30 يوما من القتال.. لا شكل للواقع المجهول في غزة

آخر تحديث: الإثنين 6 نوفمبر 2023 - 12:54 م بتوقيت القاهرة

وكالة أنباء العالم العربي

بإعلان جيشها مساء الأحد، وصول فرقة من مدرعاته إلى الطريق الساحلي لمدينة غزة، تكون إسرائيل قد حققت على ما يبدو هدفا أوليا بفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه وتطويق المدينة التي تعتقد أنها معقل مقاتلي حركة حماس.

هدف يراه المسئولون الإسرائيليون أولوية في مواجهة "عدو قاسٍ" يخوض الجيش ضده معارك برية صعبة كلّفت الجانب الإسرائيلي حتى الآن مقتل 30 من جنوده على الأقلـ ولا يعرف حتى الآن عدد قتلى العناصر الفلسطينية في المعارك الدائرة شمال القطاع وغربه.

لكن ضابطا سابقا في المخابرات الأردنية، قال لوكالة أنباء العالم العربي، إن من المبكر الحديث عن أي نجاح لإسرائيل في غزة، حيث لا تزال الطائرات الإسرائيلية تكثف عمليات القصف الجوي بعد 30 يوما من بدء المعارك.

ويقول العميد السابق عمر الرداد، إن استمرار القصف بعد مرور شهر "يعني أن هناك مشاكل يواجهها الجيش الإسرائيلي على الأرض"، رغم قوله إن ذلك لا ينفي أن إسرائيل "تضيق الخناق على حماس".

لكن أهداف إسرائيل المعلنة من الحرب - التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي في أعقاب اجتياح مقاتلين فلسطينيين لبلدات ومستوطنات ومعسكرات إسرائيلية في يوم انتهى بمقتل 1400 إسرائيلي - تتجاوز بكثير مجرد تطويق حماس لتصل إلى حد القضاء على الحركة تماما وإنهاء وجودها المسلح المستمر في غزة منذ 2007.

وقتلت إسرائيل في قصف غزة حتى الآن ما يقرب من عشرة آلاف شخص، إضافة إلى أكثر من 25 ألف جريح. ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن لديه أكثر من ألفي بلاغ عن مفقودين تحت الأنقاض.

وأضاف العميد الرداد "ستتضح الأمور أكثر بعد انتهاء المعارك".

لكن لا أحد يمكنه التكهن متى ستضع هذه الحرب أوزارها، ولا حتى من بدأها.

- أين تقف إسرائيل على الأرض؟

بانتهاء اليوم الثلاثين للحرب مساء الأحد، تكون إسرائيل أحكمت السيطرة على شارع الرشيد الساحلي الحيوي، مثلما يقول صحفي فلسطيني من غزة عاش حروب إسرائيل على القطاع طيلة 15 عاما.

يعتقد الصحفي الذي تحفّظ على التصريح باسمه، أن إسرائيل بوصولها للطريق الساحلي قد نجحت في إغلاق كل غرب غزة وقسمت القطاع، لتبدأ بقصف مفارق طرق رئيسية داخله، مضيفا: "هكذا يمكنها الضغط على باقي المواطنين في مدينة غزة للخروج".

يقول المسئولون الإسرائيليون، إن الجيش ينفذ حاليا المرحلة الثانية من العملية ضد غزة، بالتوسع التدريجي برا مع استمرار القصف.

وبعد ثلاثة أسابيع من قصف جوي لا ينقطع، دخلت دبابات إسرائيلية أحد الأحياء على أطراف مدينة غزة في الثلاثين من أكتوبر حيث قطعت الطريق الرئيسي بين شمال القطاع وجنوبه قبل أن تتراجع تحت وطأة نيران مسلحين فلسطينيين.

اليوم، أصبحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على مناطق في شمال وغرب مدينة غزة أمرا لا يقبل الشك، وبات بوسعها دفع ما تبقى من الفلسطينيين في غزة للنزوح جنوبا، وهو بدوره هدف حددته إسرائيل مع انطلاق حربها قبل شهر حين دعت الفلسطينيين للتحرك إلى جنوب وادي غزة.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل لا توفر ممرات آمنة للراغبين في التحرك إلى محافظتي الجنوب - خان يونس ورفح - اللتين تتعرضان للقصف بشكل مستمر.

 

ووثق الصحفي الفلسطيني، بمقطع فيديو اطلعت عليه وكالة أنباء العالم العربي، عشرات الجثث الممزقة على طريق الرشيد في طريق خروجه من مدينة غزة يوم الخميس الماضي.

وقال الصحفي، إن معظم سكان منطقة البحر أخلوا مناطقهم مع اشتداد ضربات البوارج على مدى أيام الحرب، مشيرا لاعتقاده بأن أحد أهداف إسرائيل هو إجبار معظم سكان غزة على الخروج منها سيرا على الأقدام "من خلال حواجز إسرائيلية على الهوية".

ويقول العميد الرداد، إنه من غير الواضح إن كانت مدرعات الفرقة 36 تلك قد جاءت عن طريق الساحل أم من منطقة توغلت فيها القوات الإسرائيلية من مستوطنات شمال القطاع، وتحديدا من منطقة جحر الديك.

ويضيف "على أي حال، وصول هذه الفرقة بدبابات وآليات إلى الشاطئ يعني استمرار إسرائيل في المخطط المتمثل في فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه من خلال المنطقة الجنوبية لمدينة غزة وعبر خط يفصل هذا المستطيل الغزاوي".

ويشير العميد الأردني هنا إلى منطقة يتهم الفلسطينيون، الإسرائيليين بالعمل فيها على تنفيذ سياسة الأرض المحروقة بقصف بالغ العنف. تشمل هذه المنطقة، وفقا للصحفي الفلسطيني، بلدة بيت لاهيا ومنطقة العطاطرة، وهي مناطق يصفها بأنها "ساقطة أمنيا".

لكنه يشير بوضوح إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلية، الآن باتت على مشارف مخيم الشاطئ الذي انهارت معظم مساكنه بفعل أسابيع من القصف الإسرائيلي.

- على بعد نحو كيلومتر واحد من مدينة غزة

يرسم الصحفي الفلسطيني صورة مقربة للوجود العسكري الإسرائيلي على الأرض في غزة.

يقول، وهو الذي عاش محاولات إسرائيل لاقتحام غزة مرارا بدءا من 2008: "هم الآن في منطقة أبراج الكرامة التي تم تدمير عدد كبير أبراجها، كما توجد الدبابات بقرب شارع المخابرات ومنطقة فندق المشتل (الموفنبيك سابقا).

ويضيف "ما أشرت إليه هو شمال غرب غزة.. أما جنوب مدينة غزة، فالقوات الإسرائيلية موجودة في منطقة شارع 10 القريب من مستوطنة نتساريم سابقا، تأتي الدبابات بسهولة من شرق غزة لتسلك هذا الطريق ثم تتوغل داخل منطقة شارع عشرة بالقرب من موقع قريش التابع لكتائب القسام".

وتابع: "تسيطر إسرائيل بهذه الطريقة على شمال غرب مدينة غزة وشرقها وجنوبها ويمكنها بكل يسر قطع طريق صلاح الدين وطريق الرشيد (على البحر) من خلال البوارج غربا والدبابات شرقا وجنوبا".

لكن الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج، يقول إن إسرائيل لم تفعل أكثر من الاقتراب لمسافة ما من مناطق شمال غزة لتواصل القصف المدفعي.

"إسرائيل اختارت منطقة شمال وادي غزة وبيت لاهيا وبيت حانون لشن الهجوم.. حاولت اختراق الدفاعات.. لكن لم تحقق إنجازا ميدانيا" - الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج لوكالة أنباء العالم العربي

يلخص اللواء فرج الموقف بالقول إن "تحقيق النصر يكون بالسيطرة على الأرض".

- مجهول في الأنفاق

يقول ضابط كبير سابق آخر بالجيش المصري إن إسرائيل لا تعرف ما ينتظرها أسفل ما تسيطر عليه من مناطق في غزة.

يضيف اللواء نصر سالم مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية في مصر: "إسرائيل تحاول الوصول للأنفاق لكنها حتى الآن لم تتمكن من الوصول إليها وهو من أهم أهدافها في هذه العملية البرية".

ويقول الصحفي الفلسطيني الذي أمضى 26 يوما من الحرب داخل المناطق الساخنة في غزة، إن عناصر حماس وغيرها من العناصر الفلسطينية المسلحة يفاجئون القوات الإسرائيلية بما يصفها "الكماشة"، فيخرجون من عيون أنفاق لا يراها الإسرائيليون.

في الأيام القليلة الماضية، نشرت كتائب القسام وهي الذراع العسكرية لحماس، مقاطع مصورة لاشتباكات مع الإسرائيليين من مسافات قريبة. وتظهر المقاطع التي لم يتسن لوكالة أنباء العالم العربي التحقق من صحتها استهداف دبابات ومركبات عسكرية إسرائيلية من "المسافة صفر".

لا تتوفر معلومات كافية عن أنفاق غزة، التي يقول محللون فلسطينيون إنها تمتد بطول يصل لأكثر من 500 كيلومتر أسفل شوارع ومباني القطاع البالغة مساحته 360 كيلومترا مربعا.

ويقول هؤلاء إن حماس شرعت في بناء الأنفاق في أعقاب سيطرتها على القطاع بعد طرد عناصر السلطة الوطنية الفلسطينية منه في 2007.

قبل ذلك بعام، حققت حماس الفوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. لكن الولايات المتحدة سارعت بالإعلان بعدم اعترافها بنتائج تلك الانتخابات لتتدهور الأمور سريعا ويشتبك مسلحو حماس مع قوات من السلطة في معارك انتهت بإتمام حماس السيطرة على القطاع.

يقول الصحفي الفلسطيني إن حماس أمضت السنوات الماضية في تعزيز بنية الأنفاق وجعلت منها حصونا لا يعرف الإسرائيليون أولها من آخرها.

ويقول اللواء المصري السابق نصر سالم "إسرائيل لا تعرف ماذا يوجد تحت الأرض.. لذا تحاول فصل الدفاعات عن بعضها وتجزئتها لتجرب في كل جزئية على حدة، ولتضرب كل منطقة بشكل منفصل".

يعتقد سالم أن لإسرائيل ثلاثة ألوية في غزة الآن تعتمد في تحركاتها على قوات استطلاع تعرف باسم "المفرزة".

لكنه يقول إن تلك القوات تتراجع بسرعة "بمجرد الاصطدام بقوة من حماس"، ليعود الطيران والمدفعية للقصف.

ويضيف "المعركة الحقيقية ستكون عندما تقوم القوات الإسرائيلية باقتحام المدن والأنفاق. وفي هذه الحالة ستتكبد إسرائيل خسائر فادحة لن تستطيع تحملها".

- الأسرى وضغوط الداخل والخارج

يجهر سياسيون إسرائيليون بمطالبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته بالتركيز على إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم حماس وشركاؤها في غزة والمقدر عددهم بأكثر من 250 عاد بهم العناصر الفلسطينية بعد عمليتهم المدوية في السابع من أكتوبر الماضي "طوفان الأقصى".

بينهم رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، خصم نتنياهو وزعيم المعارضة الحالي، الذي ذكر حسابه على منصة إكس أنه أبلغ عائلات الأسرى خلال زيارته لخيمة اعتصام يقيمونها في تل أبيب بأنه سيطالب الحكومة بكل خطوة ممكنة لإعادتهم.

ونسب إليه القول إن هذا الأمر "يسمو فوق أي سياسة".

لكن 60 من الأسرى قتلوا بالفعل في غارات إسرائيلية على غزة، وفقا للمتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، الذي بدت رسالته وكأنه موجهة لذوي الأسرى أكثر منها للفلسطينيين.

ويعتقد العميد الرداد، أن إسرائيل لا تستطيع "عمليا" تجاوز قضية الأسرى، لكنه يحذر من أنها في حال عجزها عن تحقيق أهداف عسكرية ميدانية فإن مصير الأسرى سيكون غامضا "وربما لا يمثلون أولوية لدى الإسرائيليين".

بالنسبة للعميد الرداد، فإن تقدير وقت لنهاية الحرب أمر بالغ الصعوبة، لكنه يعتقد أن إسرائيل "بدأت ما يشبه التنازل عن الأهداف الكبرى وهو إنهاء حكم حماس ووجودها العسكري في غزة".

ويقول "هي (إسرائيل) الآن أمام مشكلة كبيرة، وهناك مؤشرات على أن إسرائيل تريد وقف الحرب مقابل إنقاذ الأسرى وهذا أيضا يقابل بتمسك الفلسطينيين بتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين".

ويضيف "يجب أن نتذكر أن نهاية هذه الحرب ليست قرارا إسرائيليا خالصا، فالولايات المتحدة موجودة ولها وجود فاعل يتجاوز كونها مجرد مستشار فهناك شراكة في التخطيط والتسليح".

لكن الصحفي الفلسطيني الشاهد على عمليات إسرائيل السابقة في غزة يقول إن هذه الجولة ليست كسابقاتها.

يضيف "هذه الجولة لن تنتهي إلا بمنتصر. هذه حرب وليست عملية عسكرية".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved