الصادرة عام 1976، للأديب والصحفي صاحب الخلفية العسكرية التي تجلت في أجواء هذا الكتاب، الأديب الراحل جمال الغيطاني.

ركز الغيطاني في هذه المجموعة القصصية في السواد الأعظم من قصصها على حكايات عن المواطن المصري في ظل أحداث حرب أكتوبر الذي تعرض للحصار أو التضييق خاصة في مدن القناة، حيث وجد المواطن البسيط نفسه أمام تحدي كبير، فهو يتمنى الخلاص من هذا العدو الغاشم وشرف المشاركة في تحرير أرضه بصورة مشرفة أمام عالم خارجي لا يعترف سوى بالقوة العسكرية المتقدمة لذلك ينظرون إليه بهوان لما يملك من إمكانيات عسكرية ضعيفة وإمكانيات اقتصادية محدودة.

لكن ظلت الصدارة للقصة التي جاءت تحت عنوان حكايات الغريب والتي أشار الغيطاني في بدايتها أن أحداثها مأخوذة عن قصة حقيقية لسائق بمؤسسة صحفية هو عبدالعزيز محمود الذى استشهد فى فترة حصار السويس عام 1973.

كانت هذه الحكاية فرصة الغيطاني لتسليط الضوء على طبيعة شخصية المواطن المصري في الفترة ما قبل عام 1973 خاصة بعد أن تذوق مرارة الهزيمة التي أورثت البعض منا روح يائسة لم يستطع الفكاك منها لسنوات طويلة إلا من لحظات صحوة وأمل كانت تنتابنا عقب عمليات الجيش المصري في حرب الاستنزاف التي ألحقت بالعدو هزيمة مدوية.

ومن هذه النقطة يعود إلى عناصر الفساد الداخلية، عن من يستغلون حالة الحرب للتجارة والتضييق على الشعب من أجل تحقيق مكاسب أكبر، وبالتالي التعرف على الظروف التي تحملها المواطن المصري في تلك الفترة بالجبهة الداخلية، فما بالنا بمن يعيشون على الجبهة العسكرية في مواجهة عدو غاشم متغطرس؟!

ثم يقف أمام حرب أكتوبر ولحظة العبور التي أعادت النشوة والعزة إلى المنطقة العربية بالكامل، وظلت الجبهة الداخلية في تعطش للأخبار عن يوميات الحرب التي كان للصحافة دور كبير في إذاعتها والكتابة عنها، الصحافة التي مارست دورها من خلال المراسلين والعربات التي تنقل الصحف حتى كان حصار السويس المفاجئ في يوم 24 أكتوبر عام 1973، حصار عزل كل من هم داخل السويس عن خارجها، كان السائق عبدالرحمن أحد من دخلوا السويس وظلوا بها لمدة 101 يوم ضربت فيهم السويس المثل بما يجب أن تكون عليه المقاومة الشعبية التي لعبها أهل السويس يد بيد مع رجال الجيش الثالث المصري.

بعد فك الحصار تبدأ عملية البحث عن من دخل السويس يوم الحصار لمعرفة مصيرهم، كان عبدالرحمن منهم، فكان تتبع خطواته فرصة الغيطاني لتسليط الضوء على البطولات الفردية للمقاومة في السويس وأهم معارك الجيش بداخلها، في كل مرة يعرف عبدالرحمن باسم جديد مرتبط ببطولة خارقة حدثت بالفعل في السويس أثناء الحصار، كان هذا الجزء أول ما كتب كناية عن الجنود المفقودين، وعن أن الهوية المصرية واحدة لا يهم الاسم فقد يختلف ويختفى ويفقد جسد صاحبه لكن يبقى أثر بطولاته.

كما سلطت القصة الضوء على الأضرار التي لحقت بالمدينة، ودور المرأة، والحكايات التي حفظها الأحياء عن بطولات الشهداء عن ظهر قلب، والدور الأكبر كان نظرة كافة محافظات مصر للحصار فهناك من سارع وتسلل إلى السويس كي يكون واحد من أهلها في تلك الفترة العصيبة.

ظلت القصة أيقونة خلدت بقلم أيقونة صحفية قرر أن يغير وجهته إلى الجبهة في زيارات متقطعة عام 1969 يكتب عن بطولات الجنود على الجبهة حتى قرر أن يصبح مراسل حربي حتى عام 1974 فلم تنضب منابع حكاياته عن تلك الفترة حتى لحظاته الأخيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved